**
(الصورة الوحيدة المنشورة لـ”بيت الله محسود”)
للمؤرخ والعلامة السعودي الراحل حمد الجاسر مقولة مفادها أنه في الأماكن والأزمنة التي يتراجع فيها الوازع الديني أو تشوب العقيدة فيها شوائب وخرافات، أو تعز فيها الانتصارات، يلجأ المسلمون إلى مداراة أوضاعهم تلك بالاكثار من استعمال أسماء العلم المركبة من تلك التي تستخدم في احد شطريها مفردة “الدين”، مثل تاج الدين وشمس الدين وسيف الدين، على نحو ما هو شائع لدى الباكستانيين مثلا. ولأن شركاء هؤلاء في الوطن سابقا، أي البنغاليين من أبناء ما صارت تعرف اليوم ببنغلاديش أرادوا التفرد و التميز، فقد لجأوا إلى استبدال كلمة “الدين” بمفردة “الرحمن”، فانتشرت في أوساطهم أسماء علم مثل ضياء الرحمن و سميع الرحمن ومطيع الرحمن ومجيب الرحمن. وعلى نفس المنوال ولذات الأسباب انتشرت في أوساط الأفغان والبلوش والفرس أسماء مثل أسدالله و نصر الله ودادالله وأمر الله و بيت الله. والاسم الأخير تحديدا هو ما يعنينا، فرغم محدودية عدد من يتسمون به، فانه صار معروفا و كثير التردد في وسائل الإعلام مؤخرا، لسبب بسيط هو التصاقه بأحد كبار الإرهابيين الباكستانيين وأكثرهم غموضا، ونقصد به ” بيت الله محسود”. الذي يبدو أنه ليس له من اسميه نصيب. إذ حاشا لله أن يكون الرجل كبيت الله في طهارته وحرمته وأمنه وأمانه. أما أن يكون محسودا، فهو الآخر لا يصمد، لأن من كان مثله في التوحش والأمية والقسوة و العزلة في الكهوف، لا يمكن أن يكون مبعث حسد من الآخرين، علما بأن سبب هذا الاسم الغريب هو انتماء صاحبه إلى قبيلة “محسود”، احد فروع كبرى القبائل البشتونية القاطنة على جانبي الحدود الباكستانية – الأفغانية، وتحديدا في إقليم وزيرستان
يبلغ محسود اليوم الرابعة و الثلاثين، و يعتبر القائد الحربي الأعلى في وزيرستان حيث تدين له بالطاعة غالبية سكان و قبائل هذه المنطقة الباكستانية الوعرة التي عرفت تاريخيا بمقاومة الأجنبي و عدم الرضوخ للسلطة المركزية. غير أن نفوذه و سطوته هذه لم تأت إلا من خلال قيامه بعمليات تطهير و قتل و تصفية وحشية ضد الزعماء القبليين الآخرين. إذ يقال انه منذ ديسمبر 2007 حينما نجح في تصفية مائة زعيم قبلي، صار مطلق اليدين في وزيرستان إلى الحد الذي لم يتردد معه في فرض الضرائب على سكان الإقليم رغم انف السلطات المحلية، و إطلاق تسمية “أمير البلاد” على نفسه. وهذا شجع بدوره ما يسمى بمجلس شورى حركة طالبان على الاستسلام للأمر الواقع و تسميته زعيما للحركة في باكستان وقائدا عاما لميليشياتها هناك، وذلك خلفا لابن عمه الأعرج عبدالله محسود الذي تمكنت السلطات الباكستانية منه واردته قتيلا في يوليو 2007، من بعد أن كان الأمريكيون قد أطلقوا سراحه من معتقل غوانتنامو الذي نقل إليه بمجرد اعتقاله في “تورا بورا” الأفغانية في عام 2001. ومما شاع عن الميليشيات التي يقودها محسود أنها على درجة عالية من التنظيم و مقسمة إلى وحدات، لكل منها دور محدد، مثل الوحدة المختصة بملاحقة وقتل كل شخص منحاز أو متعاطف أو متعاون مع نظام الرئيس الباكستاني برويز مشرف أو مؤيد للتدخل الأمريكي في أفغانستان.
رغم ضلوعه و اشتراكه في حروب حركة طالبان الأولى من اجل السيطرة على كابول في منتصف التسعينات، فان اسم محسود ظل غير معروف، بل لم تكترث له حتى أجهزة المخابرات الباكستانية. و هكذا يمكن القول أن أول مرة سمع فيها اسم الرجل في نشرات الأخبار كان في يونيوعام 2006 حينما نقلت وكالة أنباء أريانا الأفغانية في تقرير لها من وزيرستان، أن القبائل الوزيرية المتحالفة مع طالبان تتفاوض مع السلطات الباكستانية من اجل وقف إطلاق النار، وان ممثلها في تلك المفاوضات هو بيت الله محسود
وفي فبراير من عام 2006 أكد محسود انه توصل مع إسلام آباد إلى صفقة يوقف بموجبها الجيش الباكستاني عملياته الحربية في وزيرستان، لكن الجيش الباكستاني نفى في تصريح لأحد جنرالاته لصحيفة النيويورك تايمز خبر وجود الصفقة وأكد أن عملياته الحربية مستمرة ضد طالبان و حلفائها القبليين.
ورغم الغموض و الجدل الذي أحاطا بهذا الموضوع، فان تقارير مخابراتية أجنبية أكدت وجود الصفقة، بل وأضافت أن الثمن الذي قبضه محسود من اجل التعاون مع الجيش الباكستاني، كان في حدود 20 مليون دولار، وان التبرير الذي أعطي للمطالبة بهذا الرقم تحديدا، كان سداد دين مقداره 20 مليون دولار لتنظيم القاعدة على حركة طالبان. غير أن محسود قدم تبريرا آخر هو أن هذا المبلغ إنما هو لدفع التعويضات المالية للأسر الوزيرية التي تضررت من العمليات الحربية للجيش الباكستاني.
بعد ذلك تكرر ظهور اسم محسود في وسائل الإعلام، ولاسيما بعيد قيامه هو وأنصاره بأسر نحو 300 عنصر من عناصر الجيش الباكستاني أثناء مرافقتهم لقافلة إمدادات داخل وزيرستان في صيف عام 2007. في هذه الحادثة – التي دلت على عدم صمود الصفقة المشار إليها آنفا – وانتهت نهاية مأساوية كنتيجة لرفض إسلام آباد الرضوخ لمطلب سحب كل القوات الحكومية من وزيرستان، وهو ما رد عليه محسود ليس بجز أعناق الباكستانيين الثلاثمائة، بل و أيضا بعملية اقتحام جريئة لإحدى القلاع العسكرية في جنوب وزيرستان وقتله أو أسره للعشرات من عناصر الجيش النظامي. كما عاد اسمه إلى الواجهة مرة أخرى أثناء التحقيقات حول التفجيرات التي شهدتها راولبندي في سبتمبر 2006 والتي توصلت إلى أن كلا من بيت الله محسود و عبدالله محسود و الإرهابي الاوزبكي يالديشيف هم من كانوا وراءها.
غير أنه حتى هذا التاريخ كان اسم بيت الله محسود لم يتخط بعد حدود جنوب آسيا، بمعنى أنه كان يتردد فقط في وسائل الإعلام الباكستانية والأفغانية والهندية، إضافة إلى بعض وسائل الإعلام التابعة للدول التي لديها قوات محاربة في أفغانستان. فما هو الحدث الذي غير الصورة يا ترى، وجعل اسم الرجل ذو صدى في العالم؟
انه حادثة اغتيال زعيمة المعارضة الباكستانية السيدة “بي نظير بوتو” في أواخر ديسمبر 2008 ، و التي قالت إسلام آباد على هامشها، أنها تملك أدلة قوية حول تورط محسود فيها! هذه الأدلة التي انحصرت في شريط صوتي لمحادثة هاتفية ما بين محسود و زميل له يدعى “مولوي صاحب” يستفسر فيها الأول من الثاني عن الشخص الذي نفذ عملية اغتيال السيدة بوتو. فيأتي الرد بأن منفذي العملية هم ثلاث أشخاص (سعيد، و بدر والا بلال، و إكرام الله). ردا على هذه الاتهامات التي عاد الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف و كررها في يناير 2008 نفي محسود في تصريح له لوكالات الانباء ضلوعه في الحادث قائلا أن مقتل بوتو مأساة أزعجته وأحزنته، وان ما ذكرته إسلام آباد دراما لا يمكن تصديقها، مذكرا الجميع بأمرين: الأول هو أن التقاليد القبلية في وزيرستان تحرم و تجرم الاعتداء على النساء! والثاني هو استحالة اختراق الطوق الأمني الذي كان مفروضا حول بوتو. في السياق ذاته، ذكرت صحيفة الواشنطون بوست أن تقييم وكالة المخابرات اللامركزية الأمريكية لما جرى هو أن حكومة و مخابرات مشرف خططت لعملية الاغتيال أو كانت على علم بها، و أن الأداة المنفذة كانت حلفاء مشرف القبليين في وزيرستان – في إشارة إلى محسود – وان العملية حظيت بدعم و تأييد تنظيمي القاعدة وطالبان الإرهابيين.
في سيرة محسود الذاتية، لا يوجد في الواقع شيء يستحق الذكر. فهو لم يلتحق بأية مدرسة، ولم يعرف عنه انه ثقف نفسه ذاتيا، أو تعلم على يد شيخ أو مرجعية دينية معاصرة، أو شغل أية وظيفة أو مهنة شريفة. لكن هناك ما يشير بطبيعة الحال إلى انه درب نفسه على الإقتداء بمؤسس حركة طالبان الملا الأعور محمد عمر آخوند زادة. ومما اقتدى فيه بالأخير، إخفاء وجهه المنير و عدم تمكين المصورين من تصوير طلعته البهية، إضافة إلى الحذر الشديد أثناء التنقل من مكان إلى آخر، وعدم الوثوق بالأجانب. ومن هنا رأينا الرجل خلال المقابلتين المتلفزتين الوحيدتين التي منحهما لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية و قناة الجزيرة القطرية، قد أسبل على رأسه ووجهه غطاء من القماش الأسود، أثناء حديثه عن امتلاكه لمئات الانتحاريين الجاهزين للانقضاض على المسئولين الباكستانيين و ابادتهم.
elmadani@batelco.bh
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
بيت الله محسود: ليس له من اسميه نصيب
سلمت على هذه المعلومات
ولكن عندي ملحوظة بسييييييطة
رغم بغضنا لهؤلاء إلا أن نقدنا يجب أن يكون لأفعالهم وأخلاقهم وأقوالهم (الشنيعة)
أما خلقتهم (الأعرج والأعور ) فليس لنا بها شأن 🙂