(نعيد نشر البحث التالي الذي نشرته “السفير” على حلقتين، وهو مخصّص للهجرة اللبنانية مع ملاحظة أنه إذا كان لبنان بلداً متمرّساً بالهجرة، فقد انضمّت إليه شعوب عربية أخرى في النصف الثاني من القرن العشرين- شعوب لم تكن “معتادة” على الهجرة. هنالك حركة هجرة قديمة نسبياً بين دول شمال إفريقيا الثلاث (الجزائر، المغرب، تونس) باتجاه فرنسا منذ القرن التاسع عشر. ولكن الجديد هو أن السوريين والمصريين والعراقيين والسودانيين واليمنيين باتوا يهاجرون بالملايين.
الهجرة كانت ظاهرة لبنانية وظلّت، ولكنها أصبحت ظاهرة عربية خطيرة كذلك.
*
بين مليون وثلاثة ملايين مهاجر منذ العام 1975.. والنزيف يتفاقم ويطال كل الطوائف
في ظلّ غياب الرقم والإحصاء في لبنان، يبدو أن للهجرة أرقاماً وأرقاماً. فبين النصف مليون مهاجر والمليونين، مليون ونصف لبناني «ضائعون» في حقيقة الرقم. وإذا كان لكل من الإحصائيين طريقته في الاحتساب وتبريراتها، فإن هناك حقيقة واحدة توصلوا إليها في التحليل: الهجرة تتحول الى مأساة لبنانية. مأساة تجعل من المجتمع اللبناني مجتمعا هرما، فارغا من المهارات المختصة… وتكرّسه أمة «تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج وتشرب مما لا تعصر…»، أمة تنتظر أموال مغتربيها لتسيير حياتها اليومية ولسدّ حاجاتها الأساسية، فتفرح بحّل فردي مؤقت يبنى في غالب الاحيان على حساب سياسة اقتصادية جامعة وطويلة الأمد.
في التحقيق التالي الذي ينشر في «السفير» على حلقتين اليوم وغداً، حقائق وأرقام يقدّمها كل من الدكتور جواد عدرا والدكتور رياض طبارة والدكتور بطرس لبكي، وهم باحثون يرأسون مؤسسات إحصائية. فيما يقوم الباحث الاقتصادي الدكتور شربل نحّاس بتحليل مستفيض حول آثار الهجرة.
أما بعيدا عن الأرقام والتحاليل، فهناك أمـــهات لم يعدن يذرفن الدموع كلما قرر اولادهن الهجرة او الرحيل. ففي لبنان حقائق اقتصادية وأمنية تجعلهن يضعن يدا على قلبهن ليلوحن بالأخـــرى الى فلذات اكــبادهن وهـم مغــادرون الى حيث لقمة العيش والحياة الرغيدة، لينــمن قريرات العين بعد سهر طويل وتفكير أطول بمستقبل اولادهن وأمنهم في بلد مــزروع بألغام من كل الانواع. بلد تمضي أيامه الى فراغ حقيقي، لأن أي اب لا يجرؤ على الصراخ: «لوين يا مروان ع مهلك…»
في الحلقة الأولى نلقي الضوء على الأرقام المتوفرة حول موضوع الهجرة، وطرق احتسابها وأسبابها والشرائح التي تطالها. على أن يقوم الباحثون الأربعة في الحلقة الثانية بشرح نتائج الهجرة على لبنان اجتماعيا واقتصاديا.
أرقام ام أوهام؟
هناك 3.2 ملايين مهاجر لبناني حسب أرقام الامن العام اللبناني التي جمعها الدكتور بطرس لبكي من خلال حركة الدخول والخروج من وإلى لبنان، منذ سنة 1975(بداية الحرب الاهلية) وحتى سنة 2006 ضمنا.
هذا الرقم يبدو خياليا بالنسبة للأرقام التي يقدّمها كل من عدرا، الذي يقدّر متوسط اعداد المهاجرين سنويا بعشرين ألف مهاجر، وطبّارة الذي يرفع العدد الى خمسين ألفا سنويا، وهو «ما يعادل النمو الطبيعي للسكان في لبنان». وذلك على أساس حسابات يلجأ عبرها عدرا الى حركة المسافرين عبر مطار بيروت الدولي، والتي تشير، بعد احتساب عدد العمال الاجانب المقيمين في لبنان، الى 292893 مهاجرا لبنانيا بين عامي 1992 و،2000 منهم حوالى 105 آلاف مهاجر، الى كل من اميركا وكندا وأستراليا وأوروبا حسب دوائر الهجرة فيها (في أوروبا احتسب المهاجرون الى فرنسا وألمانيا وبريطانيا). في حين تشير أرقام الامن العام حول الحقبة نفسها الى حوالى مليون و230 ألف مهاجر.
في المقابل يعتمد الدكتور شربل نحاس على طريقة مختلفة في الاحتساب تقوم على دراسة عدد المهاجرين خلال حقبة معيّنة وتحليل يقارن اعداد المقيمين بين تاريخين محددين ونمّوهم. وقد لجأ الى دراسة الدكتورة شوهيغ كاسباريان، ونشرتها الجامعة اليسوعية في العام ،2003 عنوانها «دخول الشباب اللبناني في الحياة العملية والهجرة». كما لجأ الى إحصاءين أعدتهما إدارة الاحصاء المركزي في العامين 1997 و2004 حول هرم الاعمار في السنتين المذكورتين وتوزيع المقيمين حسب الجنس والاعمار. كاسباريان وبعد استطلاعها لعدد من المقيمين حول أقاربهم او اهلهم المهاجرين بين 1975 و،2000 توصلت الى الاستنتاج أن حوالى 600 ألف لبناني هاجروا من بلدهم في بداية الحرب وحتى العام ،2000 وأن نصفهم ترك لبنان خلال خمس عشرة سنة من الحرب. ما يعني ان نسبة الهجرة زادت بعد تلك الحقبة أي بين 1990 و،2000 لا سيما بعد سنة 1996 كما تشير الدراسة وكما يذكر نحاس. وهذا ما يضعنا امام هجرة متوسطها 30 ألف مهاجر سنويا على الأقل.
أما مقارنة هرمي الاعمار سنتي 1997 و2004 والذي أجرته إدارة الإحصاء المركزية، فبرهنت عن هجرة شابة قوية مع بداية دخول الشباب الى الحياة العملية وقد ترجمت بالأرقام بـهجرة 42 ألف الى 60 ألف لبناني ممن يعتبرون من الاعمار العاملة، سنويا. كذلك أشار الإحصاء انه خلال هذه السنوات السبع زاد عدد اللبنانيين المقيمين 8 في المئة (10 في المئة زيادة عند الإناث و7 في المئة عند الذكور)، بينما تراجعت مجموعة الاعمار العاملة 2 في المئة (لم تتراجع لدى الإناث في حين تراجعت خمسة في المئة عند الذكور).
مقارنة أوصلت نحّاس الى الاستنتاج انه إذا ما واجه المقيمون اللبنانيون الظروف نفسها، التي واجهوها بين عامي 1997 و،2004 فإن أكثر من نصف المقيمين الذين يبلغون من العمر 15 سنة سيهاجرون قبل انتهاء حياتهم العملية (60 في المئة من الذكور من هذا العمر سيهاجرون) وان ثلثهم سيهاجر قبل بلوغه عمر 32 سنة.
تشير أرقام الأمن العام الى انه بين العامين 1990 و2000 هاجر مليون و352 ألفا و189 لبنانيا، أي اكثر بأربعة أضعاف من الرقم الذي توصلت اليه كاسباريان في دراستها وهو حوالى 300 ألف علما أن الدراسة لم تشمل المهاجرين الذين لم يعد لديهم أقارب في لبنان (الذين لا يمكن ان يبلغ عددهم ثلاثة أضعاف من لديهم أقارب في لبنان).
الرقم وجهة نظر فعلية
يتمسّك الدكتور بطرس لبكي بطريقة احتساب المهاجرين وفقا لارقام الأمن العام: «إنها الأقرب الى الحقيقة ولو لم تكن دقيقة مئة في المئة. إذا هاجر احدهم سنة 2005 وعاد سنة ،2006 يحسب انه من المهاجرين سنة ،2005 ومن العائدين في السنة التالية، وهناك من يهاجر سنة 2006 ويعود فيتعادلان. اما من يملك جنسيتين ويستخدم جواز سفره غير اللبناني فنحسب ان «خربطتهم» للأرقام تتم في الاتجاهين، أي المغادرة والعودة». الى تلك الطريقة، يعتبر لبكي ان استطلاع «واحد على كل ألف» يمكن أن يؤدي الى نتيجة دقيقة وهي لا تختلف عن طريقة احتساب المغادرين والقادمين الى لبنان.
بالنسبة لنحاس لا يكفل الاعتماد على أرقام الامن العام الدقة المطلوبة، لا بل يعطي نتيجة مضخمة وفي أحيان كثيرة غير مبررة. وهو يشرح ان تلك الأرقام توزّع حسب مجموعة جنسيات (آسيا، اوروبا، اميركا، أفريقيا، أستراليا، بلاد عربية ولبنانيون) وتقدّم لكل مجموعة اعداد الوافدين والمغادرين من وإلى لبنان عبر جميع منافذه. لكنّ سنة ،1997 وبعد سجال حول القاعدة الإحصائية التي يقدّمها الامن العام، لم تعد تظهر الاعداد الخاصة بالوافدين والمغادرين السوريين، لتعود وتظهر سنة 2006 تحت مجموعة عنوانها «فئات خاصة». أمام هذا الواقع أظهرت أرقام الامن العام، انه بين العامين 1992 و،1997 هاجر 590 ألف لبناني، أي ما معدّله مئة ألف مهاجر سنويا. في حين أن الوفود الى لبنان من جنسيات اخرى بلغ مليونين و525 ألف وافد اجنبي، ما معدّله 500 ألف وافد سنويا. وهو رقم انخفض الى حدود عشرة آلاف وافد سنويا بعد احتساب السوريين كفئة خاصة غير أجنبية سنة .1998 وهذا يعني انه كان هناك سوء إحصاء لأعداد السوريين الوافدين الى لبنان (مليونان ونصف مليون سوري؟). الى هذا، اظهرت أرقام الامن العام سنة 1992 أن 50 ألف لبناني هاجروا من لبنان وان هذا الرقم ارتفع الى حوالى 200 ألف مهاجر سنويا بين عامي 1996 و.2005 «أرقام غير واقعية، لأن هجرة 200 ألف لبناني في السنة بين هاتين السنتين تعني هجرة أكثر من مليوني لبناني أي أكثر من نصف الشعب اللبناني» يشير نحاس لافتا الى أن عدد المهاجرين اللبنانيين سقط الى 12 ألف مهاجر سنة ،2006 أيضا حسب أرقام الامن العام، من دون أي تفسير او شرح لفارق الأرقام او تصحيح للرقم في حال وجود أخطاء في الإحصاء.
كذلك، يظهر الباحث بعض المفارقات في أرقام حركة المطار لا سيما بعد مقارنتها مع ارقام الامن العام.
فهي بين العامين 1995 و2005 بلغت مئة ألف مهاجر (مقابل مليوني مهاجر حسب الامن العام)، أي ما معدّله سبعة آلاف مهاجر سنويا. الامر الذي يعطي انطباعا ان غالبية المهاجرين يسلكون المنافذ البحرية والبرية للسفر، وهو إنطباع خاطئ بالتأكيد.
من جهته يعتبر عدرا أن معرفة الاعداد الحقيقية للمهاجرين للبنانيين تقتضي دراسة أرقام حركة المطار بين مغادرين ووافدين، كما معرفة أرقام اللبنانيين الحائزين على تأشيرات دخول من قبل الدول التي تشكل مقصدا للهجرة. وهو في عملية حسابية، يشير الى أن عدد اللبنانيين المسجلين في سجلات الاحوال الشخصية حتى العام 2006 بلغ 4.6 ملايين نسمة. وبحسب إدارة الإحصاء المركزي بلغ عدد المقيمين في لبنان حتى سنة 5 ،2004،3 ملايين نسمة «وإذا احتسبنا حجم التزايد السكاني خلال العامين الماضيين أي 2005 و،2006 فمن المفترض ان يبلغ عدد المقيمين حوالى 3.6 ملايين نسمة، ما يؤدي الى الاستنتاج ان عدد اللبنانيين الذين يحملون هوية لبنانية وهم مقيمون خارج لبنان يبلغ حوالى مليون مواطن»، وهو يلفت بذلك الى ضخامة الرقم «غير الواقعي» الذي تشير إليه إحصاءات الامن العام الذي يبلغ حوالى 2.2 مليون مهاجر لبناني ما بين عامي 1992 و2006 ضمنا.
أسباب الهجرة
تلتقي آراء الباحثين في أن للهجرة سببين اقتصاديا وسياسيا، مع تقديم بعضهم للسبب الاول على الثاني. ويشرح لبكي انه بعد العام 1990، ومع فتح الحدود امام البضائع واليد العاملة الأجنبية، ومع إلغاء الرسوم الجمركية بدل رفعها للتفاوض مع الدول الأوروبية للدخول في الشراكة الأوروبية، تمّ ضرب الإنتاج اللبناني و«خنق» المؤسسات الصناعية والتجارية والزراعية. وقد أضيف الى كل هذا سياسة مالية ونقدية ادت الى رفع الفوائد، والانتقال من ملياري دولار ديناً بعد الحرب الى أربعين مليار دولار ديـــناً وما يوازيه من زيادة في الضرائب. كما ارتفع العجز والفساد في الإدارة وجهاز الدولة التي أتت «بزلمها» بعـــد ان اســـتولت الميليشيات على الإدارات العامة، تبعه إصدار سندات خزينة بالليرة اللبنـــانية وبفوائد عالية لثتبيت سعرها ما أدى الى رفع سعرها والعـــودة الى الاستدانة بالدولار فاستفادت المصارف على حساب المؤسسات. وكـــان صرف للعمال أدى الى البطـــالة التي تؤدي حكما الى الهجرة.
هذا الكلام يترجمه لبكي بالأرقام، مشيرا الى ان متوسط الهجرة أيام الحرب بلغ 900 ألف مهاجر لبناني في 15 سنة، أي بمعدّل 60 ألف سنويا. خفّت في التسعينات ثم عادت وارتفعت بداية سنة 1995 ليصبح متوسطها حوالى 135 ألف مهاجر سنويا أي اكثر بنسبة 50 في المئة من أيام الحرب وقد بلغت ذروتها سنة 1999 مع حوالى 296 ألف مهاجر.
الى ذلك يولي الباحث أهمية كبرى لدور العامل السياسي في موضوع الهجرة، ويلفت الى انه مع خروج الجيش السوري سنة ،2005 انخفضت أرقام الهجرة الى حوالى 28 ألف مهاجر، فيما هاجر حوالى 47 ألفا سنة 2006، وهو رقم صغير مقارنة مع أرقام السنوات السابقة «على الرغم من محاولة البعض ربطه سياسيا بحرب تموز» كما يقول لبكي. مع هذا يشير الى ان حوالى 25 في المئة من اللبنانيين يهاجرون لأسباب سياسية «ولذلك انخفضت الهجرة مع انتهاء زمن الوصاية السورية».
يعتبر طبارة ان العامل الاقتصادي هو الثابت في مسألة الهجرة، في حين يبدو العامل الأمني أقل تأثيرا عليها. وهو يلحظ انه بعد احداث 11 أيلول ،2001 خفت الهجرة، ليس بسبب نمو اقتصادي ولا بسبب استتباب الامن في لبنان، بل انخفض لأن بعض البلدان لم تعد تستقبل مهاجرين عرباً.
الطوائف والهجرة
من الواضح ان الهجرة تسيل لعاب جميع الطوائف اللبنانية، حسبما يؤكد الباحثون، غير ان تأثيراتها على بعض الطوائف تبدو أقوى من على طوائف أخرى. وعلى الرغم من ان طبارة وعدرا يشيران الى تقارب النسب لدى الطوائف المسيحية كما المسلمة. يلفت لبكي الى أن الهجرة الأخيرة تشكلت من 82 في المئة من المسلمين و18 في المئة من المسيحيين. والرقم كما يوضح يعود لأسباب أربعة: «أولا: ارتفاع مستوى التعليم لدى الطوائف المسلمة بشكل قوي، ثانيا: تحسّن درجات اللغات لديهم. ثالثاً: تشكل شبكة مهاجرين أقارب ساعدت في هجرة عدد من المقيمين منهم. اما السبب الرابع فعائد الى كون معظم الاحداث الامنية قد وقعت في المناطق الإسلامية منذ اوائل الثمانينات وحتى التسعينات، على العكـس مما يظن معظم الناس، إضافة الى كون المشاكل الاقتصادية اكثر ما تصيب مناطق الاطراف والأرياف اللبنانية حيث الغالبية المسلمة».
ويرسم طبارة ولبكي، خريطة توزيع الطوائف على مدن وبلدان الإغتراب. فيشيران الى أن الشيعة يتمركزون في أميركا (لا سيما ديترويت التي يتمركز فيها اهالي بنت جبيل وتبنين وقرى جنوبية اخرى)، ألمانيا (حيث تسهيل لمسائل اللجوء السياسي)، جنوب البرازيل وأستراليا. كما تمت الهجرة هذه السنة الى أوروبا الغربية وكندا وأيضا الى البرازيل وأستراليا (لا سيما من عكار وطرابلس). كذلك تستقطب أميركا وأستراليا والبرازيل الدروز الذين يقيمون أيضا في وسط وشمالي أوروبا.
اما المسيحيون فهجرتهم تركزت الى اميركا وكندا وأستراليا والبرازيل واوروبا الغربية. ومن الطوائف المسيحية، تمركز الارمن في لوس أنجلس في اميركا وقد أضحوا قوة انتخابية، على حدّ تعبير طبارة، الذي يلفت من ناحية اخـــرى الى ان عددا من المسيحيين لم يعودوا يحملون الجنسية اللبنانية وقد باتوا من الجيل الثالث من المهاجرين.
من جهة اخرى، يؤكد عدرا ان بعض الدول تشجع هجرة بعض الطوائف على حساب طوائف أخرى، معتبرا ان الهجرة تؤثر على المسيحيين من اللبنانيين لأن أعدادهم أقل، بينما يرى طبارة ان الهجرة أثّرت بشكل أساسي على الطوائف الأرمنية تحديدا، في حين تأثيراتها على الطوائف الاخرى تبقى متشابهة.
مجتمع هرم؟
هناك حقيقة واضحة يتوافق عليها الباحثون الأربعة، وهي ان الهجرة تطال بشكل لافت الأعمار الشابة او حتى الاعمار العاملة. من خلال مقارنة أرقام إدارة الإحصاء المركزي سنتي 1997 و،2004 يشير نحاس الى أن لبنان خسر خلال السنوات السبع الفاصلة بين الإحصاءين بين 42 ألفا و60 ألف لبناني من فئات الأعمار المنتجة.
في المقابل تفصح دراسة عدرا (الدولية للمعلومات) التي أجريت بين عامي 1991 و،2001 أن الفئة العمرية الشابة التي شكلت 38.7 في المئة من الشعب اللبناني، شكلت لدى المهاجرين 82.6 في المئة من المهاجرين. وبالارقام أيضا تشير دراسة الدكتورة كسباريان (حول واقع الهجرة بين 1975 و2001) ان 63.7 في المئة من المهاجرين تراوحت اعمارهم بين 25 و44 سنة، 33 في المئة منهم بين 25 و34 سنة و3،33 في المئة بين 35 و44 سنة.
***
القسم الثاني: الأمـوال الـواردة مـن المهجـر لا تنقـذ الاقتصـاد ولا تسـاهـم فـي النـمو
ليست الهجرة ظاهرة لبنانية بل إنها ظاهرة عالمية تصيب مختلف البلدان بدرجات متفاوتة. وهي إذ تكون مفيدة لبعض الدول، تتحول في دول أخرى الى واحد من العوامل السلبية التي يتأثر بها اقتصاد البلد. لبنان بلد صغير، لا يمكن ان يستوعب كمية المتخرجين او حتى طالبي العمل في ظلّ سوق ضيّق. مقولة غالبا ما تمهر بها التحاليل حول الهجرة، ليضاف اليها إيجابية الأموال الواردة من الأبناء المغتربين ودورها في الاقتصاد وتطوّره.
ولكن ماذا عن اليوم؟ هل بدأت الهجرة تتحول الى ظاهرة سلبية تضرب مختلف شرائح المجتمع اللبناني ـ لا سيما الجيل الشاب منه ـ وطوائفه ومناطقه…؟ ما دورها في عجلة الاقتصاد اللبناني؟ وماذا عن المستقبل؟
الباحثون الدكتور بطرس لبكي ورياض طبارة وجواد عدرا، إضافة الى الباحث الاقتصادي الدكتور شربل نحاس يحلّلون الهجرة وآثارها على لبنان. أو ربما يدقون ناقوس الخطر مبرهنين ضرورة اتباع سياسة تنظّم تلك الظاهرة وتؤسس لعودة مدروسة «للأدمغة» التي، ومهما اختلف هؤلاء الباحثون على الأرقام وطرق احتسابها، يقرّون بأن لبنان أفرغ منها.
فلنتخيّل لو ان مايكل دبغي أو كارلوس غصن استقرّا في لبنان! لربما كان الأول، على الأكثر، رئيس قسم في أحد المستشفيات الكبرى. والثاني رئيس مجلس شركة لا تعمل للتطور في لبنان بقدر ما تعمل لجني المال. لكن ماذا لو أراد كل متخرّج ان يمارس حقّه في التطور والتقدم خارج لبنان، لا سيما أن الفرص للتقدم والتطور غير متاحة له فيه، وهي إن أتيحت فبقدر محدود؟
في الحلقة الثانية والاخيرة من التحقيق الذي نشرت السفير الحلقة الاولى منه امس، نتناول قصة الهجرة التي تحوّلت من ظاهرة تخفض منسوب البطالة، الى ظاهرة تفرغ لبنان من شرائحه العاملة وتحوّله الى بلد من دون «أدمغة».
يرى الدكتور بطرس لبكي أن مجرّد هجرة الشباب والشابات بالكثافة التي يشهدها لبنان، تعني تفريغ لبنان من طاقاته الإنتاجية الخلاّقة. هذا الامر يترتب عليه أيضا خسارة مادية كبيرة، لا سيما ان الشاب حين يعمل في لبنان ويتقاضى 500 دولار على سبيل المثال، يقدّم قيمة مضافة للاقتصاد اللبناني تساوي خمسة أضعاف راتبه لجهة الرسوم والضرائب التي يدفعها وأرباح الشركة حيث يعمل وغيرها من الامور. ونحن نخسر هذه القيمة، خصوصا انه إن قام بتحويلات مادية بعد هجرته، لا يمكن أن تتداعى قيمة راتبه شهريا «وهكذا تكون خسارتنا مضاعفة إذ إن الأهل كما الدولة قد انفقوا الاموال لتربيته وتعليمه». هذا ويرفض لبكي مقولة ان أموال الاغتراب من شأنها أن تساعد في نمو الاقتصاد اللبناني، كونه يرى أنها تساوي الأموال المحوّلة من الأجانب الى الخارج من ناحية، وكونها لا تساهم في نمو الدخل الوطني لأنها إن استثمرت في لبنان فهي تستثمر لشراء العقارات وبناء المنازل من دون أن تدخل في القطاعات المنتجة مثل الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة.
يتوصّل الدكتور رياض طبّارة في خلاصته الى ان مزايا الهجرة تتفوّق على سلبياتها إذا كانت خفيفة ومن الممكن استيعابها. اما عندما تكون مكثفة فهي لا بدّ ان تخلق عدم توازن على أصعدة مختلفة و «نحن اليوم نشهد عصر الهجرة المكثفة».
وفي التفصيل يرى طبّارة أن الهجرة من شأنها أن تحدّ من البطالة، ولهذا السبب يحافظ لبنان على نسبة بطالة بين 10 و15 في المئة، وهي عالية بالنسبة لبلد مثل لبنان، ولكن كان يمكن أن تكون أعلى بسبب الاوضاع الاقتصادية. هذا المعدّل يساوي المعدل العام في العالم العربي وقد قفزت البطالة الى نسبة 20 في المئة بعد أحداث 11 أيلول.
الى البطالة يشير الباحث أن أموال المغتربين تعتبر من العوامل الأساسية لعدم انهيار الاقتصاد اللبناني، وأن المهاجرين أعطوا مساحة اكبر للبنان وبات لهم نفوذ في بلاد الاغتراب.
في المقابل، يعتبر طبارة ان الهجرة أدت الى عدم توازن بين الشباب والشابات في لبنان، ما يخلق مشاكل عاطفية واجتماعية كثيرة. مضيفا أن الاستثمار في الأشخاص، لناحية تعليمهم وتدريبهم تقطفه بلدان أخرى. و«إذا ما أخذنا المثل أميركا فإن ربحها في «الأدمغة» واليد العاملة الكفوءة التي تصلها من لبنان يفوق كل ما تقدّمه من مساعدات لنا بعشرات المرات».
من جهته، يؤكد الدكتور جواد عدرا انه لولا الهجرة والعمالة الخارجية الرخيصة لكان اللبناني ضغط على السياسيين لتحسين وضعه. ومن خطورة الهجرة انها أسلوب «لتنفيس» الضغط عبر تصدير الكفاءات الى الخارج، مقابل استقدام يدّ عاملة رخيصة بظروف مهينة. ومن تأثيراتها على المجتمع اللبناني أنها «ستحوّله الى مجتمع هرم وإعاقة النمو السكاني بشكل صحيح. فمن المتوقّع ان يشكّل المسيحيون 8 في المئة فقط من نسبة اللبنانيين بعد سبعين سنة. أمام هذا الواقع، وإذا ما تحوّلنا الى مجتمع هرم، وجب على الدولة تحديث القوانين من ضمان الشيخوخة وسن التقاعد…».
إضافة الى هذا، يلفت عدرا الى أن تأثير الهجرة يبدو جليا على عنصر الإنتاجية في لبنان، خصوصا أن عددا من الشباب يعتبر نفسه مقيما «مؤقتا»، فيعمل من دون تخطيط للتطور وهو ينتظر تأشيرة الهجرة، كما يرضخ للأمر الواقع مهما كان ظالما او قاسيا.
وهو عامل يجعل من الصعب إيجاد الشخص المناسب في المكان المناسب لحسن سير المؤسسات والشركات «فالكفاءة رحلت الى دبي أو الى كندا».
مع هذا، ليست الهجرة، بحسب عدرا، حالة تستوجب المعاداة. فالموقف المعادي يجب ان يطال سياسة الحكومة لعدم إحساسها بمسؤوليتها عن 25 ألف طالب يتخرّجون سنويا من دون الحصول على عمل. ولعلّ اموال المغتربين بالنسبة إليه ليس فيها سوى إفادة محدودة بالمقارنة مع تأثيراتها السلبية التي تجعل من المقيمين اتكاليين، وتؤدي الى خلل في الأسعار. وبالتالي يرى الباحث أنه من الأفضل عدم إدخالها ضمن الدورة الاقتصادية او الدورة المصرفية.
نحاس: الأموال الواردة لا تساهم
في المبدأ العام للهجرة، يقول الدكتور شربل نحاس ننتظر انتقال اليد العاملة الكفوءة ورؤوس الاموال من البلدان المتقدمة التي تمتلكها، الى البلدان الفقيرة التي تفتقد اليها. في حين تنتقل من هذه الأخيرة اليد العاملة غير الكفوءة للعمل في البلدان المتقدمة. فعليا، يخالف الواقع المبدأ. فالمهاجرون من البلدان الفقيرة ليسوا الأفقر فيها ولا هم الأقل كفاءة، كما أن هجرة اليد العاملة الكفوءة ورؤوس الاموال من البلدان المتقدمة هي شبه معدومة باستثناء بعض الحالات. حتى إنه تاريخيا، لم تطل الهجرة الفقراء يوما، كونها تتطلب تكبد مصاريف معيّنة ومخاطر لا يمكن ان يتحملها الفقراء إذا ما فشلوا في هجرتهم. ولعلّ أبرز مثال، الهجرة اللبنانية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
من هنا يفصح الواقع عن هجرة كفاءات مرتفعة في بعض دول العالم الثالث، لا سيما البلدان الصغيرة، ولبنان واحد منها. هذه الهجرة تقلّص من القدرات الإنتاجية في البلد كما تحدّ من عجلته الاقتصادية والاجتماعية وتؤثر سلبا على أجور او عائدات العمّال الأقل كفاءة الذين بقوا في البلد. ناهيك عن أن تعليم او تأهيل الشباب في الخارج يمتصّ جزءا مهما من موارد البلد الضعيفة. على حدّ تعبير نحّاس.
في المقابل، يعود بعض من المهاجرين مع رأسمال معيّن للاستقرار في الوطن، بينما يقوم البعض الآخر بتحويلات مالية الى عائلاتهم، إذا ما سمحت لهم أحوالهم المادية بذلك وفي حـــال لم يصطحبوا عائلاتهم معهم. كما يسجّل بعض حـــالات للبنانيين، تهاجر عائلاتهم للدراسة او لنيل جنسية أخرى، وهم في غالبهم يعملون في لبنان ويرسلون الأموال اليها.
وهو يرى أن التوازن بين هذه الحالات المتناقضة، ومن وجهة نظر عامة، يعتمد على إنتاجية اليد العاملة الكفوءة المهاجرة في بلاد الاغتراب كما في الوطن. خصوصا أن الربح في الانتاج وتطوّر المؤسسات وتقنيات العمل، وهي نتائج اقتصادية حقيقية، لا تترجم الا جزئيا في مداخيل الأشخاص.
الى ذلك، يوضح المحلّل أن دراسات جديدة حول نتائج الهجرة على البلدان ـ الأم، أظهرت ان البلاد التي فيها رأسمال بشري منخفض المستوى والتي تشهد هجرة منخفضة لليد العاملة الكفوءة تتأثر إيجابيا بهجرة الأدمغة منها. في حين ان هجرة الأدمغة تنعكس سلبا على البلدان التي يشكّل الجامعيون أكثر من عشرين في المئة من مهاجريها والتي يشكل الجامعيون أكثر من خمسة في المئة من شعبها، كما جاء في إحدى الدراسات («Brain Drain and LCDs” Growth: Winners and Losers»)، والتي تظهر ان عدد البلدان المتأثرة سلبا بالهجرة يفوق عدد تلك التي تتأثر إيجابا. مع الإشارة ان نسبة المهاجرين الجامعيين من لبنان تصل الى حدود الخمسين في المئة من مهاجريه وأن نسبة الجامعيين من الشعب المقيم تشكّل 22 في المئة من شعبه.
ويستند نحّاس الى دراسة للدكتوره شوهيغ كسباريان سنة 2005 عنوانها «مستقبل المتخرّجين من الجامعة اليسوعية» الذين نالوا شهاداتهم بين العامين 2000 و,2004 وقد تبّين فيها أنه خلال أربع سنوات فإن 29 في المئة من المتخرجين تركوا لبنان ( 40 في المئة من الذكور و22 في المئة من الإناث). وقد هاجر 65 في المئة من خرّيجي الهندسة وخمسون في المئة من خرّيجي الطبّ.
قد يستفيد لبنان من كون المهاجرين يشكلون نسبة عالية من سيّاحه ومن المحرّكين لقطاعي الاتصالات والنقل والمنتوجات اللبنانية… غير أن التحويلات المالية، التي يعتبرها البعض الإيجابية الركيزة للهجرة لا تبدو صورتها بهذه الإيجابية. فلبنان هو مستقبل ومصدّر لهذه الاموال، وبحسب مصرف لبنان فإن إيرادات المغتربين منذ العام 2000 تصل الى حدود 4.5 مليارات دولار سنويا كنسبة وسطية، في حين تبلغ الأموال المرسلة من لبنان حوالى 3.5 مليارات دولار. أي ان مليار دولار يبقى كصافي الأموال المحوّلة اليه.
ولدى البحث في طبيعة هذه التحويلات، وجب التفريق بين الهجرة المؤقتة وتلك الدائمة. فالمهاجر المؤقت يقلّص مصروفه خلال هجرته، لتستفيد عائلته او هو شخصيا من الاموال التي يدخّرها لدى عودته، بينما يقــــلّص المهاجر الدائـــم من الاموال التي يحوّلها الى ذويه في لبنان على أســاس تأسيسه لحياته في الخارج. الجــــدير ذكره ان تحويلات المهاجرين اللبنانيين الى لبنان، تتأتى في غالبيــتها من اموال هجرة دائمة. في حـــين ان الاموال المصدرة من لبنان الى الخارج تنتجها الهجرة المؤقتة. معظم الاموال الواردة تستخدم في سدّ الاحتياجات اليومية للعائلات (مأكل، تعليم، طبابة….)، من دون ان تشكّل أية مساعدة للعائلات الفقيرة في تخطي عوزها الدائم لبديهيات العيش، على أساس أن المهاجرين لا ينتمون، الا في حالات نادرة جدا، الى الطبقة الأفقر في المجتمع.
وإذ ترفع تلك الاموال نسبة الاستهلاك، وتساعد في تخطي الأزمات الاقتـــصادية التي تعصف بالبلد. هي من دون شكّ، تزيد من العجز الخارجي، مـــن دون ان تساهم لا في الانتاج ولا في الاستثمار وبالتالي النموّ. يختم نحاس ان نمو الاقتصاد يعني نمو الإنتاج وهو يحذّر من وضع خطر وصلت اليه الهجرة في لبنان، بات يتطلب سياسات «طويلة عريضة»، أوّلها استثمار الأموال القادمة في الإنتاج والحدّ من هجرة الشباب الى حدود نصف ما يهاجر منهم اليوم للمحافظة على هرم الأعمار، لا سيما ان التزايد السكاني لا يتخطى الواحد في المئة.
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=819&ChannelId=18414&ArticleId=1864
الشبّان يشكلون80٪ من المهاجرين والهجرة تحول لبنان إلى بلد يعتاش من غربة أبنائه
خطة النظامين الارهابيين الايراني والسوري هو تهجير الشباب والمفكرين بواسطة نشر الفساد والقتل والمخدرات والرشوة وتخويف وترعيب المواطن وايضا باستخدام المليشيات الطائفية كحزب الله الطائفي الذي دمر اقتصاد لبنان والمخابرات القذرة مما يجعل البلد قابل لاستعمار الملالي الايراني