ما العلاقة بين خبر تشييع جثامين ضحايا المركب الغارق في تركيا، وخبر الإقتتال الطائفي في مدينة إسنا؟
جثامين الضحايا توزّعت بين قريتين، واحدة مسلمة والثانية قبطية. في إسنا أيضاً، انقسم المصريون، ولكن لكي يتقاتلوا، بين مسلمين وأقباط.
ما الذي يجمع أكثر بين هؤلاء الناس: الفقر أم التعصّب الطائفي؟
يا فقراء مصر تقاتلوا!
**
وصول ٨ جثامين من ضحايا المركب الغارق في تركيا.. والآلاف يودعون الضحايا إلي مثواهم الأخير
المصري اليوم: كتب هشام إبراهيم – والمحافظات – غادة عبدالحافظ وسعيد نافع وتريزا كمال ١٩/١٢/٢٠٠٧
شهد مطار القاهرة الدولي في ساعة مبكرة من صباح أمس، وصول جثامين ٨ من المصريين الذين راحوا ضحية غرق المركب أمام سواحل ميناء أزملي التركي خلال محاولة تسللهم بطريقة غير مشروعة إلي الأراضي التركية للعمل عن طريق بعض السماسرة.
ووصلت الجثامين الثمانية علي طائرة الخطوط التركية القادمة من اسطنبول وهي لـ: «محمود محمد مشالي، وفضل لبيب حنا شحاتة، وعزيز سعيد سلامة بولس، وعبد الباقي رجب، وجميل مرزوق حبيب فلتس، وأشرف محمود العيسوي، وإبراهيم محمد إبراهيم، ورمضان يوسف هابيل.
وابتعدت أسر الضحايا الذين حضروا لاستقبال جثامين أقاربهم عن البوابة رقم ٣٥ المخصصة لخروج سيارات الإسعاف التي تقل الضحايا وحاولوا التخفي والبعد عن رجال الإعلام والقنوات الفضائية، حيث ظلوا واقفين أمام إحدي الصالات البعيدة منكرين صلتهم بالضحايا ورافضين الإدلاء بأي أحاديث صحفية أو اللقاء مع القنوات الفضائية.
وبرر أحد الشباب هذا التخفي بأن أقارب الضحايا لديهم ما يكفيهم من الحزن علي أبنائهم بخلاف «الفضائح» التي أمتلأت بها الصحف في تناول الهجرة غير الشرعية، بينما علق أحد أقارب الضحايا بقوله لا تلوموا الشباب علي الهجرة غير الشرعية، ولكن حاسبوا المسؤولين عن البطالة وعدم توفير فرص العمل لهم.
وفي الدقهلية شيع أكثر من ٢٠ ألف مواطن من قرية بساط كريم الدين أمس جثامين ٤ من الذين وصلوا إلي مطار القاهرة، فيما شيع ١٦ ألفًا من قرية منهري بالمنيا جثامين الأربعة الآخرين وتعالت أصوات الأمهات بالنداء علي أبنائهن الراحلين دون وداع، وتساقطت عشرات النساء علي الأرض من هول الموقف، واختفت معالم فرحة العيد، وأغلقت المحال أبوابها حدادًا علي الضحايا.
كان أهالي الضحايا من قرية بساط كريم الدين توجهوا أمس الأول، إلي وزارة الخارجية لإنهاء إجراءات تسلم جثث ذويهم وأذاعت الميكروفونات في القرية نبأ وصول الجثامين في الثامنة «صباح أمس»، ووصلت سيارات الإسعاف ورفض الأمن خروج الجثامين من منازلهم، وتوجهت السيارات مباشرة إلي مسجد أبوهاشم الملاصق للمقابر والتف الأهالي من الرجال والشباب والنساء والأطفال حول المسجد للصلاة عليهم والدعاء لهم.
وفقدت زوجة محمود مشالي الوعي فور خروج أول جثة وهي تقول له: «رايح فين وسايب العيال لمين؟» وتم اصطحاب والد أشرف العيسوي، وهو كفيف ووصل إلي جثمان ابنه في المقابر، وقال باكيا: «كان عيني اللي باشوف بيها والعصي اللي بتسند عليها»، فيما دخلت والدته في أزمة كلي، وتم نقلها إلي المستشفي العام في المنصورة، كما وقف بعض نساء القرية بجوار والدة إبراهيم الدعدع، ابنها الوحيد، التي سقطت ٣ مرات أثناء الجنازة، وهي تنادي علي ابنها، وحاولت اعتراض طريق سيارات الإسعاف لمشاهدته ووداعه الأخير، وبكي الجميع، وهم يحاولون منعها من دخول المقابر، وكذلك والده، وهو يقول: «كان نفسي أكون مكانك وتعيش أنت وتأخذ عزائي».
وفقدت والدة عبدالباقي رجب وعيها في الشارع وهي تجري خلف الجثامين وتصرخ «عايزة أشوف ابني»، وانقسم أهالي القرية إلي ٤ مجموعات للمشاركة في وضع كل جثة في مقابرها الخاصة في وقت واحد وعلي غير العادة تم السماح للسيدات بدخول المقابر أثناء مراسم الدفن.
وعلي جانب آخر جدد أهالي المفقودين مطالبة المسؤولين بإعادة البحث عن أبنائهم المفقودين في البحر أو السجون التركية علي أمل أن يكونو أحياء.
وأكدت مايسة البحراوي أن شقيقها عماد كان مسافرًا مع إبراهيم الدعدع، وهو الآن ضمن المفقودين ولا تعلم أسرته أي شيء عنه، وبكت وهي تقول: «اللي ماتوا أهاليهم دفنوهم وعرفوا مصيرهم لكن المفقودين كالنار في قلوبنا».
وأضافت مايسة: «شقيقي ترك زوجته حاملا في طفلهما الثالث، ووضعت أمس الأول، وكانت ها تموت في الولادة من الحزن والبكاء علي زوجها».
وأكد حسين فهمي غازي، المحامي «من أهالي القرية»: وجود ٨ من الشباب مازالوا مفقودين وكانوا ضمن ركاب المركب الغارق وأن هناك ٨ شباب آخرين سافروا أمس الأول في رحلة مماثلة.
وقال الأهالي إن الشباب أكدوا وجود ٢١ مصريا من محافظات مختلفة بالسجن، ومن بينهم، شباب من قرية بطرة التابعة لمركز طلخا، وكذلك ٧ من قرية بساط، ألقي القبض عليهم معًا علي الحدود التركية – الإيرانية أثناء محاولتهم العبور يوم الخميس قبل الماضي وحتي الآن لم تتدخل السفارة المصرية في تركيا للإفراج عنهم، وأضافوا أنهم توجهوا ببطاقات الشباب وصورهم الشخصية أمس، للخارجية لتقديم شكاوي تطالب بالإفراج عنهم خاصة أنهم يلاقون معاملة سيئة داخل السجن الحربي.
وقرر المستشار أحمد عبدالغني الشويخ، المحامي العام لنيابات جنوب المنصورة الكلية، حبس سماسرة الهجرة غير الشرعية، الذين ألقت مباحث الأموال العامة في الدقهلية القبض عليهم وهم: «ناصر السيد السيد الجمل، وهانم السيد طه داوود، وحسن صادق حسن البصاص»، ٤ أيام علي ذمة التحقيقات بعد أن وجهت لهم النيابة تهم النصب وتسفير الشباب بطرق غير شرعية.
وفي المنيا، واكب وصول الجثث الـ «٤» أصوت أجراس الكنائس في القرية فيما حرص الأهالي علي حمل الضحايا والطواف بهم أمام بيوتهم وأداء صلاة الجنازة عليهم في ٣ كنائس وهم: عزيز سعد سلامة، وحنا يوسف جبيل في كنيسة السيدة العذراء الكاثوليك، وفضل وليم ونيس في كنيسة أبا كير ويوحنا للأقباط الأرثوذكس، وجميل مرزوق حبيب في الكنيسة الإنجيلية.
وحرص المشيعون علي السير مسافة ٣ كيلو مترات من كنائس القرية حتي مدافن العجايبي في قرية أبوقرقاص البلد، ورفع بعض شباب الكنائس الرايات السوداء – التي تستخدم في «أسبوع الآلام» لدي المسيحيين الذي يسبق عيد القيامة – وتقدم الشمامسة الموكب الجنائزي وأدوا شعائر خاصة عبارة عن ألحان قبطية حزينة.
وشارك في الجنازة نيافة الأنبا أرثانيوس مطران المنيا وأبوقرقاص، والأنبا مكاريوس الأسقف العام، وقالا لـ «المصري اليوم»: «إن الكنيسة تعتبر هؤلاء الشباب الضحايا مكافحين من أجل لقمة العيش، في محاولة منهم لتحقيق ذاتهم في رحلة بحث شاقة عن مصدر رزق، وهم عن حق شباب شجعان، وننصح الشباب باتخاذ السبل الشرعية والقانونية باستخراج تأشيرات رسمية، تجنبًا للكوارث التي تلحق بهم وبأهلهم.
وذكر الأنبا مكاريوس أن قداسة البابا شنودة يتابع المأساة لحظة بلحظة معنا منذ الساعات الأولي فيما شهدت وقائع الجنازات إصابة نحو ٧٠ شخصًا بالأغماء ما بين شاب وسيدة منهم أكثر من ٣٠ حالة في كنيسة أباكير ويوحنا، وقال عدد من الأهالي إن أبناءهم وقعوا فريسة لسماسرة الهجرة غير الشرعية، حيث دفع الضحايا مبالغ تراوحت بين ٣٠ و٣٣ ألف جنيه لتسفيرهم من مصر إلي سوريا و٣٢٠٠ يورو من سوريا إلي تركيا، و٢٠٠ يورو لاستقلال المركب، وعند وصولهم اليونان سيدفعون مبالغ أخري.
وأعلن القمص داوود راعي كنيسة أباكير ويوحنا أن القرية قررت إقامة سرادق داخل الكنيسة لاستقبال عزاء الضحايا الأربع.
وحّمل شباب في الكنيسة الحكومة مسؤولية عدم الإعلان عن أسماء الغرقي وتأخير الكشف عنهم، مما أدي إلي إصابة الأسر بالفزع علي مدار أكثر من ١٠ أيام، وطالبوا الحكومة خلال اللقاء الأسبوعي بكنيسة أباكير أمس الأول، بسرعة الكشف عن باقي الضحايا لتهدئة الأسر وتحديد مصير أبنائهم.
*
مداخل المدينة مقفلة بالمتاريس والكنيسة ترفض المصالحة العرفية
الكنيسة ترفض مجلس المصالحة العرفي الذي دعا إليه الحزب الوطني في إسنا.. وتضع أربعة شروط للصلح
أوردت جريدة “المصري اليوم” (بقم:محمد حمدي وعمرو بيومي)أن مدينة إسنا تحوّلت إلي ثكنة عسكرية عشية عيد الأضحي، وأغلقت مداخل المدينة بالمتاريس، وانتشرت قوات الأمن بكثافة وسط شوارع المدينة، فيما تمركز آلاف الجنود في معسكر لقوات الأمن المركزي تحسباً لأي أحداث طارئة علي الرغم من حالة الهدوء التي تسود المدينة لليوم الثالث بعد الأحداث الطائفية التي وقعت مساء السبت الماضي.
من جهة أخري رفضت الكنيسة القبطية عقد مصالحة «عرفية» بين المسلمين والمسيحيين بمدينة إسنا، وهي المصالحة التي دعا إليها الحزب الوطني بقيادة العمدة فيصل عبدالرحمن، عضو مجلس الشعب، عن المدينة. أكد القمص مينا جاد، كاهن كنيسة العذراء، والأم دولاجي، أنهما تلقيا أوامر من رئاسة الكنيسة بعدم التصرف أو اتخاذ أي قرار بشأن أحداث العنف التي وقعت، إلا بأذن من البابا شنودة شخصيا.
وأضاف القمص أن اللجنة البابوية برئاسة الأنبا يوآنس تتابع معهم الموقف أولاً بأول، وأنهم وضعوا أربعة شروط لإتمام الصلح، وهي: تعويض أصحاب المحال المتضررة، وتقديم الجناة الحقيقيين للمحاكمة وإعادة الأمن للمدينة، وإعادة فتح كنيسة السيدة العذراء بـ«أصفون»، المغلقة منذ أيام حكم الرئيس الراحل أنور السادات. وفي تطور جديد، قرر طه الدالي، مدير نيابة إسنا، أمس، إخلاء سبيل المتهمين السبعة في أحداث الفتنة الطائفية في إسنا.