8) طلب ما يجب من الرزق أفضل من الاشتغال بنوافل العلم والعبادة: ذكره ابن الجوزي رحمه الله في «صيد الخاطر» لأن المسلم يأثم بتضييع من يعول ولا يأثم بترك نوافل العلم والعبادة، و«اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول»، الحديث متفق عليه، وسؤال الناس يأتي خدوشًا في وجه صاحبه يوم القيامة، «ولا تزال المسألة بالرجل حتى يلقى الله عز وجل يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم»، الحديث متفق عليه، «وقد بلغ التعفف عن السؤال ببعض أهل الجاهلية قبل الإسلام أن الرجل منهم كان إذا أعوز ولم يجد شيئًا دخل مغارة في الجبل وبقي فيها حتى يموت ولا يسأل الناس»، ذكره ابن مفلح الحنبلي في «الآداب الشرعية»، ولابد للإنسان في هذه الدنيا من أمرين: دين يصلح به آخرته ومصدر رزق يصلح به دنياه، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم بيان ذلك في قوله «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر»، حديث حسن رواه أحمد وأبو داود، لأن الكفر خراب الآخرة والفقر خراب الدنيا، كما أن أكل الحرام خراب الدنيا والآخرة، وفي الصحيح «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» رواه البخاري.
المعاصي
9) لا تستهن بالذنوب والمعاصي:
فقد اخرج آدم عليه السلام من الجنة بسبب معصية واحدة بالرغم من توبته وقبول الله لها، ودخل رجل النار وهو يجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بسبب عباءة سرقها من الغنيمة قبل قسمتها (غلها) الحديث رواه مسلم، وإذا بلغك حكم شرعي صحيح فلا تعرض عنه متعمدًا ولو بشبهة تدرأ بها عن نفسك فإن هذا المسلك يورث زيغ القلب كما قال تعالى «… فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ…» (الصف:5)، وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله «مهما تلاعبت به من شيء فلا تلاعبن بأمر دينك» وإذا لم تستطع أن تزيل المنكر فزل عنه واعتزله، فهذا مقتضى إنكار القلب… وقد سبق أنه لا يجوز الفرح بشيء من المعاصي وأعمال الغدر ولا المجاهرة بها والمفاخرة، بل تجب التوبة والاستغفار من هذا كله، ولا تنزه نفسك عما فعلته من ذنوب وتلقي باللوم على غيرك، فإن الله سبحانه إنما غفر لآدم عليه السلام لأنه اعترف بذنبه «قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)» (الأعراف:23)، في حـين لم يغفر الله لإبليس لأنه نزه نفسه عن ذنبه ونسب ذلك إلى الله «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) «(الحجر:39).
الشر
واعلم أن أصول الشر ثلاثة: الكبر وبه كفر إبليس، والحرص وبه خرج آدم عليه السلام من الجنة، والحسد وبه قتل ابن آدم الأول أخاه.
واعلم أن الورع إنما يعرف في الخلوة لا عند مخالطة الناس، فلا تكن وليًا لله في العلانية وعدوّه في السر.
وقال بعض المتصوفة «آخر ما يخرج من الشهوات من قلوب الصالحين: حب الرياسة. ويشهد لذلك قوله تعالى «هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ» (الحاقة:29)، وفي الآية أن السلطان والرياسة آخر ما يتعلق به الإنسان من علائق الدنيا.
الصبر
10) الجنة ليس لها ثمن إلا الصبر:
قال الله تعالى «وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12)» (الإنسان:12)، وقال تعالى في أصحاب الجنة «… وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)» (الرعد:23، 24)، والصبر هو «حبس النفس على المكاره» وهو أشق شيء على النفس لأنه حمل النفس على خلاف هواها، ومن هنا كان هو ثمن الجنة لما ثبت في الصحيح من أنه «حُفت الجنة بالمكاره» رواه البخاري، فلن يخلص أحد إلى الجنة إلا باحتمال تلك المكاره وهذا هو الصبر، وهو ثلاثة أقسام: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» رواه الترمذي وحسنه، والثمن هو الصبر، والصبر على مكاره تنقطع عما قريب بالخروج من هذه الدنيا أهون وأيسر من الصبر على المكاره العظمى التي لا تنقطع إلى الأبد في جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم «يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر، للعامل فيهم أجر خمسين» قال الصحابة: يا رسول الله خمسين منا أم منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم «بل منكم» وهو حديث صحيح رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه وذكره ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى ج18» وقال إن سبب زيادة أجر العاملين بدينهم في آخر الزمان جاء مفسرًا في رواية أخرى لنفس الحديث وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة «إنكم تجدون على الحق أعوانًا وهم لا يجدون».
الحق
11) الرجوع إلى الحق واجب وخير من التمادي في الباطل:
قال تعالى « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201)» (الأعراف:201)، وقال تعالى «… وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24)» (ص:24)، وقال بعض الصالحين «لأن أكون ذنبًا في الحق خير من أن أكون رأسًا في الباطل» والذنب هو آخر الذيل.
ولقد رأيت في زماننا المعاصر بعض من ينادى بالحكم بالشريعة الإسلامية ويرفع راية الجهاد من أجل ذلك لا يطبق الشريعة في خاصة نفسه ولا في جماعته الإسلامية إذا جاءت خلاف هواه، وكنت أقول إذا كان هؤلاء المطالبون بتطبيق الشريعة لا يطبقونها على أنفسهم وهم مستضعفون فكيف سيفعلون إذا تمكنوا وحكموا البلاد؟ وقد أشرت إليهم في كتابي «الجامع في طلب العلم الشريف» منذ عام 1993م، وقد كان هذا دأب اليهود كما وصفهم الله في قوله تعالى «… يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً…» (المائدة:41)، كما أن هذا هو دأب المنافقين الذين وصفهم الله بقوله تعالى «وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48) وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)» (النور:48-50) ولا خير في هؤلاء وأمثالهم مع عصيانهم للشريعة كما قال الحق سبحانه «وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23)» (الأنفال:23). وما ينكره هؤلاء على الحكام من عدم تطبيق الشريعة يفعلونه وهم مستضعفون، وفي رسالته إلى سعد بن أبي وقاص -وذكرت بعضها من قبل- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «فإذا استوينا وعدونا في المعصية كانت لهم الغلبة علينا في العدد والعدة» أ.هـ، من «العقد الفريد» لابن عبد ربه الأندلسي، وهذا أحد أسباب خذلان الله لبعض الجماعات الإسلامية، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي، وأصبحت المرجعية العليا لديهم للرأي والهوى لا للشرع. ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت.
الزهد
12) كل من سعى في حق ولـم يدركه أو لـم ينتفع به أو أضير بسببه في دنياه تم له أجره عند الله تعالى:
وذلك لأن كل ما يحصل عليه المسلم في هذه الدنيا (لقمة خبز فما فوقها) ولو من حلال تنقص من أجره يوم القيامة وتنقص من منزلته في الجنة ونعيمه فيها وإن دخلها ابتداء بلا سابقة عذاب ولا مناقشة حساب، وهذا هو أصل «الزهد في الدنيا» عند الصالحين من أمم جميع الأنبياء عليهم السلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس وكذلك كان عيسى بن مريم عليه السلام أزهد الناس، ذكر أخباره أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه «الزهد». وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة وهم أصحاب الصُفّة، حتى يقول الأعراب «هؤلاء مجانين»، فإذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إليهم فقال «لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة» رواه الترمذي وصححه، و«الخصاصة» الجوع الشديد، و«الفاقة» الفقر.
الجهاد
وكذلك في الجهاد: من سعى في ذلك بلا إثم ولا عدوان ففشل ولم يدرك نصرًا أو أصـيب فقـد تم له أجـر جهاده عند الله تعالى بخلاف من انتصر وغنم، كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تغزو فتخفق وتصاب إلا تم لهم أجورهم» رواه مسلم. وهذا الحديث وما فيه من تمام الأجر رغم الإخفاق الظاهر في الدنيا فيه أيضًا رد على مقولة «كل عمل تقاصر عن تحقيق مقصوده فهو باطل» وقد سبق التنبيه على ما في هذه العبارة من خطأ في آخر البند الأول. وكذلك فهم الصحابة رضي الله عنهم من نصوص الشريعة أن كل من حصل على شيء من متاع الدنيا ولو من حلال ينقص من أجر عمله في الآخرة، وبذلك وصف خباب بن الأرت حال مصعب بن عمير الذي قُتل يوم أحد فلم يدرك الفتوحات العظيمة والغنائم الجزيلة التي أصابها المسلمون بعد ذلك فتم لمصعب أجره في الآخرة رضي الله عنه، قال خباب «هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله تعالى فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئًا من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها» متفق عليه، و«نمرة» قطعة قماش، و«الإذخر» نبات طيب الرائحة، و«أينعت» نضجت، و«ثمرته» زهرة الدنيا ونعيمها، و«يهدبها» يقطفها. وروى البخاري رحمه الله حديثًا مثل هذا عن عبد الرحمن بن عوف في شأن مصعب بن عمير وفيه قال عبد الرحمن «ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا» رضي الله عنهما.
الخلق
13) حسن الخلق واجب مع جميع الناس مسلمهم وكافرهم:
لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم «وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي وحسنه، ولم يقصر أمره على المسلمين، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن أكثر ما يدخل الناس الجنة «تقوى الله وحسن الخلق» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وهو من أثقل الأشياء في ميزان العبد يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقد قال الله تعالى «… وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً…» (البقرة:83)، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم «أكثر ما يدخل الناس النار: اللسان». وبرّ الوالدين واجب ولو كانا كافرين.
واعلم أن حسن الخلق مظنة توفيق الله للعبد، وهذا أمر يعرفه العقلاء في كل أمة بالاستقراء، ومن هنا لما جاء الوحي جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة قال صلى الله عليه وسلم وهو يحكي الخبر لخديجة رضي الله عنها «لقد خشيت على نفسي» فقالت له «كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق» الحديث متفق عليه، فاستدلت رضي الله عنها على أن من كان على مكارم الأخلاق هذه لا يخزيه الله في شيء بل يوفقه. وفي المقابل فإن كثيرًا من الإخفاقات سببها سوء الأخلاق.
مراجعات جماعة “الجهاد” .. وثيقة الترشيد (الحلقة 11) “مسألة جهاد المنفرد”
مراجعات جماعة “الجهاد” .. وثيقة الترشيد (4 إلى 9)
مراجعات جماعة “الجهاد” .. وثيقة الترشيد (1) بقلم سيد إمام الشريف