(الآلة التي تصح بها التذكية ( = الذبح الشرعي) ليس يعتبر في صحة التذكية لها كونها آلة لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك إذا كانت فيها شروط الصحة.. الغاية من الشريعة ليس معرفة الحقيقة بل إيجاد الفضيلة والحث على الخير والنهي عن المنكر) ابن رشد في كتابه فصل المقال وتقرير مابين الشريعة والحكمة من اتصال.
في الفلسفة والفكر، الأسئلة دائماً أهم من الأجوبة. الأسئلة التي تحمل إمكانية أجوبة أخرى، تبقى منطلق كل معرفة، وهي التعبير المكثف لمعاناة الإنسان في بحثه عن الماهية والوجود، والمصير الفردي والجمعي. السؤال المركزي المثار هنا: ماهو موقع ودور الخطاب الثقافي العربي، والمسألة الثقافية بمكوناتها، عناصرها، مسارها، وتعرجاتها ضمن النسق الاجتماعي العربي العام؟ إذ لا ثقافة خارج المجتمع في تحولاته وتبدلاته البنيوية بفعل العوامل والمتغيرات والتطورات الداخلية والخارجية (المحيطة). فهناك دائما علاقة جدلية مترابطة ومتبادلة, يتحدد من خلالها موقع ودور البنية الثقافية وتفاعلها مع المكونات والعوامل الاجتماعية الاخرى. فالحديث عن ازمة الثقافة العربية يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن الأزمة البنيوية العميقة للدولة العربية (الحديثة) والواقع العربي العام بمستوياته وأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الذي افرز ثقافته وفكره المأزوم، وهناك تداخل ما بين أزمة الثقافة وثقافة الأزمة، والإشكالية هنا ليس في تأزم الواقع العربي فقط، بل إن البديل أو البدائل المختلفة المقترحة مأزومة أيضا.
ثقافتان متقابلتان، وجذر مشترك
الثقافة العربية بشكل عام هي أسيرة نمطين وشكلين رئيسين (رغم الفارق الشاسع بينهما في اللحظة الراهنة من جهة عمق التأثير والنفوذ وان بدا انهما متعارضان من حيث المنطلقات، الا انهما يلتقيان عند جذر واحد، هو تعطيل وتجميد الابداع والمعرفة والفكر، وشل القدرة على التغير والتجاوز والتجديد. فهناك الثقافة المستمدة عناصرها من اجترار او اعادة انتاج الموروث الثقافي (التقاليدي) الماضوي، التي تتصف بالتلقين والتقليد، هي ثقافة ترى النموذج في استحضار اجابات جاهزة تستمدها من الموروث والتراث الماضي المزدهر التليد، واسقاطها بصورة تعسفية وارادوية لتجيب على اسئلة الحاضر المأزوم والبائس، بغض النظر عن الفاصلة التاريخية والزمنية الممتدة، وظروف هذا الحاضر ومتغيراته وتناقضاته، والعوامل والشروط الموضوعية والذاتية التي تحكم حركته وتطوره.
وفي المقابل هنالك الثقافة التي تنادي بالقطيعة المعرفية «الابستمولوجية» الجذرية مع الماضي، وحمولاته «الموروث والتراث» وتستمد عناصرها من المراكز «الغربية؛ الثقافية العالمية، وتسعى الى فرض واسقاط المفاهيم والنظريات الغريبة «بغض النظر عن مدى علميتها وصحتها» بصورة ارادوية ايضا، ودون ان تأخذ بعين الاعتبار الظروف والمسار المختلفة لتطور البلدان والمجتمعات العربية، وبالتالي ظلت اسيرة العزلة والاغتراب وهامشية التأثير في الواقع الموسوم بالتخلف والامية الفعلية «70 مليون امي عربي» والثقافية والفقر والاستبداد والتبعية.
وفي الحالتين تسود ثقافة التقليد والنقل والمحاكاة، واعادة انتاج التخلف والاغتراب والتبعية، وتحويل التراث الثقافي الى مجرد (فلكلور) ثقافي ينحصر في المناسبات الخطاب الثقافي لايقنع بالسؤال عن ما كان فقط فالتطلع دائما هو لما يجب ان يكون ووصل ما هو حي في القديم والتراث بالحي المتغير «الراهن» وليس احياء الميت لاماتة الحي فينا
غربلة ونقد التراث ضرورة الحاضر
لابديل هنا من امتلاك رؤية تاريخية، وموقفا نقديا، عقلانيا علميا، وموضوعيا لمجمل تراثنا الثقافي والحضاري، فليس الماضي مقدسا ومنزها بكليته، وليس الحاضر كافرا موبوءا برمته ايضا. باستثناء العقيدة الاسلامية والثوابت الدينية قاطعة الدلالة، ليس هناك شيء مقدس، ومتعال، وابدي وثابت، وهو ما يتطلب التفريق بين جوهر وحقيقية الدين السماوي (الثابت) وبين اطروحات الفكر الارضي (المتغير) ايا كان مصدره وشخوصه، حيث هو اجتهادي بشري، ضمن ظروف واوضاع وشروط تاريخية وعيانية محددة وبالتالي قابل للصواب والخطأ والتجاوز.
وهو ما اجمع عليه العديد من كبار العلماء والفقهاء المسلمين القدماء منهم والمعاصرين على حد سواء. وهو ما انعكس في رحابة الاسلام وانفتاحه (في عصره الزاهر) من خلال تعدد القراءات والاجتهادات، وتنوع المذاهب والتفسيرات، وتعدد المدارس الفقهية والفلسفية (علم الكلام). ولم يستنكف العلماء المسلمون الاقدمون من التفاعل مع ثقافات وحضارات وعلوم عصرهم، والعصور التي سبقتهم كالحضارة الاغريقية، الفارسية، الرومانية، والهندية، متمثلين القول المأثور «اطلبوا العلم ولو في الصين» من خلال النقل والترجمة، ثم عبر الاضافة، التجديد، الابتكار، والتجاوز والتي تمثلت في الحضارة العربية الاسلامية التي وصل تأثيرها معظم ارجاء العالم القديم هذا التفاعل والتلاقح والتمازج الحضاري للذات «الأنا» مع المغاير «الاخر» اثمر ذلك الماضي التليد الزاهر قبل ان تسود عصور الانحطاط والظلام والجهل وهيمنة ثقافة القمع والاسبتداد وتصدر فقهاء السلاطين لتعطيل ووأد مقاصد الدين والشريعة السمحة التي هدفها الارتقاء بالانسان و «كرمنا بني ادم» وفقا للاهواء والمصالح الخاصة وهو ما ادى الى قفل باب الاجتهاد «كل الخير في ما سلف وكل الشر في ما خلف» وتحويل قراءة محددة من الفكر الديني «البشري» الذي هو نتاج اوضاع ومعطيات وشروط تاريخية محددة، الى ايقونات مقدسة وبديلا عن النص والاصل» القرآن والثابت من السنة» المقدس الذي هو نص مفتوح قابل «كما كان» لاعادة القراءة والتأويل والقياس ضمن الظروف والشروط والوقائع الجديدة. هناك حاجة ملحة الى احداث قطع وقطيعة معرفية مع تلك الجوانب التي لم تعد تتواءم مع متطلبات وتحديات الحاضر والمستقبل.
الأنا المتشظية
لابد من تجلية العلاقة الملتبسة بين الأنا والاخر، ومع اهمية التميز بينهما اجرائيا او واقعيا،غير انه لايمكن القبول بالعداء والتعارض المبدئي بينهما، من منطلق احالة الأنا الى كتلة هلامية صماء، او جوهر ثابت لايتغير «انا وجدنا اباءنا على ملة، كما يذكر القران الكريم في معرض رده على موقف قريش العدائي من دعوة الاسلام.. وهنا لابد من معاينة ان الأنا ليس شيئا واحدا، هناك دائما وستظل على الدوام اختلافات بل وتناقضات «اجتماعية، اثنية، فكرية، ايديولوجية، سياسية، دينية، مذهبية، قبلية، عشائرية، مناطقية ونفسية» تحكم العلاقة بين الأنا والأنا، وقد باءت كل محاولات المماثلة والتنميط القسري لتلك العلاقة بالفشل، وادت الى اندلاع الفتن والاضطرابات والحروب والنزاعات الاهلية منذ العصور الاولى للاسلام، وحتى عصرنا الحاضر كما هو الحال في العراق ولبنان وفلسطين والسودان والصومال، وغيرها من البلدان العربية والاسلامية، وقد اثبتت الحياة والتجارب انه ليس هناك من وسيلة لحل تناقضات «الأنا» المتشظية، الا من خلال القبول والتعايش السلمي بين مكونات «الأنا» عبر ترسيخ فكرة المواطنة الكاملة والمتساوية في الحقوق والواجبات للجميع في ظل دولة مدنية حديثة تستند الى سيادة القانون والدستور وحكم المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية المستقلة والهوية «الأنا» المرتبطة بهذا المعنى ليست كينونة ثابتة مجردة ومطلقة ومنعزلة ومتقوقعة انها متجددة ومتغيرة على الدوام وتغتني باستمرار من خلال جدل وتشابك وتداخل وتفاعل الأنا والأنا، والأنا والاخر، وكما كانت «الأنا» والذات العربية جزءا من مكونات الاخر «الغرب» ابان نهضته، من خلال التفاعل الجدلي مع منجزات الحضارة العربية الاسلامية، يصح بل هي مسألة حياة او موت للذات العربية ان يكون الاخر «الحضارة الغربية تحديدا» احد مكونات الأنا والهوية العربية التي تفيض عن دلالتها الدينية والقومية، لتمنحها البعد الحضاري الكوني والانساني.
عكاظ السعودية في 13-7-2007
( 5 ) جدل الثقافة بين الخصوصية والكونية / حداثة وتنمية مبتورة
وفقا لتقارير التنمية العربية الصادرة عن الأمم المتحدة فان المنطقة العربية تحتل الدرجات الدنيا إلى جانب بعض الدول الإفريقية، من حيث معدلات التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية، ونوعية الحياة وتطور الموارد البشرية من قوى منتجة وإنتاجية عمل وتعليم وصحة وتوظيف، وفي مستويات توطين التكنولوجيا والعلوم ووسائل الاتصال ومراكزالابحاث، وعلى صعيد الشفافية والحريات العامة، إلى جانب ارتفاع معدلات المديونية والفقر والأمية والبطالة، ناهيك عن الوضع المتدني للمرأة، وتهميش حقوق الأقليات الدينية والطائفية والاثنية، مما جعلها مرتعا للحروب الأهلية، وتنامي العنف والتطرف والإرهاب. يعزو البعض سبب ذلك إلى عوامل خارجية تتمثل بنظرية المؤامرة ودور الاستعمار، والأمبريالية، فيما يعزو آخرون السبب إلى عوامل داخلية تتمثل في البنى الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة التي تتسم بالتخلف والانقسام والانفصام وهيمنة الفكر الأسطوري التأملي ورسوخ العادات والتقاليد وقيم القبيلة والعشيرة والطائفة، وشيوع اقتصاديات ريعية ونشاطات طفيلية وهامشية غير منتجة. هذا التخلف يتميز بخاصيتين هما غياب العقلانية في الرؤيا والممارسة، والشلل وعدم القدرة على الفعل وتحقيق الأهداف المستقبلية الموضوعية، ولدى التطرق إلى ماهية التخلف وأسبابه وسبل مواجهته وتجاوزه لا بد من استنبات رؤية وطريقة تفكير ولغة جديدة تقارب الواقع وتكون أداة كاشفة له مما يفترض بالضرورة الابتعاد عن طرق التفكير واللغة المجازية والمخاتلة التي تحجب وتغطي الواقع وتعمل على تعتيمه.
تحديث براني
ومع انه حدثت تغيرات مهمة في بنية المجتمع العربي خلال القرن المنصرم على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ألا أن ذلك لم يؤد إلى تفكيك بنية النظام الأبوي القديم والى تغير نوعي وحاسم لترسيخ بديل سياسي واجتماعي وثقافي، بل أدى إلى إضفاء نوع من التحديث المظهري (البراني) بتحويله إلى شكل نظام أبوي «مستحدث» يزعم انه استطاع المواءمة ما بين الحداثة والمعاصرة (الكونية) من جهة وبين الماضي والتراث (الخصوصية) من جهة أخرى. وفي الواقع فان ما نراه هو نظام هجين.
المجتمعات العربية عموما، تعيش حالة انفصام وتناقض يتمثل في عدم قدرتها على الاندماج والتفاعل مع معطيات ومنجزات الحضارة المعاصرة، وبالتالي انجاز حداثتها الفعلية، على الرغم من مظاهر التحديث الشكلي على مستوى التنظيمات الإدارية والتشريعية والدولتية والاقتصادية والخدماتية.
والواضح ان المجتمع والفرد العربي يستخدم منتجات الحداثة ويتعامل مع التقنية وما توصل إليه الغرب من منجزات علمية (كمستهلك لها) في مسكنه وتنقله واتصالاته ومشاهداته ومعاملاته التجارية والمالية …… الخ.
غير انه في وعيه وذهنيته وممارساته يرفض الفكر والفلسفة (الغربية) الثاوية التي شكلت منطلق تقدمه ونهضته، حيث لا يزال يراوح مكانه بل يتقهقر وينزوي خارج العصر والتاريخ والزمن العالمي، لأنه لايزال يعيش في شرنقة زمنه الخاص، ومحكوما بروح ومفاهيم الماضي (حاضره وراهنه) وقيمه وانتماءاته الفرعية (قبلية وعشائرية وطائفية ومذهبية) التقليدية، ما افقد المجتمع لهويته وكينونيته وتماسكه(الوطني) ووعيه (المدني) واستقلاليته ازاء المجتمع السياسي (الدولة) على قاعدة المصالح والأهداف المشتركة ،والتوافق في الثوابت والأهداف الأساسية التي تعطي المجتمع ملامحه وقيمته وماهيته والتي هي من مستلزمات تبلور وتشكل الدولة الحديثة.
الاستثناء هنا هو «الحداثة» النسبية للجهاز البيروقراطي العسكري / الأمني في البلدان العربية الذي تغول الى درجة تغيب والغاء المجتمع والإنسان العربي وفقدانه ابسط مقوماته وحقوقه المدنية.
كل ذلك افرز وضعا هجينا على المستوى الحضاري والاجتماعي والثقافي والنفسي يتمثل في المجتمع الأبوي «المستحدث» الذي يعبر عنه في تكريس التسلط والاستبداد، وغياب أو تغيب مفاهيم وقيم انسانية (كونية) عامة، اصبحت الى حد كبير ملزمة وراسخة في معظم انحاء المعمورة كالحرية والديمقراطية والعدالة والتعددية وحقوق الانسان.
حيث لا تزال جل المجتمعات العربية تفتقدها وتفتقد معها الرؤية العقلانية ،النقدية، والتاريخية لصالح تكريس سلطة النقل والنص، وانعدام مبدأ الحوار والتسامح وقبول الآخر، وترسيخ النظرة الأحادية الشمولية، ومحاولة فرضها بمختلف الأشكال والاساليب وفقا لمفهوم «الفرقة الناجية» والتي تصل إلى حد التكفير والإلغاء المتبادل والتصفية المادية والرمزية (المعنوية) للآخر، والنتيجة هي تسطيح الفكر والممارسة وفقا لقالب ونسق جاهز معد مسبقا يفرض على الجميع الانتظام ضمنه ، وتستوي في ذلك الجماعات التقليدية والنخب «الحديثة» على حد سواء، إلى الدرجة التي تشكل معها ظاهرة اجتماعية / نفسية عامة ومشتركة.
كما يتجلى المجتمع الأبوي في الموقف من المرأة حيث تعيش الإقصاء والتهميش المادي والمعنوي ومصادرة حقها الانساني في المشاركة والفعل والتعبير عن ذواتها.
والأسئلة التي تبرز هنا : هل يمكن الحديث عن مفهوم التحديث ومفهوم التخلف بعيدا عن المسار التاريخي الذي اختطه الغرب الرأسمالي؟ وإذا كان التحديث والمعاصرة يتجلى أساسا بالغرب فكيف نستطيع أن نقيم ونعين موقع ودور رأسمالية تابعة ومتخلفة ومشوهة إزاء ظاهرة التخلخل والتخلف البنيوي على الرغم من مظاهر التحديث الشكلية؟ وبالتالي هل بالإمكان استعادة فكر النهضة وما هي عناصر المشروع النهضوي الجديد ضمن الشروط التاريخية والعوامل والظروف (الموضوعية والذاتية) السائدة وأين يتقاطع (يلتقي ويفترق) مع المشروع النهضوي المجهض؟
تنمية مجهضة
التجربة التاريخية والمعاصرة على وجه الخصوص للمجتمعات والشعوب كافة، تبين أن التنمية بأبعادها (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الشاملة، هي عملية متداخلة ومتشابكة وان ابتسار وتجاوز أي من مكوناتها سيؤدي إلى فشل واجهاض العملية ككل.
لا بد هنا من معاينة وتحديد العوامل والأسباب التي ادت الى تعثر واجهاض المشروع العربي النهضوي منذ اواسط القرن التاسع عشر، والذي نجم عنه تحديث وتجديد التخلف وحال دون الوصول بالإصلاح بشقيه الديني والمدني إلى اختراق حقيقي، يمتلك القدرة على الفعل والتأثير العميق والشامل في انساق السلطة والمجتمع، من خلال تبني موقف نقدي / تاريخي / عقلاني إزاء منظومة التراث والفكر الديني (بما انه إنتاج بشري) باعتباره ينتمي إلى فضاء وحيز اجتماعي / تاريخي واقعي.
الحديث عن غياب وهامشية خطاب التنوير في الوعي العربي، يتطلب ويستدعي إثارة قضايا وأمور مفصلية مثل العقلانية ،الحداثة، والعلم، وما يتصل بها من مفاهيم مثل التفاعل مع الذات وقبول الاخر واطلاق حرية الاجتهاد اوالتفكير والتعبير.
قضية الحداثة تطرح مسائل وأمور (راهنة) حيوية وجدية ما تزال تراوح مكانها ولم تحسم بعد، كالحداثة السياسية (دولة القانون والمؤسسات) والحداثة الاقتصادية ( تطوير قوى الإنتاج (تعليم، مهارات، تدريب) وتوسيع وتنويع وتوازن القاعدة الاقتصادية)، والحداثة الاجتماعية (تبلور المجتمع المدني بمؤسساته وتشكيلاته وتكويناته المستقلة)وهو ما يتطلب ترسيخ فكرة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات للمكونات الاجتماعية كافة، التي تتضمن نبذ وتجريم الممارسات والإجراءات التميزية مثل القبلية والعشائرية والمناطقية والطائفية باعتبارها مظاهر متخلفة وتتناقض مع الجوهر الأخلاقي اوالديني والانساني، ومع محتوى ومتطلبات الدولة المدنية الحديثة (الدولة / الأمة)، كما إن تحرير المرأة وممارستها لحقوقها الإنسانية كافة هو احد المؤشرات الحاسمة الدالة لقياس مستوى الحداثة والتقدم الاجتماعي والحضاري لأي شعب، وعلى الصعيد الثقافي فان الحداثة تشمل القضاء على الأمية وتطوير وتحديث المناهج التعليمية والعملية والتربوية وبما يحقق حرية البحث العلمي والأكاديمي والفكري وتحديث وتجديد الخطاب الديني والإعلامي من خلال احترام التنوع والقبول بالآخر كشريك كامل الأهلية وهذا يتطلب إطلاق حرية التعبير والتفكير والرأي وترسيخ الشفافية والانفتاح والتسامح والتنوع المعرفي والثقافي والحضاري.
إن تجاوز المعيقات التي تحكمت في خطاب النهضة يستدعي تجاوز الرؤيا والممارسة التلفيقية بين الثنائيات المتقابلة مثل القديم والجديد، الأصالة والمعاصرة، النقل والعقل، المحلي والوافد، الأنا والآخر، الوطني والقومي، الخصوصية والكونية.
السؤال هنا: كيف تستطيع المجتمعات العربية أن تؤصل وتبيئت حداثتها، وتنقد وتعصرن موروثها؟ ان حل وانجاز هذه القضايا والمهام يمثل نقلة تاريخية حاسمة باتجاه التحديث والإصلاح والتنمية المستدامة، ومن شانها وضع المجتمعات العربية على عتبة التقدم الاجتماعي، والمشاركة الندية الفاعلة ضمن الحضارة الكونية المشتركة.
عكاظ السعودية 20—7–2007
na.khonaizi@hotmail.com
1 جدل الثقافة بين الخصوصية والكونية/الثابت والمتغير 2 جدل الثقافة بين الخصوصية والكونية/الثابت والمتغير
3 جدل الثقافة بين الخصوصية والكونية/الثابت والمتغير