الحادثة الجسيمة، والحادث الجلل، على مثال 12 تموز (يوليو) 2006، اليوم الأول من الأيام الثلاثة والثلاثين وحربها بين الحزب الخميني ـ (لبنان)، ووراءه لبنان المقحم على رغمه وطوعاً في الحرب وفي ثناياها وحواشيها المسالمة والمدنية، وبين الدولة العبرية، جيشاً وأهلاً ـ الحادثة الجسيمة على هذا المثال تحدث، أو تحصل، أو تقع على شاكلة الانفجار، أو الزلزلة، أو ثورة البركان، أو انشقاق الأرض وابتلاعها ما عليها ومن عليها، أو هبوب الإعصار، أو وقوع الصاعقة، او اجتياح الموجة اليابسة، أو انتشار النار في الهشيم، أو خروج المارد من القمقم وملء سحابته المكان، أو فشو الطاعون في المدينة، أو فتك المجاعة وغلاء الأسعار وبيات الناس “في شدة وضيق عظيمين”، على قول المؤرخين المسلمين في رواية حوادث كثيرة من هذا الضرب. ولعل ما تجمع عليه هذه الكنايات، وهي مستلة إما من مجازات اختبار الطبيعة أو من القصص والحكايات والمقامات، وما تشترك فيه، هو الفجأة والغرة (ومن هذه الغارة والإغارة الحربية).
فالحادثة السياسية والاجتماعية والحربية، أي الحادثة العمرانية والتاريخية، على شاكلة الحادثة الطبيعية ـ من غير تخمين في سبق أو مصدر ـ تتناولها روايات وأخبار عربية (لغة ودائرة تداول وفهم كثيرة على وجه الظهور المباغت والصاعق، وعلى رسمه. فلا تعقل الحادثة (العربية وعربياً) على خلاف ما قد يعتقده “المحدثون”، إلا بإخراجها من سياقة وسنة أو سنن وتواتر، واطراحها من هذه.
فإذا هي أدرجت في سياقة وتواتر، خلع عنها إدراجُها هذا صفة الحادثة، ودعا الى حملها على ما ليس بحادث، وهو المكرر والمعروف والرتيب. والمكرر والمشهور متوقع، من وجه، ولا صاحب له ينسب إليه ويقال فيه إنه محدِثه، ويرجع إليه حدوثه أو إحداثه، من وجه آخر.
وتناول الحادث (والحادثة) والزعم ان ثمة ما ليس بحادث، ما خلاه “تعالى” (عن الحدوث والشرك في الإحداث أو الخلق)، يُسلم صاحبه الى جوار ملتبس لا يأمن صاحبه زلة الاعتقاد والفهم والقول. فإخراج المتواتر والجاري على سنة، والثابت على مثال، من الحدثان او الحدوث، يقود الى القول بـ”الطبائع”، على ما سمي العلم الطبيعي أو الطبيعيات. والطبيعيات مدخل الى الاعتزال والعقلانية. وهذه تفضي بدورها الى الدهرية. وقد يقي الزلة هذه، وينقذ منها، رد الظاهر الثبات، والمقيم على انتظام لا محيد عنه، الى تواتر مقصود ومراد (إرادي)، أي الى خلق خالق. فلا علة للانتظام هذا من نفسه، أو من طبع غير مطبوع (على ما لا ينبغي للعربية ان تقول) يستن سننه ويوجبها على ضوء بعثرة لا قرار لها ولا غاية، على قول اسماعيل مظهر في ثلاثينات القرن الماضي. ومهما كان من أمر مشادة الإحداث، وهي ملأت الكلام الإسلامي (بالعربية) ولم تخرج من الخطابة السياسية والصحافية الى يومنا، فالروايات والأخبار ورسوم التأويل والتعليل العربية (منطقاً ومثالات) ما ان تتطرق الى الحوادث، وهي مادتها في كل وقت وآن، حتى يهجم عليها حدا ما لا يعقل حدوثه: إما لأنه ينتهك السائر والمنتظم وسياقتهما، وإما لأن تعقله (أو عقلنته) يؤدي الى إدراجه في قانون يقضي باستحالة الخلق والبَدَد معاً، وبضرورة التحول وحده ولزومه سياقة من غير سائق.
والحق ان التعريج على الكلام والاعتقاد في معرض اقتصاص حادثة سياسية وعسكرية قريبة لا يُبعد من تعقب البناء الخطابي، التخييلي الصوري والمعنوي، الذي تنقاد إليه روايات الحادثة هذه وأخبارها وتأويلها، وتتوسل به الى المخاطبة والدعوة والإقناع والرد على الخصوم والمتحفظين. وروايات الحادثة وأخبارها (وعقلنتها تالياً) تنقاد الى بناء خطابي، من غير افتراض سبقه إياها وعليها. وهي تتوسل بالبناء هذا، من غير افتراض قيامها منه مقاماً مستقلاً عنه، وحاكماً فيه من خارج. فالرواة، وهم الساسة والقادة وجيش الصحافيين وأصحاب الأخبار الماشين في ركائبهم وبين ايديهم، والجمهور، وهو “نحن” على وجوه “نحن” ومراتبها ودوائرها، يتشاركون على مقادير متفرقة ومتباينة، في اعتقاد الخطابة هذه، وتصديقها، وإعمالها في التعليل والعقلنة. ويتشارك الرواة والجمهور في العمل بموجب الخطابة الغالبة هذه، على مقادير متفرقة ومتباينة كذلك.
التاريخي والإلهي
ومسوغ الزعم المزدوج هذا، زعم التشارك في الأعمال وزعم الشركة في العمل، هو ملاحظة عموم سطوة الخطابة التي رويت الحادثة الحربية عليها، أي على رسومها ومبانيها وصورها، ولا تزال تروى عليها، وتستنتج نتائجها العملية والدعاوية. وخروج شطر “منا”، قد يكون غالباً وكثرة اللبنانيين )والعرب من ورائهم)، على خطابة الحادثة الحربية، وإنكاره وقوعها ومجراها ونتائجها المستمرة، لا ينجم عنهما (الخروج والإنكار) استواء خطابة مختلفة على مبان متماسكة، وعلى تصريف مولِّد وفاعل. والحق ان سطوة الخطابة “الخمينية”، أو الحزب اللهية والسورية العروبية والفلسطينية الحماسية والسورية “القومية ـ الاجتماعية” والشعبوية العونية معاً ـ وتوسعها الإذاعي والتلفزيوني “الإسلامي” والمعولم ـ ليست ثمرة موارد طهران المالية والدعوية والتنظيمية والجغرافية وحسب. ولا ثمرة دور دمشق الأمني الاستخباري والعسكري وحسب. وليست هذه السطوة وليدة التقاليد الفلسطينية، الكفاحية المسلحة والاجتماعية ـ السياسية، وملابستها بعض المجتمعات العربية طوال أربعة عقود، وحدها. فهذه كلها وغيرها ـ وهو يمت الى تقاليد عصبية ومحدثة لبنانية وإلى ما نقيم على تسميته بالناصرية وبتراث حركات “التحرر” (الجزائرية على وجه التخصيص) والمعارضات المحلية والوطنية ـ تشرب من ينابيع تختلط مياهها عند منعطف أو آخر. وقد توغل المياه الحلوة في البحر المالح على رغم بعد المصب و”الشط” الذي ارتمت فيه، على قول الإيطالي ج. فيكو، إذا هي دخلت الماء المالح دخولاً قوياً ومندفعاً.
والحق ان الخمينية (الحركة السياسية الجماهيرية والإمامة والمقالات والهيئة الحاكمة جميعاً) وفروعها العربية الشيعية وغير الشيعية، لم تجدد في شيء كثير حين نسبت نفسها كلها، بقضها وقضيضها، الى “الثورة”. والأرجح (عندي) ان اللفظة أو المصطلح، الثورة، ـ وهي نظير “الانقلاب” في التركية والفارسية على قول ألبرت حوراني وبرنارد لويس، وبقي صدى اللفظة التركية والفارسية في مقالات ميشال عفلق وخطبه وكلامه في “الانقلاب العربي الشامل” ـ يقوم مقام الخروج في أخبار حركات “المعارضة” (ترجمة عبدالرحمن بدوي) في الإسلام. وهي حركات الشيع، الإمامية وغير الإمامية، والملل والنحل والفرق على أنواعها وأبوابها. وسلّم اصحاب الحركات الإسلامية المعاصرة بـ”الثورة”، ونزلوا عن “الخروج” و”الطلب”، على سبيل المراعاة وسد الذرائع.
والخروج، طلباً للملك أو العدل وجهاداً وفي سبيل الله ومرضاته وهجرة إليه، معناه، في السياسة واللغة معاً، الانقطاع من أمر (وطاعة) مستتبَّيْن، والسعي في ابتداء أمر مختلف، وفي إقامته على مبايعة وولاء جديدين.
والخروج، على المعنى “الثوري” هذا، هو صنو النبوة. والنبوة هي مثال الحادثة التي نصفها بـ”التاريخية”، على معنيي التفضيل والمبالغة. وبعض الكتّاب العرب، وربما كثرتهم، لا يحصون في “التاريخ” العربي ومنه، وهو تواريخ، غير حادثة واحدة، يرونها جديرة بالتسمية هذه، هي المبعث. فنبي الإسلام، أو “الرسول العربي” على ما كان ميشال عفلق يؤثر القول، وحده جمع العرب، وهم شعوب وقبائل و”أميون” من غير كتاب، على “كلمة حق” واحدة، وعلى كتاب فرقان. ونحن (المحدثين من اهالي العربية)، على مثال أسلافنا ثقافة وتقاليد، لا نعدّ حادثة “تاريخية” إلا ما يعصى أفهامنا فهمُه وتدبره (من أواخره) وتأوله (من أوائله). ورأس ما يعصى أفهامنا هو مصيرنا الى الوحدة والإلفة بعد فرقة واختلاف لا شفاء منهما، على قول “شعري” وسم به أحد اصحابنا الناثرين كتاباً “فلسطينياً” كتبه في أعقاب إحدى النكبات المعتادة.
فأورثنا اسلافنا فهماً للتاريخ، ولحوادثه، ينبغي ان ننكره، وننأى بأنفسنا وعقولنا منه، إذا نحن ضبطنا نتائجنا على مقدماتنا، ولم نحرف أقيستنا عن مبانيها وموازينها. فالحادثة التاريخية المفترضة، ومثال حوادث تشبهها أو تزعم شبهها، إنما هي حادثة لا يد للبشر ولوقائعهم وأفعالهم في صنعها. والحق ان تاريخيتها المفترضة، على معاني المبالغة والتفضيل والتعظيم، هي اسم نسبتها الى بارئها، حقيقة، وخالقها، وهو الخالق وحده، على هذا. والتاريخية هي، والحال هذه، الإلهية. ولا يستقيم وصف النبوة (نبوة النبي العربي، نبي الإسلام) بالحادثة التاريخية إلا اذا حمل الوصف، وحملت النسبة، على الألوهة. وهي، إذ ذاك، إلهية على معنيين: معنى المصدر الذي صدرت عنه، ومعنى فعلها بقوة ليست من قوة البشر، وبأسباب ليست من أسبابهم في شيء.
وينبغي الإقرار بأن الخمينية، أي روح الله خميني نفسه وأصحابه ومريديه و”السائرين على خط (إمامته)” والقائمين على “ثورته الإسلامية الثانية” (محمود احمدي نجاد و”حرسه”) الى يوم الدين على ما يحسبون، لم يتكلفوا المواربة ولا المراوغة حين ذهبوا الى أن ثورتهم هي “أعظم حادثة في القرن العشرين”، وأن “لا شرقية ولا غربية” (الصرخة أو المقالة) إيذان بطي الشيوعية والرأسمالية. وهم أوّلوا جلاء السوفيات عن افغانستان، في 1988، ثم تصدع الاتحاد السوفياتي، أثراً من آثارهم، شأن “العرب الأفغان” وأميرهم، وعلامة من علامات انقلاب الزمن، يليها أفول “اميركا” والغرب عن ايديهم.
وهم لم يحسبوا انفسهم متنطحين ولا أدعياء ولا متنبئين، حين حملوا فقيههم على صاحب الزمان، ونيابته، والتمهيد لمجيئه وملئه الدنيا عدلاً. فثورتهم، على قولهم، هي “ثورة الأنبياء”، والأنبياء أعلى رتبة من “أشرف الناس”، ولا يعدو “حزب الله” (لبنان)، والاسم السياسي الأمني (وليس العبارة القرآنية، بديهة) يتحدر من الأسماء والهيئات والمنظمات الإيرانية الخمينية، هذا الحزب لا يعدو طوره، ولا “يجاوز حدَّه”، حين يرفع نسبه، وينسب أفعاله، الى صاحب العزة، وإلى العزة وإلهامها ووحيها و”رميها” و”مكرها” (الأنفال، 17 و30). وليس اتفاق حدس أحد أشراف الخمينية (اللبنانيين) و”عِلم” سيمور هيرش، مقدم “ذي نيويوركر”، وصدق خبره أو استخباره، الأول في بابه ومن نصفه. فإذا كان المعلوم واحداً، وكان العلم صحيحاً، وجب اتفاق العلماء، على حسب اصل كلامي وفقهي و”علمي” عام. وسخرية “العلمانيين” من “إلهية” المنظمة الخمينية، العسكرية والأمنية، ومن “إلهية” نصرها، هذه السخرية إمعان في ضلالة الرأي العلماني، “الشرقي” و”الغربي”، الذي استقبل انتصار الخروج الخميني بالتكذيب والازراء، وتوقع انهياره الوشيك، على خلاف ما حصل وجرى.
فإذا غشي بصر “العلمانيين” عن التماس “القمر”، ثم عمي عن رؤيته، فكيف لا يعمون عن رؤية “المقاومة” وإنجازاتها، ولا يلجأون الى الإنكار، ثم الى الكذب فالمواطأة والخيانة. فـ”المقاومة” (“الإسلامية”، الخمينية والحرسية) هي بنت “الثورة” على الظلم و”الخروج” انتصاراً للمستضعفين وإمامتهم ووراثتهم (القصص، 5). و”المقاومة”، شأن النبوة والإمامة، إعجاز. وهذه قرينة اخرى من القرائن على تألهها. وسند هذا القول ليس زعماً متعسفاً ومرسلاً. فالتعليل التاريخي العلماني، على معنى إغفال الغيب وإهمال فعله في ما هو ظاهر وشاهد، يخلص الى النتائج من الأسباب، ويوازن بين هذه وتلك، ويتحرى النسبة او التناسب بينهما. ويقضي النهج هذا في التعليل بافتراض أسباب كبيرة وعظيمة يحمل عليها، وعلى سببيتها، النبوة، والانقطاع من “سلسلة المسببات والنتائج” (على قول ميشال فوكو في “الروحانية السياسية” الخمينية)، والخروج، والثورة، والتمرد، والمقاومة، والقيام على الطغيان والقهر، إلخ.
ولكن النهج العقلاني والعلماني الوضعي لا يفترض ما يفترض إلا في ضوء النتائج والانتصارات والإنجازات والثمرات العظيمة، وسعياً في مكافأة النتائج المشهودة بأسباب مفترضة. ويقول المتألهون، وهم في هذا المعرض الخمينيون وشيعة حزبهم وجيشهم وحرسهم، أنهم هم لا يفترضون شيئاً حيث يقف بهم علمهم الإنسي والعادي وقوف دابة ابي علي الجبائي في “عقبة” احتجاج الأشعري. ويقف بهم العلم حيث ينكص العلم عن ملء الغيب بأفعال البشر ووقائعهم. وهم لا يعدون تسمية ما يجهلون ولا محالة يجهله غيرهم، باسمه، وهو الغيب. وهم من كسروا سلسلة المسببات والنتائج، فقاموا على سلطان الشاه الوطيد والراسخ الأركان، والمستظهر بأعظم قوة حربية في التاريخ، على قول لا يخشى الغلو، وظاهره حق (وهو ظاهر خادع: فالقوة الأميركية “العظيمة” لم تكن كلها ولا كان جزءاً يسيراً منها بإيران، ولا في خدمة الشاه محمد رضا بهلوي، ولا طوع إشارته، وهي ليست طوع إشارة الرئيس الأميركي نفسه ولا المجلسين الفيديراليين، ولا قيادة الأركان، والحكم البهلوي إيراني في المرتبة الأولى، ودام ما دام وتماسك تكتل من الجماعات والمصالح، ونهج سياسي جمع القوة والسلطة وتوزيعهما الى ميزان تمثيل وانتداب). وقيامهم على القوة وسلطانها، وهم العُزل والعراة، حين كان غيرهم يسوف وينتظر ويحجم، ثم انتصارهم وفتحهم “المبين”، هذه كلها دليل ومصدق حاسم على يد الغيب أولاً، وعلى اصطفائهم هم ثانياً، وعلى صدق عزيمتهم وقولهم ثالثاً، وعلى جواز اجتراح الحادث (التاريخي ـ الإلهي) من عدم رابعاً.
تأويل الحوادث البرية
وردّ “الإسلاميين”، شيعة أماميين وسنة سلفيين و”إخوانيين” و”جهاديين” (أي بعض فرق الجماعات العريضة هذه، هنا وهناك)، على مقالة العلمانيين أو الوضعيين المفترضة، إنما هو دعوة صريحة وحادة الى حمل التاريخ “الإسلامي” (تاريخ المسلمين ومجتمعاتهم) المعاصر والماثل اولاً على حوادث برية، غير داجنة ولا مدنية. فلا تسري عليها قوانين أو أصول السياسة والحرب والعلاقات الدولية العربية، ولا مواثيق حقوق الإنسان (الغربية) والعدالة والقضاء والتجارة.
ويذهب “الإسلاميون” ـ وتتابعهم على مذهبهم المضمر تيارات قومية، أصولية وشعبوية، وقيادات متسلطة حمائية (اجتماعاً وسياسة وثقافة واقتصاداً)، وشلل إرهابية سافرة أو مقنعة ـ يذهب هؤلاء كلهم الى ان التزام الأصول والمبادئ النافذة في العلاقات بين الدول والأمم (الديبلوماسية والحرب) والتزام معايير الحكومة “المنزلية” أو الوطنية الداخلية، ينزع لا محالة القوة والشكيمة من ايدي “الشعوب”، ويسلمها لقمة سائغة الى الغرب المستكبر الكافر، وإلى طواغيته وشياطينه “الصغيرة”. ويحسب “الإسلاميون”، وحلفاؤهم والماشون في ركابهم، ان الأصول والمبادئ ومواثيق الحقوق، والهيئات والعلاقات الدولية من غير استثناء، موبوءة ونتنة وكاذبة. وهي ليست إلا قناعاً متخرقاً، وقيوداً على ايدي “المسلمين” و”المؤمنين” وحدهم. وعبارة “الكيل بمكيالين”، في صيغ استعمالها الإيرانية والسورية والسودانية و”الجهادية” و”الإخوانية” (والروسية والبيروفية والكوبية والصينية، من ورائها) هي ميزان هذا الرأي، ومرآته المتنقلة.
والقول إن “المقاومة” (بنت “الثورة”) حادثة أو حركة برية، وأنها اصل الحق وموجبته، يحلها من قيود وضوابط كثيرة، معنوية وأخلاقية وعملية. وكان هذا الحل (من القيود والضوابط) مدخل أمير الجيش “الإسلامي” السري، وجماعته الأهلية، الى إعلان حربه “اللبنانية” في 12 تموز 2006. وكان مخرجه الى معاندة المداولة المحلية الوطنية والعربية والدولية، وإلى الطعن فيها، قبل محاولة الانقلاب عليها، وطَرْق باب المنازعة والاقتتال الأهليين، ومحاصرة الهيئات السياسية الوطنية والحياة العامة بازدواجية أو اثنينية، معطلة ومدمرة. فـ”الثورة” و”المقاومة” البريتان هما ابتداء مشروعية (أمر وطاعة، سلطان وولاء) جديدة تبطل المشروعية السابقة، القائمة، وأحكامها في السلطات والهيئات والمعاملات والحقوق والحرب، وفي الصداقة والعداوة والسيادة. والأحكام هذه كلها تجمعها الشرعة الدستورية (“الشرطة” على قول الدستوريين الإيرانيين في 1897 ـ 1907، و”المشروطة” على قول رفاعة رافع الطهطاوي في روايته حوادث 1830 “المجيدة” بباريس). وعندما يتولى اصحاب “المقاومة” وأهلها، وهم دعاة إبطال الشرعة الدستورية القائمة ومنتهكوها فعلاً وحكماً، عندما يتولون الاحتجاج الدستوري، وتأويل الشرعة الدستورية، ينقلب الاحتجاج والتأويل الى “عيد مساخر” الأقنعة كلها، وإلى كارنفال يقلب المعاني رأساً على عقب.
وعمل القلب هذا، أو التعكيس على قول البلاغيين، مفتاحه بسيط وهو حمل الشرعة الدستورية على “ناظم” تعطيل الإدارة السياسية، والمرجع في إبطال علاقات السلطات والهيئات بعضها ببعض، وكلها بالمواطنين، وإحالة العلاقات هذه. ووصف الحال بـ”العصفورية الدستورية”، أي بالجنون، على زعم بعضهم، يشيح عن المنطق المتماسك الذي يسوق، منذ الاستيلاء السوري والإيراني على لبنان عموماً ومنذ اغتيال رفيق الحريري خصوصاً، السياسات الإقليمية وجماعاتها المحلية في لبنان، ويسدد خطاها. فغارة الجيش الشيعي السري على تخوم الدولة العبرية، في 12 تموز العتيد، سلط الجيش هذا، وقيادته وقيادة قيادته (ومرشدها وفقيهها وممولها ومدربها ومسلحها، وخفيرها القريب وحارسها الأمني ومعطل الدولة اللبنانية من داخل بغية الحؤول دون ضبط اللبنانيين الحزب المسلح والبري)، قاضياً في شؤون اللبنانيين العامة، وحاكماً في أحلافهم ودمائهم و”مالهم” أو ممتلكاتهم.
فمن غارة 12 تموز (والحق منذ 14 شباط 2005)، الى آخر شائعات الاستيلاء المزمع على مكاتب الوزارات في ذكرى الغارة السنوية الأولى، حبل متصل الحلقات من التعكيس السياسي والدستوري. وما حاولته الغارة وسعت فيه هو الخروج من حوار 8 آذار (اليوم والتظاهرة والدلالة، وليس التكتل السياسي وحده) و14 آذار (المعنى نفسه) السياسي المتكافئ، سياسة وليس رجحاناً. فمثل هذا الحوار، لو استمر بعض الوقت من دون الاغتيالات وأعمال الترهيب الأخرى، لآذن بتقدم الحوار والتحكيم وميزانيهما على المجابهة الرأسية، وبإدخال القوى المتفرقة والمختلفة في إطار أو حمى لبناني قائم برأسه ومستقل، من وجه. وآذن، من وجه آخر، بتقدم القوى السياسية التي تتولى الحمى اللبناني ولا يقوم إلا بها، على القوى المولودة في كنف الاستيلاء والتسلط الإقليميين، ورجحانها على خصمها. فمن انتخابات ربيع 2005 الى تأليف حكومة فؤاد السنيورة فدورة “الحوار” في الأشهر الأولى من 2006، اضطر ميزانُ علاقة التكتلين الحواري والمدني ـ من غير إغفال تخلله الإرهابي، وطعن ميشال عون وتياره في “حقيقته” (وابتداء وصفه بـ”الوهمي”) ـ اضطر “8 آذار” الى التسليم اللفظي برجحان لغة “14 آذار”، والإقرار بعوامل قيام الحمى اللبناني وسيادته واستقلاله. ولحمة العوامل هذه وسداها( وهي تحديد الحدود السورية ـ اللبنانية، والتبادل الديبلوماسي بين بيروت ودمشق، وقبلهما إنشاء محكمة ذات طابع دولي تنظر في اغتيال الحريري ورفاقه وفي الاغتيالات اللاحقة…) الخروج من التحكم والتسلط السوريين، وضبط السياسة السورية، ومن ورائها الإيرانية، على أصول ومبادئ حقوقية دولية.
ويؤدي الأمران هذان، الخروج من التسلط والضبط على الأصول، الى تغليب البعد والوجه الداخليين والوطنيين للسياسة وعلاقاتها ومنازعاتها وانقساماتها. فتحتكم القوى السياسية والجماعات والأحزاب الى معايير سياسية مدنية ووطنية مثل علاقة الدولة بالجماعات والأفراد، وتلبية الهيئات حاجات هؤلاء وتلك، وحماية الحريات والحقوق وتوسيعها، ومحل الجماعة الوطنية ودولتها (الأمة السياسية) من الإطار الإقليمي والأطر الأوسع. وهذه المعايير، على مقادير متفاوتة وضعيفة في معظم الأوقات، كانت ركن “الاستثناء” اللبناني، او الفرادة اللبنانية. فالتعدد والتعاقد والحرية (في صيغة المفرد أو الفرد) وتداول السلطة أو الحكم من طريق الانتخابات العامة، احتسبها لبنانيون كثر تعريفاً مشتركاً لهم ولاجتماعهم، وسلموا بها، على مضض أحياناً كثيرة، هوية تجمعهم وتفرقهم معاً. والتعريف السياسي والوطني بهذا ـ أي بالتعدد والتعاقد والحريات وتداول الحكم والإقرار بمشروعية المنازعة، وليس بهوية جوهرية “قومية” (نسبية ودموية أو تاريخية بطولية، و”دينية” تالياً، تمحو لحمتها الزمن والفروق الداخلية) ـ
هذا التعريف، المشكل والمضطرب على الدوام، هو ما يسميه “العرب”، المقيمون على “عروبة الدولة” وعصبيتها المتغلبة، انعزالاً. وهو ما يداوونه بالتعريب، أي بـ”السورية”، على قول “إمام” راحل.
الردة
وغارة 12 تموز (2006)، وقبلها اغتيال رفيق الحريري (و”اختيار” اميل لحود رئيساً قبل 6 سنوات، ثم تمديد ولايته، والحملة على قرار مجلس الأمن 1559) وحملة الاغتيالات المتصلة، وبعدها الانسحاب الشيعي من الحكومة الائتلافية، والإخناء (الخَنوة) على قلب بيروت وترهيب 23 كانون الثاني (يناير) 2007 ثم 25 منه، وتعطيل المجلس النيابي والحملة اللحودية على هيئات الحكم واستحكام البذاءة في الجدال ـ الغارة هذه كانت ردة أو ارتداداً عن انتهاج الطريق السياسية اللبنانية، وعن الإقرار الضمني بأن سبيل 8 آذار زاروب وحفرة. فالعمل العسكري المفاجئ والمقامر كان استدراجاً محسوباً، على خلاف تقدير عربي ظرفي، استأنف معالجة الأزمة (مات) اللبنانية والإقليمية (اللبنانية ـ الإقليمية) على نطاق إقليمي ودولي. وهذا النطاق وحده يتيح فك القوى السياسية المحلية في لبنان، والعراق وفلسطين وسورية والأردن والخليج وإيران، من مناطاتها الوطنية والسياسية ومبانيها، ويسوغ تجنيدها في حروب عصبيات الدولة الحاكمة والمستولية، المسماة “قومية”، أو وطنية إذا تواضع اصحاب العصبيات وأهلها.
وحروب عصبيات الدولة الحاكمة والمستولية تتولى إلغاء السياسة وخنق العلاقات السياسية الحية والقابلة للمنازعة المقيدة والمحدودة، في المجتمعات والبلدان العربية التي تتخذ هذه الحروب ميزاناً لسياساتها. فـ”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، الشعار الناصري، المعروف، هو وريث شعار فاشي وحربي سبقه، قضى بأن “ألمانيا (او غيرها) فوق الجميع”، وأفضى الى الكوارث التي أفضى إليها. وتحت لواء “أفكار” أو أهواء جامحة من هذا الضرب، دعي اللبنانيون، أي دعاهم حلف مراوغ من جماعات فلسطينية ولبنانية وسورية، وعربية قومية عموماً، الى ترك منازعاتهم على التمثيل السياسي، والحصص الاجتماعية والاقتصادية، وعلى القوانين التي ترعى (أو لا ترعى كما ينبغي) الحقوق الفردية والحريات العامة والخاصة، وإلى الاقتتال على الهوية “الكبيرة”. ونسبت المنازعات المتواضعة الى “الطائفية” و”الانعزالية”، وذمت ذماً مقذعاً، واستصغرت. وحمل الاقتتال على الهوية، والتخيير الذي لا توسط فيه بين اللبنانية وبين العروبة، على القضية التي تستحق الموت في سبيلها. ونهضت المنازعات السياسية السابقة (1920 ـ 1975)، بحسب دعاة العروبة الفلسطينية، وهي أضمرت عروبة مصرية سابقة وسورية لاحقة، عَلَماً على سخف السياسة اللبنانية، و”نقص” الوطن اللبناني (بحسب روائي مزعوم وداعية حقيقي)، وقرينة على اقتصار لبنان على “فائض حرية” و”نقص ديموقراطية”، على ما يذهب إليه منذ ثلث قرن “دولة” كئيب وعقيم.
ونقلُ السياسة ومنازعاتها من مدار مدني ووطني، يتناول بنية الدولة وعلاقات الجماعات والهيئات والحريات والحقوق، الى مدار “قومي” قوامه الصراع بين “الأمة” الناجزة والغائبة وبين “عدوها” الغاصب، وعلى رأس “الأمة” “قيادتها” الثابتة، نقلُ السياسة على هذا النحو ينتزعها من ثنايا الأبنية الاجتماعية، ومن اختبار العلاقات وانتاجيتها، ويسلمها الى قيادة “الصراع” الأبدي و”قوانينه” التي لا علم بها إلا لقيادة ملهمة. وتلهم هذه بدورها أجهزتها وعصاباتها وقتلتها ولصوصها “سياسة” غايتها الأولى، والوحيدة، هي الحؤول دون تماسك مطالبة مستقلة بوجه السلطة، ودون تماسك مشروعيات جزئية أو عامة مصدرها أهل المطالبة المستقلة وليس عطايا أهل السلطة.
وكان الزعيم المصري جمال عبدالناصر يجهر دهشته غداة أزمة السويس، في أواخر 1956، حين يقارن بين انتصاره أو انتصار حكم “ضباطه الأحرار”، في السويس وبين اخفاق الحكم نفسه في “إدارة مستشفى القصر العيني”، على قوله. وما كان يدهش جمال عبدالناصر، وهو يقارن مضمارين وحقلين مختلفين، لم يدهش أقطاب الأحزاب القومية المستولية بعده. فالأقطاب هؤلاء غفلوا غفلة تامة عن جواز المقارنة. وهو نفسه لم يلبث أن نسيها وأهملها. ولعل انقلاب الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، على “مجتمع” محمد خاتمي “المدني” و”ديموقراطيته الدينية” المفترضة، وسعي جبهة المشاركة (الشوروية) في الإصلاح الاقتصادي المتعثر، ونصب أحمدي نجاد التكنولوجيا النووية، علماً على برنامجه وسياسة إيران الداخلية والخارجية معاً، لعل الانقلاب هذا خير تمثيل على وظيفة نقل السياسة من مدار مدني ووطني الى مدار “قومي” وصراعي.
ويتغذى النقل هذا من تراث اجتماعي تاريخي، استتباعي وسلطاني، ثقيل وملح. وكان اللبنانيون مسرحاً أثيراً لتجليات هذا التراث ومفاعيله، ولا يزالون. فهم تركو مدارهم المدني الوطني تحت وطأة “انبعاث” الحركة الوطنية الفلسطينية المسلحة في منتصف العقد السابع من القرن الماضي، وترحيلها من الأردن الى لبنان بواسطة “الضابطة الفدائية” التي أنشأها حافظ الأسد في 1971، وأوكل اليها “تخزين” المنظمات الفلسطينية المسلحة (على قول صلاح خلف، “أبو اياد”) في لبنان. فكان مجتمع اللبنانيين، وأراضيهم، مخزناً للحركة المسلحة هذه. وأعملت الجبهة الفلسطينية السورية ـ وهي كانت مثلثة، أي مصرية كذلك، الى حين استقلال أنور السادات بجمهورية عبدالناصر، على ما سماها بعضهم ـ في اللبنانيين، وجماعاتهم ومنازعاتهم وشراكاتهم، التمزيق والاستعداء والاقتتال. وكانت وسيلتهم الأثيرة والراجحة الى التمزيق والاستعداء “الرابطة القومية” المفترضة، والقائمة فعلاً على هذا المقدار او ذاك.
ولم يكن عسيراً جداً على حلف “قومي” مناهض للغرب الأوروبي والأميركي، والدولة العبرية من فروعه، إعمال الواقعة البرية الفلسطينية ـ وهي القومية في بيئات وطنية، والمسلحة في بيئات مدنية، والثورية في بيئات قانونية، والمترحلة في بيئات مستوطنة… ـ في اجتماع سياسي ضعيف السلطة المركزية، ويتقدم المناط الاجتماعي المستحدث مناط الهوية الأهلية والدموية الجوهرية في تعريفه السياسي الجامع. وعول المدار “القومي” على الروابط الأهلية، والاحباطات الاجتماعية، والفروق المذهبية، وعلى النزعات المناهضة “للامبريالية”، والذاكرة البطولية.
ولكن استنزاف الرابطة المدنية والوطنية، على رغم ضعفها، اقتضى عقداً ونصف العقد من السنين، ولم ينجز “مهمته”. فاستأنفت الرابطة هذه، من طرق متعرجة وكثيرة بعضها خفي، دورتها، وإيتاءها ثمرها. وتلبننُ السياسة الحريرية، منذ انعطافة 1996 ـ 1997، قرينة على استئناف الرابطة المدنية والوطنية اللبنانية دورتها وفعلها. ولكن رعاية تأهيل “حزب الله”، على وجه التخصيص والتقديم، طوال ربع قرن تقريباً، وتقويته، وعزل جماعته المذهبية في مجتمع (حرب) نقيض لا ولاية لأحد عليه من غير قيادته وحبل سرته التي تصله بـ”السيدين”، السوري والايراني ـ الرعاية والعزل والتقوية تلك وضعت في يد “السيدين” و”خادمهما” الخيط القمين بفرط النسيج اللبناني المتخرق والمهلهل، على حسبان القيادات العتيدة.
وهو حسبان غير مكذب التكذيب الذي تمناه لبنانيون كثر. فيوم شن الجيش السري غارته، وقتل وأسر وقصف وطمر رجاله في السراديب، لم يعدم تضامن جماعته، وشدها أزره على مضض لم يلبث (المضض) ان تلاشى تحت وطأة الضربات الاسرائيلية المروعة والعمياء. وهذا ربما كان متوقعاً، وهو ربما من مترتبات سياسة مديدة بنت المعزل الشيعي من حجارة الحروب الطويلة، وردمها وأنقاضها الاجتماعية والانسانية، حجراً حجراً. ولكن اللبنانيين الآخرين، متظاهري تظاهرة 14 آذار 2005، لم يحوروا جواباً. ولم يخيب المدار “القومي” والبطولي “الإلهي”، توقع القيادة “الإسلامية” الجهادية، ولا خيب (حسن) ظنها وتعويلها. فدعت الروابط الأهلية، والنزعات المناهضة للغرب، ونقل السياسة من المدار المدني الوطني الى “الأمة/ الامبريالية”، دعت هذه كلها اللبنانيين، والعرب من ورائهم، الى التلعثم والتعثر والسكوت، أو الى الصراخ والغضب و”الشارع”.
فلم يحجم من كان في وسعهم الدعوة الى الاضراب العام والمفتوح تنديداً بالمقامرة المحسوبة، وانتصاراً لأهل الضعف والضحايا اللبنانيين المباحين لنيران العدو، عن الدعوة هذه، وحسب، بل تباروا في التخمين فيمن “يُهدى النصر” اليهم. وهذا ذروة التخلي والعجز و”الفرجة”. ولم تدع هيئات لبنانية، وعربية، الى الاضراب العام، وهي لن تدعو في ذكرى المقامرة السنوية الأولى، الوشيكة، لأن في مستطاع “المقاومة” (أو “معركة الأمة”، وهي جهادها وحربها على “الصليبيين واليهود”) ان تبدد في طرفة عين نثر السياسة المدنية الوطنية، والنفخ في شعر السلطان والفتح والكرامة والقوة “النووي”. فقوة هذا الشعر غالبة. والبراهين الفلسطينية والعراقية واليمنية والخليجية، واللبنانية، على هذه القوة، كثيرة. وسياسة كتلة “8 آذار” ـ القومية والخمينية والكرامية والفرنجية والعونية والقنديلية والبعرينية ـ في لبنان منذ خريف 2004 قرينة على قوة شعر الاستيلاء السلطاني. ولكن اقتضاء كسر شوكة اللبنانيين المدنية والوطنية 15 عاماً متصلة، وترجح كتلة “الثلاثة” نحو ثلاثة أعوام، على رغم الرياح المؤاتية، قرينتان قويتان على حيوية نثرنا.
المستقبل
غارة 12 تموز 2006.. عودة من نثر السياسة المدني الوطني الى محور قومي وبطولي ملحمي
Je me demande où vit cet auteur qui se prend pour un annaliste des temps modernes, ce qui au demeurant le rend plutôt sympathique.
Je suis en revanche perplexe de l’omission par l’auteur du fait guerrier imposé depuis plus de 50 ans par Israel et depuis 4 ans par l’administration américaine qui a mis à feu et à sang l’Iraq et la région.