كما لو انه لم يحدث شيء. او مثلما ان فتح الاسلام لم تفعل شيئا . مثلما انها لم تضع متفجرات ولم تمارس السطو على المصارف ولم تقتل جنودا لبنانيين ولم تتخذ من فلسطينيي نهر البارد المدنيين درعا ورهينة.
كما لو انه لم يحدث شيء . كما لو ان فتح الاسلام عندما اتخذت احياء طرابلس ومساكن المخيم ساحات جهاد كانت بذلك تقوم بعمل عادي وشرعي . كما لو انها عندما قتلت وسطت وفجرت لم تفعل ما يستحق ردا استثنائيا .كما لو ان مشروع دولة قانون لبنانية تقيم سلما اهليا دائما وتبعد التدخل الخارجي العنفي هو مشروع سخيف لا يجدر حمله في عالم مرجعه ومصدر شرعيته المعلن هو الامة – عربية واسلامية واسلاموية – وفي جنان المقاومة التي تقترب كل يوم اكثر الى عالم الجهاديين في تخصيص لبنان ارضا لتحقيق الانتصار على الامبريالية والصهيونية وبناء الشرق الاوسط الاسلامي الكبير . سخيف مشروع الدولة وسخفاء اولئك الذين يعتقدون انه لا زال ضروريا وممكنا لانقاذ لبنان واللبنانيين وسائر المقيمين فيه . اذ الاوطان في الاسلام الاصولي – سنيا وشيعيا – لا تتفق مع الحدود ومع الدول المعاصرة . وهذا ما كانته ايضا اممية اليسارويين في المعسكر الذي كان يوصف بالعظيم بكل وجوهه وكتله .
كما لو انه لم يكن بين اللبنانيين مدنيون. وكما لو ان لبنان لم يخسر منذ عام 1969 اكثر من مئة الف من ابنائه المدنيين . كما لو لم يكن هؤلاء مدنيون . فلليسارويين والعروبويين كان هؤلاء اعضاء قطعان طائفية فلم يستحقوا صفة المدنيين . اما بالنسبة للاصوليين الاسلامويين في تنوعهم فهؤلاء اللبنانيين لا يستحقون صفة الاخوة اذ بعضهم من الاغيار الذين كان يمكن تعدادهم في فريق دار الحرب وبعضهم الاخر مارق ومرتد . ووحدهم من حملوا سلاح الاصوليين ورددوا خطابهم او اندرجوا فيه وماتوا او قتلوا ليعيشوا في دار البقاء هم الابرار الذين لا نعرف لهم مع ذلك علاقة قرابة بمفاهيم المواطنية والمدنيين وحقوقهم وحرياتهم .
كما لو ان على اللبنانيون ان يخجلوا من مشروع الدولة . اذ حتى لو سلم الاصوليون الدينيون جدلا بدولة من الدول – كحال حماس التي تقبل انتقاليا بدولة فلسطينية تكون خطوة معلنة وهدنة على طريق ازالة اسرائيل دون ان يكون الهدف النهائي ارساء دولة على كامل فلسطين التاريخية – فهم لن يسلموا بدولة مثل لبنان . واتفق القومويون العرب على ذلك منذ عقود . وتغيرت مذ ذاك الحين امور كثيرة دون ان يتغير هذا الامر .
فهم مذنبون بالتباس عروبيتهم – او قوميتهم السورية الهلال خصيبية مثلا وايضا واحيانا – او انهم مذنبون بالتباس طوائفهم ومذاهبهم . وبالنسبة لليسارويين فالكيان ظل قيمة نسبية ضئيلة بالمقارنة مع الثورة العالمية
اكان قائدها في موسكو للبعض وفي بكين لاخرين او في هافانا لبعضهم القليل . كما لو ان هناك ابن تيمية معاصر . ابن تيمية يساروي وعروبوي واسلاموي – حنبلي او غير حنبلي – ينتظر كل لبناني على مفترق الوجود والتاريخ ليفتي قبل زمن ماو تسي تونغ وفي غير لغته بتقويمه او جعل بلاده قاعا صفصفا .
كما لو انه يجب على اللبنانيين ان يخجلوا في كل مرة تحاول فيه دولتهم بسط القانون . اذ هو هذا القانون الذي يجب ان لا يكون .مثلما انه يتوجب على اللبنانيين في كل مرة ايجاد ذريعة مناسبة لترك
مصالحهم البعيدة والقريبة وللتضحية بها . ذريعة من نوع انه ليس بوسع دولتهم الضعيفة ان تنجح بوجه الجماعات والاقوام الخارجة عنها وعليها. او ذريعة من نوع ان بسط القانون هو قلة تفهم للاخرين ولمصالحهم حتى لو كانت هذه الاخيرة تعني بالضبط نهاية الدولة اللبنانية ونهاية اللبنانيين كتسمية يمكن حملها في عوالم الدول والجنسيات والمواطنة الى ان يقضي الله بجعل المنطقة و/او العالم دولة واحدة .
كما لو كان على اللبنانيين ان يخجلوا من استخدام قواهم المتفق على انها شرعية وضمن نطاق القوانين الوضعية اللبنانية والانسانية اذ ان العروبويين واليسارويين والاسلاميين لا يريدون لها اكثر من ان تكون واجهة عقيمة لدولة سقيمة يكاد يعم الشعور بقرب انتهاء احتضارها الطويل وسط تهليلهم وفرحهم بموتها حتى قبل ان يعرفوا المجهول الاتي من طي الغيم . للبنانيين ان يخجلوا . اذ حتى عندما يطرحون محكمة لقاتلي مفكريهم وقادتهم يكونون يقومون بمؤامرة لضرب العرب والمسلمين .او يكونون عندما يطلبون ذلك يقصدون ما لا يستطيعون تحمل تبعاته واثاره كتهديد النظام السوري بالدمار والخراب مثلا . ويتوجب عليهم في الحالين ان يخجلوا .
كما لو انه جاء اليوم وقت الخجل الكبير . اذ رغم ان فتح الاسلام ذبحت وقتلت وسطت يدعو البعض الى اجراء تسوية سياسية معها او يقول كقول الامين العام لحزب الله ان المعتدين على الجيش يجب ان يلقوا محاكمة عادلة دون ان يقول لنا كيف يكون ذلك اذا لم يقبلوا او يرغموا على تسليم انفسهم واذا كان يعتبر المخيم خطا احمر . وذلك رغم ان المنظمات الفلسطينية التمثيلية في كثرتها الساحقة تقول ان تنظيم فتح الاسلام ليس منها وان لاعلاقة له بالشعب الفلسطيني ولا قضيته . واذا امتنعت هذه لاسباب تخصها عن التعامل مع فتح الاسلام بما ينبغي لانهاء ظاهرتها فلا يجب حسب منطق اليسارويين والعروبويين والاسلامويين ان يتصدى احد للتنظيم العجائبي حتى لو كان المعني هو القوى المعتبرة شرعية . فحتى القوى الشرعية هذه قوى مشبوهة لدى هذا الجمع – الذي يكاد يتجانس بالفعل ولو لم يتجانس في القول – بالعنصرية والرغبة في سفك الدماء حتى لو كانت – وربما لانها كذلك – تضم لبنانيين من جميع المشارب . وهي مشبوهة بالقتل رغم ان القاتل الاكبر والتفجيري الاخطر والرافض الاصلي لديموقراطية واستقلال وانسانية وحرية لبنان واللبنانيين وسائر المقيمين معروف جدا واسمه النظام السوري الذي سبق وقتل شعبه ويستمر بسجنه حتى اليوم ولا يردعه رادع عن ذلك رغم مطالبات واستنكار العالم كله . ومن المفيد ان يتذكر بعض من ينسوا ان هذا النظام بالذات سفك دماء الفلسطينيين وقادتهم بعدما اخرجتهم اسرائيل من بيروت . ومن المفيد ان يتذكر البعض ايضا ان النظام السوري الذي كان الحاكم الفعلي طوال عقدين من الزمن لم يقبل يوما بتحسين وضع المخيمات وساكنيها بذريعة مقاومة التوطين وانه كان طوال هذه الفترة يشق المخيمات ويشقي اهلها ومناضليها لاحكام سيطرته على الورقة الفلسطينية وانه لم يتورع عن استخدام الانفسامات الطائفية لمنع أي تقدم في حل المشكلات الاقتصادية-الاجتماعية لمدنيي المخيمات. وان ضغوط هذا النظام ضد الحكومة وتقاطعها مع ضغوط حزب الله والمعارضة اديا الى شل عمل الحكومة باتجاه وضع خطة لحل قضايا المخيمات والحقوق المدنية للفلسطينيين .
وبالطبع لا احد في الوسط الاستقلالي يريد قتل المدنيين الفلسطينيين . وعلى العكس من ذلك فليس هناك في لبنان- باستثناء من يرتبط بمصالح النظامين السوري والايراني او اسرائيل – من ليس له مصلحة في نصرة مطالبة الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة وقابلة للحياة . بل ان هذا المطلب يمكن ان يكون وطنيا لبنانيا بامتياز ولكن من المؤكد ان هناك من يريد قتل لبنان . لبنان الكيان والدولة والحياة . لبنان اللبنانيين الذين نعرفهم والذين نعتقد رغم كل شيء انهم يستطيعون اعادة بناء دولة ديموقراطية وحرة.