في مثل هذا اليوم من ٥٠ سنة (٦ اكتوبر عام ١٩٧٣) كنت مجندا في جبهة قناة السويس منذ عام ١٩٦٨ بعد تخرجي من كلية الهندسة جامعة القاهرة. وكنا في الجبهة في حالة استرخاء، ولم يكن هناك اي ادلة على حدوث معركة كبرى.
فوجئنا في الساعة ١:٤٥ بعد الظهر بالطائرات الحربية المصرية متجهة شرقا تجاه قناة السويس. وبعدها بربع ساعة جاءتنا تعليمات بـ”حالة الطوارئ” وحمل السلاح وارتداء الخوذة. ثم استمعنا الى بيان عبور القوات المصرية قناة السويس وكانت فرحتنا عارمة، وكانت هذه الفرحة مشوبة بالقلق من رد الفعل الاسرائيلي، وخاصة اننا فقدنا اربعة جنود من وحدتنا اثناء حرب الاستنزاف في ابريل عام ١٩٧٠.
…
وكانت تحمي قاعدتنا العسكرية بطاريات صواريخ “سام” الروسية، وتم تحريك تلك الصواريخ بعد ايام من بدء الهجوم المصري وذلك فيما اطلق عليه بعد ذلك تطوير الهجوم المصري شرقا في صحراء سيناء. وقد رأيت بعيني كيف اسقطت تلك الصواريخ بعض الطائرات الاسرائيلية التي حاولت الهجوم علينا.
وبمجرد تحريك تلك الصواريخ شرقاً، اصبحنا بدون دفاع سوى المدافع المضادة للطائرات المحيطة بنا والتي لم يكن لها اي تاثير، لانها تكنولوجيا قديمة من الحرب العالمية الثانية.
وبالفعل بمجرد تحريك تلك الصواريخ تم الهجوم علينا من طائرات “الفانتوم” الامريكية
وكانت ايام عصيبة علينا ولكننا استطعنا ابقاء ممرات الطائرات الحربية مفتوحة طوال المعركة رغم انها ضربت ثلاث مرات. وقد رايت بعض الصواريخ التي اطلقت علينا من الطائرات الاسرائيلية وكان مكتوبا عليها باللغة الانجليزية (“البحرية الاميركية”). واصبح واضحا ان امريكا تدخلت في الحرب لصالح اسرائيل، وقرات فيما بعد في مذكرات هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الشهير نقلا عن تعليمات الرئيس نيكسون في اجتماع لمجلس الامن القومي الامريكي انه قال: “امريكا لن تسمح بهزيمة اسرائيل”.
كما اطلقت علينا إسرائيل صواريخ محملة بالقنابل العنقودية (الممنوعة دوليا) وقد احتفظت بواحدة منها لم تنفجر (للذكرى بعد تامينها طبعا).
…
وكانت اياما عصيبة لم نر فيها النوم، ولم تخسر وحدتنا اي فرد، ولكن كانت هناك اصابة فرد واحد بقنبلة عنقودية. وكدت افقد حياتي ثلاث مرات اثناء الغارات، وكان كل املي ان اخرج من تلك الحرب سليما. وعندما حدثت الثغرة واخترقت القوات الاسرائيلية الدفاعات المصرية المحدودة غرب القناة وحاصرت الجيش الثالث جنوبا شعرنا بالقلق لاننا سمعنا بان القوات الاسرائيلية تحاول الاتجاه شمالا لحصارنا في الجيش الثاني.
وكنا في غاية السعادة عندما سمعنا خبر وقف اطلاق النار في يوم ٢٤ اكتوبر ١٩٧٣.
واستمر وجودي في الجيش حتى يوليو عام ١٩٧٤
…
وقد كرهت الحروب بعد تلك الحرب. ومعظم الحروب يروح ضحيتها الناس الغلابة وشباب الناس الغلابة كما انها اهدار للموارد البشرية والمالية للشعوب ولا يستفيد منها سوى مصانع السلاح حول العالم واثرياء الحروب.
…
كانت اياما حملت في طياتها الفرحة والفخر لاداء الجيش المصري، والقلق والحزن على الخسائر والضحايا.
…
وتكللت بالنجاح مجهودات الرئيس السادات بعد تلك الحرب بعد اعادة فتح قناة السويس وعودة صحراء سيناء الى مصر. وكان السادات بحق بطل الحرب والسلام.. رغم اخطائه الكثيرة والتي غفرها له اداؤه في الحرب والسلام.