رأيت قبل أيام تسجيلا مقتطعا لأحد رجال الدين الشيعة، وهو السيد هادي المدرسي، يقول فيه إن مأساة كربلاء “ليس كمثلها شيء”..
نعم، ما حصل في كربلاء يمثّل مأساة إنسانية: لكن، وبكل تأكيد، حصلت مآسي كثيرة عبر التاريخ وحتى اليوم، وكانت أسوأ بكثير من مأساة كربلاء وأشد إيلاما منها بما لا يمكن المقارنة معها.
ما حصل لليهود على أيدي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية أبرز مثال حديث. وما حدث للمسلمين البوسنة في حربهم مع الصرب في تسعينات القرن الماضي مثال آخر. وما عانته شعوب تعيش تحت ظلم واستبداد الحكم الديني وهيمنة رجال الدين هي أمثلة حديثة أخرى أشد إيلاما أيضا.
ويُعتبر ملف عمل مؤسسة رجال الدين، وبالذات السياسيين منهم أو الذين يتدخلون في السياسة من بوابة الدين، خلال سنين حياتنا الراهنة، شاهدا على ارتكاب مجموعة كبيرة منهم جرائم وفظائع واعتداءات وتعديات على حقوق الإنسان وعلى الحريات، وممارسة القتل والتعذيب والتشريد. وسكوت كثيرين آخرين من نفس المؤسسة تجاه هذا السلوك وهذه الجرائم، مع استثناء القليل منهم الذين آثروا الاحتجاج, ناهيك عن آخرين تورطوا في الفساد بمختلف أنواعه، إضافة إلى المساهمات الفاعلة لأفراد وأنصار هذه المؤسسة في نشر الخرافات والخزعبلات ومحاربة التفكير العقلاني الحر.
رغم كل ذلك، لا يزال البعض يصرّ على المكابرة وعلى تجهيل الوعي وعلى الابتعاد عن المنطق، وعلى أن يردّد عباراته المليئة بالتمييز حول حادثة كربلاء. فما هو مطروح من خطاب ديني في الساحة ومرتبط بالحادثة لا يعكس الدفاع عن الإنسان أيا كان، ولا مواجهة الظلم أينما ظهر، ولا يعزز الأخلاق، ولا يكرس العقلانية! وكأن ضحايا كربلاء هم فقط من يجب أن يوجّه إليهم الرثاء الإنساني، وأن من ظُلموا وعُذبوا وسجنوا وقُتلوا وشُردوا في عصرنا الراهن، وخاصة من عانوا من الحكم الديني وفي إطار حكومات هيمن عليها رجال الدين، ليسوا بشرا ولا يحق لهم العيش مثل غيرهم، أو هم مجرد بشر من الدرجة الثانية أو حتى الثالثة، ويجوز وبكل صلافة ومصلحة فقهية سحقهم.
إن الجمهور الذي يحضر مجالس السيد هادي المدرسي، بل والكثير من جماهير رجال الدين، وخاصة المسيّسين منهم، يحركون رؤوسهم بالموافقة المطلقة على ما يتم زعمه على المنبر حول كربلاء وتجاه مختلف التحيزات غير الإنسانية والمبالغات والتهويلات والتحليلات المؤدلجة والاستغلال السياسي والطائفي للحادثة إضافة إلى الخوارق غير المنطقية التي يتم الحديث عنها. بل يستمر صمتهم تجاه المناهج غير الموثقة وغير العلمية التي ينطلق منها هؤلاء في خطبهم. وهذا المشهد يؤكد بأننا أمام تلقين ديني مروّع، منزوع من أي حس إنساني ومن أي قاعدة علمية تاريخية ومن أي منهجية منطقية ومن أي إحساس بأننا نعيش في عصر لا يمكن ان تمر فيه هكذا خطابات مرورا طبيعيا. وهذا بطبيعة الحال رغم أنه ينبّه البعض إلى عظم مأساة الخطاب، أفقد الكثيرين ضمائرهم وأخفى المنطق من أذهانهم ومسح كل ذاكرة ممكن أن تذكّرهم بالجرائم والفظاعات والانتهاكات الراهنة، ونسوا المزاعم المتكررة من على المنابر من أن الحسين يقف إلى جانب كل مظلوم وأنه ضد كل ظالم. هكذا يزعمون.
ورغم هذا الزعم يتعمدون خلط الأوراق وترسيخ التمييز لكي ينجح مشروع التلقين، لا التلقين العادي وإنما ذاك المقدّس.
إن الثقافة الدينية بدلا من أن تتحوّل إلى معين للإنسان، وتساهم في تسكينه نفسيا واجتماعيا، وتهذيبه سلوكيا، أصبحت تكبّل الأخلاق وتسجن الإنسانية في سجنها الفكري المعرفي القديم المنفصل عن الثقافة الحقوقية الحديثة. وباتت تساهم في الإقرار بالفصل الثقافي العنصري بين إنسان وآخر، وبين مأساة وأخرى، وبين أخلاق عفا عليها الزمن وأخلاق تمثّل الواقع، وبين جرائم عاشها الجمهور الديني راهنا ولم يتأثر من فظاعتها، وأخرى فات عليها ١٤٠٠ عاما ولا يزال هذا الجمهور يبكي ويندب ويتأثر دون القدرة على ربطها بالواقع…
هل يمكن اعتبار ذلك سلوكا طبيعيا؟
هل هذه المخرجات الدينية تعكس واقعا دينيا سليما؟
هل يمكن التشكيك بعد كل ذلك في أن هذا النوع من التديّن الخوارقي المسيّس يمثل خطرا على الأخلاق وعلى الإنسان وعلى الحياة بشكل عام؟…
تعقيبا على مقال التلقين المقدس للاستاذ فاخر السلطان قضية الحسين ع هل هي مجرد مأساة؟ حضرة المفكر الكبير الاستاذ فاخر السلطان المحترم علي ان اقر ان مقالك (التلقين المقدس) قد هزني بشدة و اضطرني لان اعيد قراءته اكثر من مره ، و الحق يقال ان قلمك الرشيق له جاذبية مميزة اهنيك عليها . و نظرا لما احتواه هذا المقال من نقاط بعضها لم يتطرق اليه كثيرون (لنقل لم يتجرأ) قبل جنابك الكريم و بعضها معاد طرحه و لكن يحمل اهمية لا يمكن تجاوزها ، اذا استميحك الاذن بان اتناول فقط نقطتان او ثلاث من هذا المقال المميز. – تفضلت جنابك… قراءة المزيد ..
علي ان اقر ان مقالك (التلقين المقدس) قد هزني بشدة و اضطرني لان اعيد قراءته اكثر من مره ونظرا لما احتواه هذا المقال من نقاط بعضها لم يتطرق اليه كثيرون (لنقل لم يتجرأ) قبل جنابك الكريم وبعضها معاد طرحه ولكن يحمل اهمية لا يمكن تجاوزها، اذا استميحك الاذن بان اتناول فقط نقطتين او ثلاث من هذا المقال المميز. – تفضلت جنابك بان هناك مآسي كثيرة حدثت عبر التاريخ فاقت مأساة كربلاء كثيرا؟! و ضربت مثلا مأساة اليهود على يد هتلر و مأساة المسلمين على يد الصرب في حرب البوسنة ثم ختمت هذا المقطع بعبارة” وما عانته شعوب تعيش تحت… قراءة المزيد ..