عنوان المقال وفكرته مستوحيان من شريط فيديو قام الزميل الفاضل صلاح الساير بتسجيله وبثه بصوته قبل فترة قصيرة، وضمنه رداً غير مباشر على ما ادعاه أكاديميون وأساتذة تاريخ، من انتمائهم لهذه الأرض لمجرد أن أجدادهم سبق أن حاربوا – غالباً بعضهم بعضاً – على ترابها، وفوق ما أصبح تالياً حقول نفطها. وكيف اعتبر هؤلاء هذا الوجود المؤقت والعابر، غير الموثَّق أصلاً، دليلاً على أنهم من «بادية الكويت»، ويحق لهم بالتالي حمل جنسيتها!
***
تعود علاقتي بسكان المدن الساحلية البعيدة عن العاصمة، وبالبدو الذين كانوا يأتون لأسواقها، إما لبيع منتجاتهم من جلود وصوف أو سمن ومنتجات ألبان مجففة، وإما لشراء حاجاتهم من المدينة من أقمشة وأغذية وغيرها، لأكثر من سبعين عاماً. وكان بعض القادمين من الصحراء يختارون حفظ أموالهم في الصندوق الحديدي (التجوري) في محل صرافة جدي، خوفاً عليها من الضياع أو السرقة، خاصة أثناء مبيتهم ليلاً في العراء، وفي ساحة «الصفاة» غالباً. هذا بخلاف اختلاطنا المستمر مع سكان المدن الساحلية والأخرى البعيدة عن العاصمة، سواء لقضاء العطل في واحاتهم الخضراء، مقارنةً بساحات العاصمة الجرداء، والخالية من الشجر. أو لإكمال معاملات والدي وجدي التجارية مع سكان تلك المناطق، وبالذات في المواد الغذائية. وكان أهل تلك القرى الساحلية جنوباً والجهراء شمالاً صادقين وهينين في تعاملهم التجاري معنا، وفي الالتزام بسداد ما عليهم.
***
يقول الأستاذ الساير أن هناك سوء فهم يتعلق بموضوع «بادية الكويت»، وادعاء الكثير أنهم منها، وأن ذلك يعطيهم الحق – حسب قولهم – في حمل جنسية الدولة. وبيّن في تسجيله أن هذا القول أو الادعاء غير صحيح، لسبب جوهري، فليس للكويت أصلاً بادية بالمعنى المتعارف عليه، وبالتحديد في السنوات المئة الماضية. فالمقصود بالبادية عند العرب هو الفضاء الواسع من الأرض التي بها مرعى وماء وخالية من العمران. وهذا التعريف لا ينطبق على الأراضي الكويتية التي لا يزيد إجمالي مساحتها على 17 كم²، مقارنة ببادية العراق والسعودية والأردن، وسوريا مثلاً التي تبلغ مساحة باديتها 90 ألفا كم²، وبالتالي فإن ضيق مساحة الكويت لا ولم يسمح بوجود بادية فيها!
كما بيّن أن تسمية «البدو» تطلق على «الرُّحل» من ساكني الوبر، أو بيوت الشعر، بعكس أهل المدن من ساكني المدر، أو بيوت الطين. وإن الحديث عن بادية الكويت يتطلب الحديث عن الكويت الحديثة أو كويت «أحمد الجابر الصباح»، وليس كويت جده مبارك الصباح، الذي كانت هناك بادية في عهده، لكن بين عهد الجد وعهد الحفيد جرت أحداث جسام، منها الحربان العالميتان، وبداية ظهور النفط، وانهيار الدولة العثمانية، والأهم من ذلك تقلص مساحة الكويت، بعد معاهدة العقير الشهيرة عام 1922، من قرابة 45 ألف كم²، إلى 17 ألف كم²! وبالتالي أصبح ما تبقى من مساحة لا يسمح أصلاً بوجود بادية، فكيف يأتي اليوم من يدعي الانتماء للكويت، بحكم أنه من باديتها، ويطالب بجنسيتها، وهي البادية التي انتهى وجودها قبل أكثر من عشرة عقود، علما بأن مرور مجموعة ما على أرض ما، حتى لو تعارك فيها مع غيره، لا يعطيه حق الانتماء لها؟!
***
ملاحظة: كل ما ينسب من أقوال للأخ محمد الشايع، ولمجموعة الشايع، فيما يتعلق بعدم رضائهم عن الوضع التجاري في الكويت غير صحيح، ولم يصدر عنهم أي تصريح في هذا الخصوص، فالشايع أكثر من استثمر في الكويت، ومن حقهم البحث عن فرص تجارية في الخارج.
ولا يعني ذلك أن وضعنا سليم ولا يحتاج لتطوير جدي.
a.alsarraf@alqabas.com.kw