هذه رسالة من العقل والقلب معاً، أتمنى أن تجد طريقها إليكم.
أنا مواطن كويتي، وثقافتي ولغتي وتربيتي عربية. وكالكثير من أمثالي لي تخوفاتي التي لا تحصى من وضعنا في الشرق الأوسط، لكن أصبحت مؤخراً تقابلها جملة آمال وأحلام نتمنى أن تتحقق، ولو البعض منها، على يدكم ويد قادة المنطقة، قبل أن يغادر أغلبنا هذه الدنيا.
لقد تعبنا وتعبت معنا نفوسنا وأجسادنا واقتصاديات دولنا، وتعبت أسرنا ومجتمعاتنا من صراعات المنطقة، التي بدت يوماً أنها قد لا تنتهي!
ندعي منذ عقود طويلة أن أميركا عدوتنا، وأن إسرائيل غريمتنا، وأن الغرب يريد فناءنا، وامتصاص مواردنا، ومع هذا نعمل من خلال خلافاتنا على تحقيق كل آمالهم وأمانيهم، ونسعدهم ونطرب آذانهم بأخبار استمرار انهيار أوضاع مجتمعاتنا، وتخلفنا، تعليماً وصناعةً وصحةً وبيئةً، وحتى خلقاً!
أنت قائد الأمة الإيرانية، وتعرف شعبك حتماً أكثر مني، ولن أجرؤ على نصحك بما يجب عليك القيام به، ولكن هناك، كما تعلم، يا سيدي، الملايين من أفضل العقول التي هاجرت من إيران، وهناك ما يماثلهم عدداً ممن يتحرقون للهجرة، اليوم قبل الغد، بحثاً عن الكرامة والحرية التي يدعون أنهم يفتقدونها في وطنهم، وأنهم لا يريدون من «يسوقهم» قسراً للجنة، فهم يعرفون طريقها جيداً، وواجب الحكومات، كما تدركون جيداً، هو خلق شعوب حرة ومرفهة ومتعلمة، ومحبة لوطنها، وذات عزة نفس وكرامة.
على الرغم من تعلّقي، والملايين غيري بإيران، لأسباب يطول شرحها، فإنني لم أزرها، وهي دولة جارة لنا، غير مرة واحدة، على مدى أكثر من ستين عاماً. وأتوق ويتوق معي مواطنو ضفتي الخليج بعضهم لزيارة بعض، والتعاون في مختلف المجالات لما فيه خير مجتمعات المنطقة، ويبدو أن هناك بصيص أمل في إمكانية تحقيق هذا الأمر.. قريباً.
اسمح لي، سيدي، بأن أنقل لك صورة «الإيراني»، التي في مخيلة وفكر وفهم الأغلبية منا، نحن نعتقد بأن شعبكم شعب عظيم وصديق، وقريب للقلب ويمكن التعايش معه، وسيكون تعاوننا مصدر خير للجميع، متى ما صفت النفوس وزالت الأحقاد.
كما أنه شعب شجاع، وصاحب قدرات كبيرة وجلد معروف على العمل والإبداع وصاحب خبرات واسعة، وبينهم مبدعون في كل الفنون والثقافات، وشعراء ومفكرون كبار، ونسبة منهم أصبحت تعيش في الخارج، بعيداً عن وطن لا يمكن أن تنساه، وبيدك وحدك عودتهم لوطنهم ليساهموا في بنائه، وفي إنهاء صراعات المنطقة، وليضعوا لبنات التعاون مع شعوب المنطقة الأخرى، التواقة مثلهم للسلام والرخاء.
الأمر برمته بين يديك، وبإمكانك فعل المستحيل وإسعاد شعبك في هذا الشهر الكريم، وإسعاد شعوب المنطقة، من خلال التفرّغ تماماً لقضايا الأمة الإيرانية وحرية الفرد في إيران وكرامته.
أعلم أن من أمانيك إعادة بعث أمجاد «الحضارة الإسلامية»، التي كان لإرث مدرسة «جنديسابور» الفارسية دور فيها، ولا يمكن أن ننسى سنوات التلاقح والتعاون العربية الفارسية، العظيمة، على يد أمثال الفارابي والخوارزمي وابن سينا والرازي والطبري ومسلم والترمزي والغزالي وسيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي والحلاج والسهروردي وابن الرومي وشمس التبريزي والعطار وعمر الخيام وحافظ، والعشرات غيرهم.
وهذا البعث الحضاري لا يمكن أن يتحقق على «يد» واحدة بل هو بحاجة إلى «اليد» الثانية.
a.alsarraf@alqabas.com.kw