تخطط الجماعات التي تدعو إلى المزيد من الحريات السياسية في السعودية للقيام بـ “يوم غضب” في المملكة يوم الجمعة 11 آذار/مارس، مقلدة بذلك الاحتجاجات التي اجتاحت الكثير من الدول العربية الأخرى. وقد حُدد موعد هذه المظاهرات على الرغم من إعلان الرياض في الشهر الماضي عن تقديم حزمة من الإعانات إلى الشعب السعودي قدرها 36 مليار دولار، يُنظر إليها على أنها محاولة لشراء ذمم المنشقين وتجنب الاضطرابات التي مرت بها بلدان أخرى في المنطقة. ومع ذلك، لا تسمح الحكومة السعودية بقيام مظاهرات، كما قامت بتذكير الجماهير بحُرمتها. وبالتالي فإن قيام أية احتجاجات سيواجه احتمالية المجابهة مع الشرطة وقوات الأمن.
إدانة مسبقة
في 6 آذار/مارس، أصدر “مجلس هيئة كبار العلماء” — السلطة الدينية العليا في المملكة — بياناً دعا فيه إلى الوحدة، معلناً أن هذا المفهوم هو جوهرياً في الإسلام، وأن النبي محمد قد دعمه بقوة. وقد ذكرت “هيئة كبار العلماء” أيضاً أن السعودية محظوظة بقيادتها الحكيمة، وأن الحكومة شرعية، وينبغي على المملكة ألا تسمح أبداً للأفكار الأجنبية أن تشوه هويتها الإسلامية، أو تعيث فساداً. وقد شددت على هذه النقطة الأخيرة بتحذيرها من أي شيء قد يُسبب تحريضاً على الفتنة.
وفي اليوم التالي صادق “مجلس الشورى” — الهيئة الاستشارية غير المنتخبَة للحكومة — على موقف “هيئة كبار العلماء”، وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية تُحرم المظاهرات في المملكة. كما أكد على الجماهير أن لا يعيروا اهتماماً لــ “الدعوات المُضللة للقيام بمظاهرات واعتصامات ومسيرات”، وحذر من “الارتباطات الحزبية والفكرية المنحرفة”. وكلمة “المنحرفة” هي مصطلح سعودي يرمز إلى تنظيم «القاعدة»، بينما تشير كلمة “الحزبية” عادة إلى الشيعة السعوديين الذين يُشتبه بارتباطاتهم الخائنة بِبَني ملَّتهم في إيران. وبالإضافة إلى ذلك، فإن رئيس “مجلس الشورى”، الشيخ عبد الله بن محمد آل الشيخ قام بتذكير مواطني المملكة بالالتزام بالنهج السعودي “المتفرد المتمثل في سياسة الباب المفتوح” لتلبية المطالب ورفع المظالم من خلال “الكتابة المباشرة لولي الأمر أو أي مسؤول.”
وفي اليوم نفسه، أضاف مجلس الوزراء تصديقه على البيان، وذلك في اجتماع عقده المجلس برئاسة الملك عبد الله الذي هو أيضاً رئيس الوزراء. وفي بيان عقب الاجتماع، أشار المجلس إلى أهمية آراء “العلماء” إزاء “ما يجري من أحداث واضطرابات وفتن في أنحاء متفرقة من العالم.” كما “دعا أيضاً جميع [السعوديين] إلى بذل كل الأسباب التي تزيد من اللحمة وتوثق الألفة”، وحذر من “أي عمل يتعارض” مع هذه الجهود.
مطالب المعارضة
من المرجح أن تظهر سلسلتان متميزتان من الاحتجاجات يوم الجمعة. فمن المتوقع أن يتظاهر السنة في الرياض ومدن أخرى. وفي الوقت نفسه، يخطط الشيعة للقيام بمظاهرات يشكون فيها من وضعهم المُهمش في المجتمع السعودي — والشيعة هم أقلية قومية يبلغ عددها ما يقرب من مليوني نسمة، لكنها تتركز في المحافظة الشرقية للمملكة على ساحل الخليج العربي.
وينتظم المنشقون السنة في فئتين: أولئك الذين يريدون حريات أكبر، وأولئك الذين يعتبرون العائلة المالكة غير شرعية وغير راغبة في إدارة دولة دينية بالمعنى الحقيقي. وغالباً ما يُنظر إلى هؤلاء الأخيرين بأنهم متعاطفون مع تنظيم «القاعدة». ومع ذلك ففي الوقت الحاضر، إن السابقين هم الأكثر صخباً. ومن خلال استلهامهم للتغيير السياسي في مصر وتونس، هم يدْعون أسرة آل سعود أن تكون أكثر عرضة للمساءلة.
ويُقال إن كبار الأمراء السعوديين غير مبالين بشرعية النشطاء وعزمهم وقدرتهم على شن أي شكل من أشكال الاحتجاجات الجماهيرية. وفي الواقع، إن بعض المعارضين البارزين — الذين كان الكثير منهم قد كتب نداءات على الإنترنت وأعد صفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يدعو فيها إلى الإصلاح — يترددون في الدعوة إلى قيام احتجاجات في الشوارع. كما يمكن الحد أيضاً من أية احتجاجات سنية بسبب الدعاية الضعيفة، حيث أغلقت السلطات مواقع الإنترنت ذات الصلة، كما أن أية أخبار تتعلق بالمظاهرات المُزمَعة لا تُبث من على التلفزيون السعودي أو على الخدمات الفضائية لشبكة قناة “العربية” المملوكة للسعودية، ولخدمة قناة “الجزيرة” باللغة العربية التي مقرها في قطر.
ومن جانبهم، يطالب الشيعة السعوديون بالإفراج عن سجناء محتجزين دون محاكمة. وكان أحد رجال الدين الشيعة، الشيخ توفيق العامر، قد حصل على حريته في 6 آذار/مارس بعد اعتقاله في شباط/فبراير بسبب دعوته إلى قيام نظام ملكي دستوري، لكن ما يزال آخرون قابعين في السجون.
ويطالب الشيعة أيضاً بحقوق متساوية مع تلك التي يتمتع بها السعوديين الآخرين، ومن بينها تحسين فرص الحصول على وظائف. ورغم اعترافهم بالتحسينات التي تم إنجازها منذ اعتلاء الملك عبد الله للعرش عام 2005، مثل المزيد من الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، إلا أنهم ما يزالون يواجهون قيوداً على التوظيف الحكومي. فعلى سبيل المثال، ليس هناك أي وزراء شيعة في الحكومة، كما أن “هيئة كبار العلماء” تتكون بكاملها من علماء وهابيين يمارسون الشكل المتشدد من الإسلام السني الذي يهيمن على المملكة. ويُحظر أيضاً على الشيعة الالتحاق بالهيئات العسكرية والأمنية.
وقد وقعت بالفعل العديد من المظاهرات السعودية الشيعية في الأسابيع الأخيرة، رغم أن أشرطة فيديو “يوتيوب” تشير إلى أن الأحداث كانت أصغر مما ادعاه نشطاء الشيعة. وقد رفع المحتجون لافتات كُتب عليها “حركة الإصلاح تريد إصلاحات” و “نريد تحرير سجناءنا” من بين شعارات أخرى. ويتعلق هذا المطلب الأخير بتسعة سجناء شيعة تم احتجازهم، كما قال النشطاء بدون محاكمة لأكثر من أربعة عشر عاماً. وقد ألقي القبض على هؤلاء السجناء بعد تفجير المجمع العسكري الأمريكي في الخُبر عام 1996، حيث يُعتقد أن التفجيرات قد نُفذت من قبل شيعة من لبنان، وربما بتشجيع إيراني. ومع ذلك، يبدو أن بعض المتظاهرين الشيعة السعوديين حريصين على تجنب أية شبهة ارتباط مع إيران، وكما عبرت عن ذلك إحدى اللافتات: “نحن لا نخطط للإطاحة بالنظام.”
المحصلة المحتملة
نظراً إلى تحذير السلطات السعودية ضد قيام أية مظاهرات وضمانها الشرعية الدينية لهذه السياسة، سيُنظر إلى “جمعة الغضب” على أنها اختبار كبير لعزيمة جميع الأطراف — أي الحكومة والمعارضة السنية والمعارضة الشيعية. ويبدو أنه لا مفر من حدوث مواجهة عنيفة من نوع ما، خاصة في المناطق الشيعية التي جابهت فيها الاحتجاجات السابقة شرطة مكافحة الشغب. وقد وقعت أحدث الاحتجاجات الأوسع نطاقاً في هذه المناطق في عام 2009، عندما تصدى السكان المحليون لأفراد الشرطة ضد قيام هؤلاء بالتفتيش عن الداعية الشيعي المثير للشغب نمر النمر، الذي اقترح في خطبة له أن الشيعة يمكن أن يسعوا في يوم ما إلى الحصول على دولة منفصلة.
كما أن الأحداث في المناطق الشيعية ستتأثر أيضاً بالاحتجاجات في البحرين المجاورة، حيث تحاول الأغلبية الشيعية كسب تنازلات سياسية من العائلة الحاكمة السنية. وقد فتحت المواجهات العنيفة التي وقعت في الشهر الماضي بين المتظاهرين الشيعة والجيش البحريني الطريق لقيام هدنة هشة. ومع ذلك، فإنه في حال وقوع المزيد من العنف يمكن أن تنشر الرياض أيضاً وحدات من “الحرس الوطني السعودي” مدربة بشكل خاص لدعم العائلة المالكة البحرينية. وقد ارتكزت هذه الوحدات بالفعل في “المحافظة الشرقية السعودية” تمهيداً لاحتمال نشرها ضد أية إثارة متصوَّرة للمشاغبات من قبل الشيعة السعوديين. بيد، ربما تكون فائدة هذه الوحدات في السيطرة على الحشود السلمية محدودة. ففي عام 1987 وأثناء الحج السنوي لمكة، واجهت قوات “الحرس الوطني السعودي” حُجَّاجاً إيرانيين رفعوا شعارات لصالح النظام في طهران. وقد أسفرت تلك المواجهة عن مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة حوالي 500 آخرين.
قضايا النفط
تأثرت أسواق النفط العالمية بالفعل من وقف الصادرات الليبية، كما أن احتمال وقوع اضطرابات في السعودية — أكبر مُصدر للنفط في العالم — يجعل هذه الأسواق أكثر اضطراباً، ويتسبب في ضغط تصاعدي على الأسعار. وتقع مدينة القطيف الشيعية، وهي موقع المظاهرات السابقة، على بُعد أميال قليلة من مرفأ النفط الرئيسي في ميناء رأس تنورة. وفي 9 آذار/مارس، أجرى وزير النفط السعودي علي النعيمي “مقابلة خاصة”، طويلة على نحو غير عادي، مع “وكالة الأنباء السعودية” سعياً لطمأنة الأسواق العالمية بأنه لن يكون هناك أي نقص في النفط. وعادة يُهدئ النعيمي — شخصية مهنية محترمة في مجال النفط — من قلق السوق من خلال تقديم تعليقات قصيرة ومأثورة إلى المتخصصين في وكالات الأنباء الخارجية. غير أن إعطائه هذه المرة شرحاً أطول بكثير مما اعتاد عليه عن وجهة النظر الحالية للمملكة قد يؤدي فقط إلى زيادة هذا القلق.
السياسة الأمريكية
في الوقت الذي تتضاعف فيخ الأزمات في العالم العربي، أصبح الصدع بين وجهات نظر الولايات المتحدة والسعودية واضحاً. فقد دعمت الرياض الرئيس السابق حسني مبارك أثناء الثورة المصرية، ومنحت حق اللجوء لرئيس تونس السابق زين العابدين بن علي. وعلى الرغم أن إصرار الحكومة السعودية على عدم السماح بقيام أية احتجاجات يوم الجمعة سيكون اختباراً حاسماً لحكمة أساليبها ومناوراتها، إلا أن القرار نفسه يقف في تناقض مباشر مع السياسة الأمريكية، بغض النظر عن المحصلة. ففي 7 آذار/مارس، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولي، أن “الولايات المتحدة تدعم مجموعة من الحقوق العالمية، بما في ذلك الحق في التجمع السلمي وحرية التعبير. يجب احترام هذه الحقوق في كل مكان، بما في ذلك السعودية.” وبناء على ذلك، فإن أي شيء يحدث في المملكة في 11 آذار/مارس، سيمثل تحدياً للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر، ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، وهو مؤلف نشرة المجهر السياسي من عام 2009: بعد الملك عبد الله: الخلافة في السعودية.