إنتهى المؤتمر التاسع لـ»لحزب الديموقراطي الوطني» الحاكم بمكسب «ديموقراطي» تاريخي: فبدل ان يبايع المؤتمرون الرئيس حسني مبارك رئيسا للحزب، وقوفا وتصفيقا كما جرت العادة في العقود المنصرمة، انتخبوه بالاقتراع السري؛ وان كانت النتيجة 99 في المئة. حسناً! «إجتاز» الحزب الحاكم الاختبار…
الآن، في المقلب الآخر: المعارضة «الإخوانية» المرشحة للسلطة أيضاً، عليها الخضوع لهذا الفحص الديموقراطي. وثيقة «الإخوان المسلمين» الحزبية التجريبية ما زالت تولّد نقاشا عاما وداخلياً حول ديموقراطيتهم (والأمر قد يزيد تفاقما بعد الانشقاق «الالكتروني» لشباب من الإخوان، واطلاقهم موقعا موازيا لموقعهم الرسمي). ويبدو ايضا انه ما زال هناك ما يقولونه ويقوله غيرهم عنهم. وخلف هذه الدينامكية ربما كان هناك إلحاح من جانب بعض رموز الإخوان والعديد من الكتاب المهتمين بشأنهم بتمرير الفحص الديموقراطي بسلام. طبعا بعد «المرأة» و»الاقباط» اللذين حسم الإخوان مسألتيهما منذ ايام بإعلانهم: «عدم جواز تولي المرأة والاقباط لمنصب رئيس الجمهورية»، وذلك نهائيا، في برنامجهم الجديد المنتظر…
ثمة ارادة خلف هذا السعي لوصف النفس بالديموقراطية. إرادة إرادوية، إرادوية بهلوانية، تنطوي على الشيء ونقيضه. مثلا، في المقالة الواحدة يؤكد «الرمز الإخواني الديموقراطي»، عصام العريان، على «مدى توافق الاسلام العظيم في قواعده الاصلية وتطبيقاته النموذجية مع الاسس والمنطلقات التي انطلقت منها الديموقراطية الغربية». فيستنتج بالتالي «ان لا حرج علينا معشر المسلمين في الأخذ بهذه التطبيقات الغربية في ادارة الدولة الحديثة». هذا من جهة. لكنه من جهة اخرى يتابع عن تاريخ المسلمين مستطردا: بعد اغتيال عثمان وعمر وعلي والفتنة «توالى الخروج على الحكام الظالمين، بسبب الصراع على السلطة ظاهرا والافكار الدفينة في النفوس باطنا مما جعل وسيلة تداول السلطة في تاريخنا مرتبطة باستخدام القوة».
اما الأكثر جدية من بين المعلقين والمهتمين بسؤال امكانية اصلاح «الإخوان المسلمين» (لاحظ، الاصلاح صار تلقائيا «ديموقراطيا») فيجتهد ويذهب ابعد من غيره في التفكير ويقرّ بأن لا ديموقراطية عند «الإخوان» إن لم يتم «إصلاح احوال القوى السياسية الاخرى يسارية وليبرالية، والتي تعاني من جمود فكري وضعف تنظيمي. لذا يصبح سؤال «إصلاح الجماعة» غير منفصل عن سؤال اصلاح الواقع والنظام السياسي».
يحار المرء: الجماعة الأقل ترشحاً للديموقراطية، نظريا وعمليا، هي الاكثر تعرّضا للسؤال الديموقراطي، او الفحص الديموقراطي. وهذه مفارقة لا تفسرها الارادوية فحسب، بل ايضا الثقافة السياسية التي نحن بصددها الآن. لِمَ السؤال الديموقراطي مركّز على «الإخوان» المحظورين قانوناً، لا على «التجمع» او «الوفد» او «الناصري» الخ… بعد اليأس من ديموقراطية الحزب «الوطني الديموقراطي» الحاكم؟ ببساطة لأن «الإخوان» مرشحون دون غيرهم لتولي السلطة. وعليهم في هذه الحالة التواؤم مع متطلبات العصر اذا ارادوا التوفيق لمسعاهم نحو السلطة. ومطلب العصر المعلن هو الديموقراطية.
«الديموقراطية» كما «فلسطين» التي خبا النقاش حولها؛ بعد محاولة عصام العريان، ايضا،الاعتراف باسرائيل تواؤماً مع نفس هذا العصر… لكن النقاش حول اسرائيل خفتَ وبقيت الديموقراطية.
اذن لِما «الإخوان»؟ لِما الديموقراطية بالذات؟ لأن «الإخوان» يولون اهمية قصوى للوعد الانتخابي الذي حصلوا عليه في التشريعيات الاخيرة بصعود 88 نائبا من بينهم الى سدة البرلمان. وهم ينوون متابعة الطريق عبرها، والسعي الى قبول المجتمع الدولي لهم. والديموقراطية مفتاحها. فهم المستفيدون الوحيدون الآن من حسن سير الانتخابات، التعبير الوحيد عندهم عن الديموقراطية. كما لدى الاميركيين. فهؤلاء ايضا يقترعون، ليس الشعب وحده. وكما هو معروف، فهن اعلنوا عن «هدفهم» الديموقراطي.
فالنقاش دائما يرفع انظاره الى العلا، الى القمَم… دائما. الحزب الحاكم لا ديموقراطي؟ اذن فالحزب المرشح بديلا عنه، «الإخوان»؟ فليرتدوا العباءة الديموقراطية. وفي افضل الاحوال، كما في حالة المعلق المجتهد، ضرورة تلازم الديموقراطية عند الحزب المرشح للحكم، اي «الإخوان»، مع الديموقراطية عند بقية الاحزاب المعارضة.
انها الديموقراطية العُلوية. الديموقراطية التي يلبسها الناطق بها فحسب. لم يأت في بال الباحثين عن امكانية دمقرطة «الإخوان» انه على ضفاف الاحزاب المؤسساتية غير الديموقراطية، هناك اولا الجمعيات الحقوقية والمدنية: هل هي ديموقراطية؟ وبأية معايير تعمل؟ فضلا عن كيانات ناشئة وموازية، مثل حركة «كفاية» التي تعرضت مؤخرا لهيمنة اسلامية، وتضاءلت في وسطها العتبيرات الديموقراطية التي خرجت بها منذ ثلاثة اعوام الى الشارع…
ماذا عن الهيئات الفاصلة بين الدولة والمجتمع. اما عن المجتمع نفسه… ذالك المجهول المجهّل… فالسؤال عن ديموقراطيته يجيب عليه تعطّشه للفتاوي وللدعاة التلفزيونيين. مثلٌ فاقع، صغير، مأخوذة عن العيش اليومي: تقول تلميذة في صف الثالث ثانوي في احدى مدارس شبرا الخيمة انها ترفض اجرآءت الادارة الداعية الى منع المنقبات من دخول المدرسة قبل الكشف عن وجوههن …. وذلك حفاظا على «حقوقهن الدينية»، تؤكد زميلتها.
للمنكبّين في البحث الديموقراطي داخل الاحزاب المرشحة وغير المرشحة للسلطة: هل يمكن فصل ديموقراطيتها عن ديموقراطية مجتمعها، قبل ديموقراطية منافسيها على السلطة؟
تتطابق هذه الحالات مع المعنى الذي تعطيه الثقافة السياسية القائمة
للديموقراطية. احد المنظّرين لها، وهو في الحزب الحاكم، يسخر من ارادة المعارضة الاسلامية على تلبيس نفسها بالهئية الديموقراطية، فيقول: «كل من هبّ ودبّ له نصيب في الديموقراطية». والنصيب هو الحصة. والمعني بالحصة هو الديموقراطية. والديموقراطية في هكذا حالة مثل كنز ثمين. غنيمة صراع على السلطة. ولذلك عندما تبحث عن هكذا الديموقراطية، ينتابك الاحساس بانك انما تحفر نفقاً في قلب الصحراء شاسعة…
الحياة
dalal.elbizri@gmail.com