وقائع مواجهة باردة: ماذا يريد “داعش” من الأردن؟

0

خاص بـ”الشفاف”

“نحن نقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس”! تلك الجملة لم تكن تصريحا عابرا لأبي ابو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العام 2006 إبان الإحتلال الأميركي للعراق، فهي شكلت على ما يبدو فيما بعد طريقاً تخطّه “داعش” حقاً لكن على طريقتها الخاصة.

لكن “داعش”، الاسم المختصر لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام، التي وًلِدَت من رحم سواد كان متروكا إبان بدايات الثورة السورية، يبدو وكأنها وجدت ضالتها عن ما قصده الزرقاوي الصديق القديم لابو بكر البغدادي قائد التيار، عبر إغراق سوريين وعراقيين في أتون نظام فاق في دمويته هتلر بقتل على الرأي والتوجه والإثنية.

وليست غريبة “داعش” التي خرجت من عباءة “القاعدة” “بتوازي مع بعثيين عراقيين سابقين اجتمعوا على إعادة جغرافيا وإن على طريقتهم وبسياسة حرق البشر. تحوي في جسمها جنسيات من العالم أجمع.

ولتجد “داعش” ألقاً في اختطاف صحفيين أجانب والاستعراض بقتلهم وسط تفاعل دولي، على ما يبدو اغراهم بفعل المزيد وها هي الان، باتت تتلقف أعضاء في التحالف الدولي الذي أسس لضرب مواقع استراتجية لاضعافهم.

كان من المفترض أن تكون ضربة الطيار الأردني معاذ الكساسبة ضربة عادية منسجمة مع ضربات التحالف الدولي لكن سوء تقدير علو الطيارة” أم “ضربات صاروخية من داعش” أو “ما يشاع عن “صواريخ النظام السوري أسقطت طائرته “F-16 ” والتي ينظر لها كإحدى طائرات الجيل الجديد من المقاتلات رغم قدمها.

الأردن هدف داعش ولو بعد حين!

الأردن الآن على خط مجابهة مع داعش ولكن بطريق آخر وإن كان أقل صخبا من حيث اعتقال طياره الذي كان مشاركا في طلعة جوية مع التحالف الدولي. إلا أن خط المفاوضات غير المعلنة بينهم عبر وسائط “عشائر عراقية” أو أخرى، لا يعني غير أن الأردن هو إحدى دول بلاد الشام وذلك يعني إحدى معاركهم وإن بعد حين.

تنظر “داعش” إلى نظم الدول المجاورة لحدود انتشارها بــ”المرتدة”. ولأن الأردن إحدى تلك الدول، فالنظام الأردني يعتبر أحد أشهر النظم الوظيفية التي تقوم بحماية الحدود مع إسرائيل ويجب محاربته في المعركة النهائية في بلاد الشام ثم يتم الانطلاق لتحرير بيت المقدس، يقول لنا الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية مروان شحادة.

داعش والسلفية الجهادية: إشكالية العلاقة

ولا تتقاطع رؤى “السلفية” الأردنية مع داعش وإن كان بعض أعضائها وجدوا أنفسهم أعضاء لدى داعش، كما أن غياب العدد الرقمي للأردنيين في داعش يعكس مؤشرا حول عدم اللقاء عكس “النصرة” التي أعلن في العام الماضي عن احتلال الجنسية الأردنية رقم ثلاثة بعد الجنسية التونسية والسعودية من حيث عدد المقاتلين في صفوفها، ليصل عددهم المعلن حسب جريدة … قرابة 2100 مقاتل.

لكن الباحث شحادة يرى عكس ذلك ويتوقع أن معظم الأردنيين بل غالبيتهم/ وتصل النسبة إلى 80 % منهم، يؤيدون تنظيم الدولة الإسلامية، وهناك الكثيرين ممن حكم بالسجن في الأردن من تحولت ولاءاته من “النصرة” إلى الدولة” داخل السجون، فضلاً إلى هروب العديد منهم من القتال في صف “النصرة” إلى الدولة”.

في عمق السلفية

المدارس “السلفية” في الأردن ليست واحدة، فهي تنقسم إلى ثلاث مدارس رئيسية: التقليدية أو العلمية، والإصلاحية، والجهادية، الاولى والثانية تعتبر النظام السياسي شرعيا وتؤمن بالعمل السياسي ضمن القنوات الشرعية، أي أنها تؤمن بالديمقراطية والعمل الحزبي، ولكنها لا تتوافر على عناصر القوة في العمل الجماعي وإنما هي شبكات دعوية لها حدود واسعة في الانتشار والسماح بالعمل، يوضح لنا مروان شحادة.

شحادة يقرأ تيارات سلفية جهادية أخرى لا تؤمن بالديمقراطية وتكفّر النظام السياسي، وتعتبر الديمقراطية ومآلاتها وجها من وجوه الشرك بالله – الكفر -، يخالف الدين الإسلامي بحسب نظرتهم، لذلك فهم يحرّمون العمل تحت مظلة هذه النظم، بل يسعون لتغييرها عبر خيارٍ وحيد وهو الجهاد القتالي، باستخدام القوة والعنف، والعلاقة بين النظام السياسي وبينهم تنحصر في المقاربة الأمنية التي تتراوح بين الصلبة والناعمة بحسب تطورات المشهد في الأردن وفي الأقليم.

تنظيم “الدولة” يسعى لتطبيق الشريعة من منظوره في دول لا مناطق ليس في حدود انتشاره في العراق وسوريا فحسب وإنما في كافة أنحاء البلاد الإسلامية، لأنه يعتبر تقسيمات “سايكس” و “بيكو” غير شرعية ولا يعترف بها -يوضح شحادة- ويعتبر داعش أن الحدود هي صنيعة الاستعمار المعاصر ويجب القضاء على كل الحدود بين الدول العربية والإسلامية. وتقسيمه للعالم يأتي في سياق أن العالم مقسم إلى “دار إسلام”، و”دار حرب”، لذلك فقد أعلن الحرب على جميع الدول العربية بهدف توحيدها وأنها وكيلة للنظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية وتهدف للحفاظ على أمن إسرائيل والسيطرة على النفط في المنطقة.

ولا يوجد جذر سليم في علاقة التنظيمات السلفية الجهادية التي تنتمي لجماعات الإسلام السياسي الجذري مع النظم السياسية عموماً، فيما يصفها مروان شحادة بـ”علاقة عداوة وصدام تستند إلى معياري الإيمان والكفر”.

ينظر شحادة إلى أصل النظرة بوصف أن داعش تصف هذه النظم بـ”المرتدة” لعدم تطبيقها الشريعة من ناحية، ولعدم امتلاكها حريتها في القرار، فهي غير مستقلة بل تبعيتها وحفاظها على المصالح الغربية للمركز الذي يمثل المجتمع الدولي من ناحية ثانية.

حدود انتشار السلفية الجهادية في الاردن:

السلفية الجهادية في الأردن منتشرة “إجتماعيا” على شكل شبكة علاقات لا تنظيمية وفق تقديرات مروان شحادة. فالمؤيدون ليسوا محصورين في مدن محددة، هم في عدة محافظات ومناطق من المملكة. فيما ترتكز جهودهم في مجال الدعوة الفكرية وعبر شبكة ضمن العلاقات الشخصية والاتصال الشخصي، “هي لا تحظى على علاقات تنظيمية تحدد أمراء للمناطق ومرجعية قيادية واحدة، وإنما هناك أشخاص فاعلون ومؤثرون داخل تلك الشبكة يؤثرون على ضبط سلوك تلك المجموعات المنتشرة في الزرقاء، والرصيفة، وإربد، وعمان العاصمة، وبعض المحافظات الأخرى، كمعان، والمفرق، والكرك، والطفيلة ومادبا، ناهيك عن انتشارهم في بعض المخيمات الفلسطينية”، وفق شحادة.

حرب بالوكالة ضد داعش

الطرف الآخر الإسلامي الآخر المضاد لداعش يقف في خندق معادٍ لها، سياسياً وأيديولوجياً، لكنه يتحفّظ على الحرب الراهنة. خطابه يستند إلى جملة أساسية، تتمثل في أنّ ما يحدث في سورية والعراق “حرب بالوكالة” (Proxy War)، بين أطراف محلية وإقليمية ودولية، وأنّ المشهد أكثر تعقيداً ممّا يبدو في الواقع، فهنالك ميليشيات شيعية متطرفة، بقيادة قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، تقاتل ميليشيات سنية، ودول داعمة لهؤلاء وأخرى للطرف الثاني، ما يجعل من الحرب الراهنة في خدمة طرف ضد الآخر، كما يوضح الخبير في شؤون الجماعات الاسلامية، محمد ابو رمان، على صفحته على الفيس بوك.

“لا يرى هذا التيار في داعش، إقليمياً، مصدر تهديد مباشر للأردن، فصعوده مرتبط بالظروف الاستثنائية في كل من سورية والعراق وشروط الحرب الداخلية والطائفية وحالة الفوضى والانهيار الكامل، وهي حالة تختلف جذرياً عن الوضع الأردني”، يقول ابو رمان.

مستجدات

إذا كانت التحليلات تتجه نحو إنزال عسكري على غرار العملية الاميركية الفاشلة لانقاذ الصحفي الاميركي الذي اعدمته داعش جيمس فولي، فمصادر خاصة لـ”الشفاف” أفادت أن طلبا أردنيا للإدارة الأميركية يقضي بضرورة تعاونها مع عمان لانقاذ “الكساسبة” الذي تذكّر عمان بأنه وإن كان طيارا مقاتلا أردنيا إلا أنه كان ضمن فريق مقاتلين للتحالف الدولي المشكل منذ أيلول الماضي.

الناشط “أبو إبراهيم الرقاوي، وفي تصريح خاص “للشفاف” يقول أن تنظيم “الدولة” بدأ بنشر نقاط مراقبة وتنصت حول مدينة الرقة، تحسباً من أي إنزال عسكري لتحرير الطيار الأردني الذي أسرته داعش مؤخراً، ليخوض الأردن تجربة شبيهة العام الماضي تمثلت بتحرير سفيره في طرابلس فواز العيطان، الذي تم الإفراج عنه بعد جهود واتصالات مع عشائر ليبية، ضمن اتفاق أفضى لإطلاق سراح جهادي ليبي محكوم في الأردن بالمؤبد.

تركيا وبحث عن دور

تبرز أهمية تركيا في كونها الأقرب جغرافياً من الرقة التي يسيطر عليها داعش تماماً، فضلاً عن التجربة التي خاضها الأتراك في أيلول الماضي عندما أطلق تنظيم داعش سراح 46 مواطناً تركياً احتجزهم إثر سيطرته على الموصل.

يؤكد مسؤولون أردنيون أن العلاقات الأردنية التركية وإن شابها بعض التوتر مؤخراً، إلا أنها جيدة بما يكفي لضمان طلب الوساطة مع داعش، أو على الأقل، الجهات التي تملك نفوذاً على التنظيم.

على كل حال، تبقى التكهنات سيدة الأخبار طالما أن التكتم هو السائد في جميع المفاوضات وقلة ما يرشح عنها في وسائل الإعلام. وإلى حين ظهور أي نتيجة متوقعة، يبقى الأردنيون في ترقب حذر لأي خبر سوف يخرج عن داعش حيال مواطنهم “الكساسبة” .

change.shamma@gmail.com

عمّان – الأردن

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading