جريدة الشرق الأوسط السعودية خرجت يوم أمس بمانشيت عريض يقول “انكسروا وانتصر لبنان” في إشارة إلى فوز قوى الرابع عشر من آذار، وفشل حزب الله وأنصاره في الحصول على الأغلبية في الانتخابات النيابية التي شهدها لبنان يوم الأحد الماضي.
واللافت للنظر في هذا العنوان اللهجة الانتصارية واللغة القاسية التي تجعل من هزيمة طرف في انتخابات عامة انتصارا لوطن. الواقع أكثر تعقيدا من هذا القول، إذ ربما يكون الفشل، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالأوطان، أشد وقعا وأبلغ ضررا في بعض الأحيان. فالفاشل قد يزداد ضراوة.
وبالرغم من أن أعدادا يصعب حصرها في لبنان والعالم العربي، وأنا منهم، تمنوا هزيمة للمعارضة، وفوزا ساحقا لقوى الرابع عشر من آذار، إلا أن عنوانا كهذا، وإن كان لسان حال الكثيرين، ينم عن تعقيدات لا ينبغي إسقاطها من الحسبان.
ينم العنوان أولا عن حجم الاستقطاب الذي يعيشه العالم العربي، والذي يجعل من انتخابات عامة في بلد ما جزءا من معركة على نطاق أوسع إقليمية ودولية، وتتجلى فيه ثانيا حقيقة صعوبة التوّصل إلى تسويات حقيقية بين قوى محلية ذات برامج متباينة، حيث تُقاس نتائج الصراع بمنطق الانكسار والغلبة، على الرغم من النفاق والكلام الناعم والروح الرياضية الكاذبة.
الاستقطاب في العالم العربي بين معسكرين يصف أحدهما نفسه بقوى الممانعة والمقاومة، بينما لا يعترض الفريق الآخر على تسميته بمعسكر المعتدلين. يضم المعسكران دولا وميليشيات و”جماهير” وشخصيات عامة ويمتلكان منابر إعلامية، ويشتغل في خدمتهما مضاربون، وسحرة، وجنود مشاة، وقارعو طبول، إلى جانب أجهزة رسمية ومؤسسات، ومصارف، وشركات عابرة للحدود والأوطان والقضايا والأيديولوجيات.
وليس ثمة ما هو أكثر ضلالا وتضليلا من وصف أحدهما بمعسكر الممانعة والمقاومة والآخر بمعسكر المعتدلين، فقد نجح كلاهما في تشويه معنى الممانعة والمقاومة من ناحية، والاعتدال من ناحية ثانية.
فالسعودية، مثلا، حيث لا انتخابات ولا دستور ولا حقوق متساوية للمواطنين والمواطنات، ولا برلمان، ولا أحزاب، ولا حياة نيابية، تدعم فريقا في لبنان للفوز في انتخابات ديمقراطية، بينما لا تعترف بالديمقراطية داخل حدودها. وبهذا تجرّد مفهوم الاعتدال من مضمونه الاجتماعي والثقافي، وتبقيه محصورا في سياسة خارجية انتقائية تدعم المعتدلين في مكان ما والممانعين والمقاومين في مكان آخر.
وعلى الجانب الآخر في معسكر الممانعين والمقاومين تعتبر سوريا حالة فريدة فهي جمهورية والحكم فيها وراثي، وهي تعاقب كل من ينتمي إلى جماعة الأخوان المسلمين بالإعدام، لكنها تدعمهم في فلسطين وأماكن أخرى. وهي مع الديمقراطية والانتخابات في الخارج، لكنها تعتقل مثقفين بتهمة الإساءة إلى سمعة البلد، ولا تسمح بظهور معارضة حقيقية. وعلى الرغم من كونها الأكثر حماسة في معسكر الممانعين والمقاومين، إلا أنها حريصة على إبقاء جبهة الجولان بلا حراك، وحريصة أكثر على عدم الرد على هجمات يشنها الإسرائيليون ضد أهداف “غامضة” في أراضيها.
وهناك، أيضا، مزحة ثقيلة لم تعد مسليّة اسمها قطر تحتمي خلف ظهور الأميركيين، وتتودد إلى الإسرائيليين، لكنها ترفع لواء الممانعة والمقاومة، بل وتعادي السلطة الفلسطينية لأنها تلكأت في تسليم مقاليد البلاد والعباد لحركة حماس بعد فوز الأخيرة في انتخابات ديمقراطية. مع العلم أن بين قطر ـ التي تحكمها عائلة ويتسيّد فيها المواطنون الأصليون وهم أقل من ثلث السكّان على ثلثين يشتغلون في خدمتهم بلا حقوق ولا ضمانات ـ والديمقراطية مسافة تحسب بالأميال.
ثمة الكثير مما يمكن أن يُقال عن الممانعين والمقاومين من ناحية والمعتدلين من ناحية ثانية، للتدليل على حقيقة التباين والتفاوت لا بين المعسكرين وحسب، بل وبين القوى التي يتشكل منها هذا المعسكر أو ذاك.
يمكن التدليل على أمر كهذا بطريقة مغايرة. ما معنى الاعتدال والممانعة والمقاومة؟
معنى الاعتدال الحرص على تجنيب البلاد والعباد مغامرات غير محسوبة، وتغليب مبدأ التسوية والتفاوض والمساومة على مبدأ المجابهة والحسم والعنف. ولأشياء كهذه تجليات ثقافية، ودلالات اجتماعية، وتعبيرات سياسية لا تخطئها العين. أما الممانعة فتعني الحيلولة دون وقوع أمر ما، والمقاومة هي الترجمة العملية للممانعة.
وإذا ما وُضعت هذه الأشياء في سياق الصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي، فهي تعني في نظر المعتدلين الاعتراف بعدم القدرة على هزيمة إسرائيل عسكريا، أو مراهنة على المفاوضات والتسويات والسياسة. أما في نظر الممانعين والمقاومين فتعني الحيلولة دون تمكين إسرائيل من ترجمة التفوّق العسكري إلى واقع سياسي، وتكبيدها هزائم عسكرية صغيرة تؤدي بالتراكم في أفضل الأحوال إلى هزيمة نهائية، أو تمكّن الممانعين والمقاومين من التوصل إلى تسويات أفضل.
على الورق تبدو معادلة كهذه واضحة، لكنها ملتبسة وشديدة التعقيد في الواقع. فإذا كان من الممكن اتهام المعتدلين بالجبن، أو اليأس، أو حتى بالتفريط، يمكن اتهام الممانعين والمقاومين بتهديد مجتمعات قائمة بخطر التفتيت والانقسام، وتهديد دول بالانهيار، أو تجريد الدول والمجتمعات من عوامل الممانعة والمقاومة بالمعنى العام والكبير للكلمة.
وبهذا المعنى يصبح المعتدلون حماة لعوامل الممانعة والمقاومة، بينما يتحوّل الممانعون والمقاومون إلى مصدر للخطر. وهذا في الواقع ما حدث في لبنان وفلسطين، حيث عملت وما تزال ميليشيات مسلحة على تحويل الغالبية العظمى من الناس إلى رهائن باسم مقاومة أصبحت عبئا عليهم.
بهذا المعنى، أيضا، وبالرغم من حقيقة أن اللبنانيين صوّتوا لطوائفهم في الغالب، أي أن الكلام عن الديمقراطية ما زال بعيدا، إلا أن حزب الله وأنصاره حصلوا على برهان جديد مفاده أن أغلب اللبنانيين لا يؤيدونهم. وبالقدر نفسه حصلت قوى الرابع عشر من آذار على فرصة إضافية لخلق أجواء تسهم في رفع فكرة الدولة فوق الطائفة (لعل وعسى) وأخيرا حصل الفلسطينيون على دليل جديد حول إمكانية تجريد حماس في انتخابات قادمة من حق النطق باسم الأغلبية، وفي هذا وذاك عبرة للناظرين.
Khaderhas1@hotmail.com
• كاتب فلسطيني- برلين
وفي هذا وذاك عبرة للناظرين..!! مهاجر حتى اشعار اخر*من الاسباب الرئيسيةالتي تعيق زيادة الوعي السياسي لدى شعبنا السوري الصابر وممارسةحقه الطبيعي في التجربة الديمقراطية المنتشرة في كل انحاء العالم والتي انتقلت حديثا لتعم وتشمل وطننا العربي الحبيب ولبنان الشقيق خيرمثال على ذلك وبالتالي نجاح ثورة فريق 14 اذار بالامس في الانتخابات اللبنانية هو نجاح وعون وامل كبير لاشقاءهم السوريين باذن الله *و الاسباب الرئيسية التي تمنع تقدم البلاد والعباد هي: 1- استمرارية الحكم اللاستبدادي وفرض حالة الطوارئ منذ عام63 2-استعمال جميع اساليب القمع والظلم والاضطهادلترويع الشعب 3- اعتقال الالاف من احرار سورية واصحاب الراي لترهيب الناس 4-اعدام المعارضين الشرفاء وممارسة… قراءة المزيد ..
وفي هذا وذاك عبرة للناظرين..!! تحليلك منطقي ايها السيد وجاد وقاسي بقسوة العنوان الذي تنتقده ولاكن لا احسب انه يجهلك ان المعركة لم تكن بين ممانعين و معتدلين من العرب بقدر ماهي بين اختطاف قضية و بلد عربي لصالح بلد اجنبي و اجندته وبين من يريد رد القضية و البلد الى حماه لأجل سحب البساط بقدر المستطاع من تحت الأجندة الأجنبية لصالح المشروع العربي ان جاز لنا ان نسميه كذلك على امل ان يطال التغيير الايجابي ذاك البلد الأجنبي في انتخاباته القادمة لتسهيل التفاهمات و ردع الشر الذي يراد به متمركزا بإستمرار على هذه المنطقة. ولا احسبك ايها السيد تعني… قراءة المزيد ..