ورد إلى “الشفّاف” صباح اليوم نعي المناضل فارس مراد، الرجل الذي قضى 29 عاماً، أي نصف عمره، في سجون آل الأسد. رأينا مناسباً أن نعيد نشر مقالٍ كنا نشرناه قبل سنتين للمحامية رزان زيتونة بعنوان “حياة مشتهاة.. في يوم المعتقل السياسي السوري” وكان موضوعه سجينان قضيا عشرات السنين في السجن وهما فارس مراد وعماد شيحه.
تقول رزان في آخر مقالها: “أشعر بالأسى لحال معارضة يمر فيها يوم المعتقل السياسي السوري كأي يوم آخر. لكنني بالتأكيد مفعمة بالأمل في وطن يضم فارس وعماد وعارف دليلة وعلي العبد الله وأنور البني… وتطول القائمة”.
نحن، أيضاً، على يقين بأن النفق السوري الطويل أشرف على الإنتهاء.
*
الطيف الديمقراطي السوري يشيع غدا الثلاثاء 10 آذار جثمان المناضل الراحل فارس مراد
النداء خاص :
توفي صباح هذا اليوم 9/3/2009 المعتقل السياسي السابق فارس محمد مراد، عن تسعة وخمسين عاماً.
ولد فارس مراد في العام 1950 في مدينة حلب وانتقل بعدها للعيش مع أسرته في مدينة دمشق.
انضم في العام 1974 إلى المنظمة الشيوعية العربية، وتم اعتقاله مع عددٍ من رفاقه في العام 1975، وبقي معتقلاً حتى العام 2004.
نتيجة الشروط الصحية والبيئية السيئة وانعدام العناية الطبية، أصيب خلال فترة اعتقاله بداء التهاب الفقار اللاصق الذي يتطلب المعالجة الفورية، إلا أنّ السلطات السورية لم تمنحه إذناً للسفر والمعالجة في الخارج إثر الإفراج عنه. علماً بأنّ علاج هذا المرض غير متوافر في سوريا.
كان فارس مراد حتى آخر يومٍ من حياته يحتفظ بملامح ذلك الشاب الذي اعتقل في الرابعة والعشرين من عمره وهو يحلم بالحرية في وطنه.
سوف يتم تشييع الفقيد يوم غد الثلاثاء في الساعة الحادية عشرة صباحاً من مشفى دوما الوطني، ويصلى على روحه في جامع زيد في شارع خالد بن الوليد، ثم يوارى الثرى في مقبرة باب الصغير.
تقام التعزية في بيت شقيقه شاكر مراد ـ أبو محمود ـ في دوما، جانب الفرن الآلي.
*
حياة مشتهاة..
في يوم المعتقل السياسي السوري
رزان زيتونة
المعتقل السياسي أو معتقل الرأي، هو ضحية انتهاكات الحريات العامة والحقوق الأساسية التي يتمتع بها الإنسان، هو جزء من قضية.. حرية وعدالة وإنسانية…
هكذا كنت أراه في البداية..
قبل أن أتعلم ضرورة الحصول على صورة للمعتقل.. أحدق فيها مليا.. أحاول رسم التغيرات التي يفترض أنها حدثت في ثنايا وجهه.. وعبثا أستطيع تخيله في غير الصورة التي أراها.. قبل عشر.. أو عشرين عاما ربما..
وقبل أن أصاب بلوثة التلهف لمعرفة أكثر من عدد سنوات اعتقاله، وتهمته، وسنوات حكمه.. لمعرفة تفاصيله الصغيرة، تحكيها الأم المتشوقة لحديث لا ينتهي عن ولدها.. أو يرويها صديق له سبقه إلى الحرية..
كان الأمر مرهقا.. أن يتحول المعتقل من اسم وقضية إلى كائن يعيش في عالمي أحسه بقوة.. وبألم..
في أحد الأيام كنت أكتب تقريرا عن معتقل اسمه فارس مراد.. تحدثت فيه عن سنوات اعتقاله الطويلة.. ووضعه الصحي بالغ الصعوبة….. ، وأنني مشتاقة له جدا!!! هكذا.. لا أدري كيف ..
وبعد أشهر، في صباح أول أيام العيد، كنت أحمل باقة ورد متجهة إلى منزله، في اليوم التالي للإفراج عنه.. كان الفارس الذي عرفته، الذي أصبحت ألتقيه في أي منتدى أو اعتصام أو نشاط… يحلَق دائما، وكأن ثقل أوجاع جسده التي تركتها سنوات الاعتقال التسعة والعشرين، أنبتت له جناحين بدل أن تكبله بأصفادها.. تحدق في هذا الجمال ولا تكف عن الدهشة..
بعد أشهر، كنت أحمل صورة مكبَرة لشاب وسيم اسمه عماد شيحة، تعود إلى ما قبل ثلاثين عاما من اعتقاله… كان من المفترض أن أرفع الصورة في مظاهرة يوم المعتقل السياسي التي قمعت بشدة، فرفعت الصورة على جدار إحدى غرف منزله… بانتظاره دائما.
وبعد شهرين.. كنت أجلس قبالة هذا الشاب..أجري معه لقاء صحفيا.. وبالكاد أستطيع إخفاء رعشتي.. هو أصعب قليلا من لقاء شخص رحل عنك بعد معرفة.. هنا يجب أن تعيد اكتشاف هذا الإنسان وتطابق شخصه مع الخيال الذي رسمته له.. أين يتشابهان، أين يختلفان..
كان أكثر ما يخيفني، أن ألمح آثار قضبان على أصابع المفرج عنه.. أو .. أن أجده مختلفا عن الشخص- الخيال الذي عرفته سابقا.. بالأحرى.. كنت أخاف أن لا ألمس الحياة فيه.. فذلك يشعرني بالهزيمة.. مع أنه هو من خاض المعركة.. وهو من دفع ثمنها..
فكثيرا ما ذهب بسعادة العودة للحرية، لقاء معتقل سابق نال الاعتقال من روحه وعزيمته.. ليس لي الحق بمطالبتهم أن يكونوا “سوبر” معتقلين، وأن يمحوا بجرة قلم صفحات طويلة ملطخة بالألم.. أنا أتمنى فقط أن يلحقوا الهزيمة بالسجان بكل مايمثله من قيد وقمع ونفي، بالبقاء على قيد الأمل..
بعد فترة.. كنا حشدا من الأصدقاء.. كانت كأجمل مظاهرة.. وأقوى اعتصام.. وأكثر البيانات بلاغة إلى “الرأي الخاص السلطوي”.
عماد شيحة يوقع في معرض الكتاب روايته الأولى “موت مشتهى” التي خطها في المعتقل، وكتابه الأول الذي ترجمه بعد عودته إلى الحرية.. وإلى جانبه صديق دربه فارس مراد ، يضيء المكان بفرح يجعلك ترغب بالحياة أكثر، وتؤمن بها أكثر..
كانت لحظات أقل ما يقال فيها أنها سحرية..هي لم تمح أبدا ثلاثين سنة اعتقال، لكنها انتصبت فوقها عاليا جدا.
أستذكر تلك اللحظات، بعد أن مر يوم المعتقل السياسي السوري مرورا هادئا مزعجا، بغياب أية فعاليات مفترضة في أوساط المعارضة والمجتمع المدني. وبعد أن سمعت من بعض الأصدقاء عبارات تنم عن الإحباط واليأس الشديدين. فيما أنا – وعلى الرغم من طبعي النكد – أشعر بالسعادة!
من يصدق أنه وبعد سنوات القمع الطويلة المستمرة هذه، بعد الليالي المظلمة في تدمر وصيدنايا وعدرا، بعد الإعدامات وحفلات التعذيب والأحكام مسبقة الصنع، وبعد كل هذا الجهد المضني لتدمير أقدس وأجمل ما في الإنسان ، أن يبقى هناك من يخرج من معتقله مضيئا كشعلة، وأن يبقى هناك من هو مستعد دائما لدخول ذات المعتقل ليضيء علينا من داخل زنزانته رغما عن أنف سجاني العتمة. كأن فعل الاعتقال أمسى أكثر من أي وقت مضى يرتد على مرتكبيه كفعل مقاومة ضدهم.
أشعر بالأسى لحال معارضة يمر فيها يوم المعتقل السياسي السوري كأي يوم آخر. لكنني بالتأكيد مفعمة بالأمل في وطن يضم فارس وعماد وعارف دليلة وعلي العبد الله وأنور البني… وتطول القائمة التي ما تزال مفتوحة الاحتمالات، على هؤلاء الذين أثبتوا ويثبتون دائما، أن أسواط السجان وزنازينه، يمكن أن تتهاوى كأوراق يابسة، أمام تلك الشهوة التي لا تنطفئ في الحياة والحرية..
razanw77@hotmail.com
* كاتبة ومحامية سورية- دمشق
وفاة فارس مراد و”حياة مشتهاة.. في يوم المعتقل السياسي السوري”
أنظر إلى صورة هذا المناضل البطل وأريد التعليق ولكن الكلمات تخذلني، فهؤلاء الأبطال، مشاعل النور لشعب مسحوق عاش ويعيش مهمشاًَ مسحوقاًَ من زمرة مافياويه غاشمه، لايهمها وطن أو مواطن.
قدرة النظام في إطفاء نور فارس مراد وملائكة الحريه الاَخرين شهداء وأحياء لن تدوم.
التهميش، الظلم والتجويع الذي يتعرض له الشعب السوري لن يدوم رغم كل ما يستعمله الطغاة من وسائل قمع، فالحريه حق للشعوب وليس امتياز.
وفاة فارس مراد و”حياة مشتهاة.. في يوم المعتقل السياسي السوري”
كل من عليها فان
المتسلط والضعيف
الغني الذي لايعرف الشبع ومن يقتات ليعيش
الذي يموت من التخمة والذي يذوي من ضعف التغذية
والايمان الحق ان الرحمن الرحيم لن يغفر للمجرمين الذين يعرفون ماذا يفعلون
وفاة فارس مراد و”حياة مشتهاة.. في يوم المعتقل السياسي السوري”
من المؤسف تلقي خبر وفاة المناضل فارس مراد و كل الاجلال والتقدير لمن صنعوا في مقاومتهم لالة الطحن البشري رمزا للكرمة والحرية المفقودة في بلدنا كل الوفاء لرسالتكم
29 سنة سجن يا مجرمين …؟!
اي بشر هؤلاء حكام سورية ..؟ 29 سنة سجن لمعارض سياسي ..؟ كم انتم مجرمون وسفاحون. .. ؟ كم من الاف الدراكولا في داخلكم يا حكام دمشق الطغاة ..؟ مشكلتكم انكم لا تقراون التاريخ .. ففي هذه الارض العتيقة رفات ملايين من امثالكم كانوا جلادين وقتلة ومصاصي دماء طواهم التراب غير ماسوف عليهم .. وبقيت قصص ظلمهم لعنة عليهم ترددها الاجيال بعد الاجيال
وفاة فارس مراد و”حياة مشتهاة.. في يوم المعتقل السياسي السوري”
بالفكر وبالقلب، وبالإيمان المستمر رغم القحل المهيمن، ديمقراطيتنا اللبنانية غير المقهورة، وديمقراطيتكم السورية المقهورة، تشدان الأيدي وتعقدان العهد. معاً سنصنع النور. مع صادق الشعور والمواساة لكم ولأقارب وأحباء رجل النور هذا.