جولة كردية سورية أخرى من الاجتماعات في “هولير” (أربيل) عاصمة إقليم كردستان العراق باءت بالفشل، وعاد الوفد إلى سوريا بخفّي هولير.
وكان المتوقعُ ألا يفلح وفد الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي في الانقلاب على اختلاله البنيوي الداخلي وأجواء الخلافات العاصفة
الداخلية، التي مضافة إلى دواعٍ أخرى أسهمت في تأجيل موعد انعقاد المؤتمر الثاني للمجلس إلى إشعار آخر.
التصريحات العديدة التي صدرت من أقطاب المجلس الوطني الكردي إبان تواجدهم في “هولير” كان تشي بعدم التناغم وافتقاد الاندماج السياسي. فهنالك تياران نافران في المجلس مختلفان في العديد من الأمور: الموقف من تسلح القوى المؤتلفة في المجلس, الفيدرالية ,الموقف من الانضمام إلى أطر المعارضة (الائتلاف الوطني السوري مؤخراً)، آليات انعقاد المؤتمر الثاني للمجلس، الموقف من “مجلس شعب غرب كردستان” كون المجلسين متحالفين وعبر وثيقة إعلان هولير في إطار الهيئة الكردية العليا التي لم تبصر النور
عملياً.
وزاد في طنبور الفشل نغماً عدم خروج المجلسين (“المجلس الوطني الكردي” و”مجلس شعب غرب كردستان”) بأفقٍ سياسي جديد لحالة العطالة التي تنتاب الهيئة الكردية العليا منذ تأسيسها. بل تم التأكيد مجدداً على ضرورة تنفيذ بنود إعلان “هولير” الذي تم توقيعه برعاية وإشراف رئيس إقليم كردستان والبنود المتفق عليها نظرياً من برنامج الهيئة الكردية العليا. أما الجديد المتمخضُ عن اجتماعات المجلسين الكرديين فكان الاتفاق على تشكيل قيادة عسكرية موحدة بين الطرفين، وهو أمرٌ موضع خلافٍ داخلي في المجلس الوطني الكردي. إذ أن عدداً من أحزابه ترحب بالفكرة، ومجموعة أحزاب أخرى ترفضه! أضف إلى ذلك أن بيان قوى حماية الشعب (ي ب ك) الصادر في سوريا في اليوم الأخير لزيارة الوفدين إلى “هولير” كان طعنة نجلاء للاتفاق على هذه النقطة، عبر عدم ترحيب هذه القوات التي تتبع عملياً لـ”مجلس شعب غرب كردستان” بالمشروع وإعرابها عن عدم استعدادها الدخول في أي عمل مشترك مع كتائب مسلحة
تابعة للمجلس الكردي.
النقطة الأخرى التي تم الاتفاق عليها فيما بين المجلسين كانت تبني “الفيدرالية” كمطلب سياسي لكورد سوريا.
هذه النقطة التي تعد بحد ذاتها خلافية في فضاء “المجلس الوطني الكردي” وغير مقبولة من “مجلس شعب غرب كردستان” الذي يعتمد مطلب “الإدارة الذاتية الديمقراطية” ويروج لها ويعمل عليها في المناطق التي تحت هيمنته العسكرية (ديريك، كوباني، عفرين). لكن تم بحسب التصريحات الإعلامية لقيادات في “مجلس شعب غرب كردستان” تسويف النظر فيها للاختلاف على تسمية كردستان الغربية، أو غرب كردستان، إلى حين عودة بعض أحزاب المجلس الوطني الكردي إلى هيئاتهم الحزبية لخلو البرامج السياسية لتلكالأحزاب من تسمية مشابهة، وهذا بحد ذاته يشكل حجة للتهرب. إذ لا يعقل المطالبة بإقليم فيدرالي ذو تسمية مشفرة أو لا يحمل في أحسن الأحوال تسمية، سيما وأن غالبية الأحزاب الكردية وطيلة عقود، وفي السنوات الأخيرة تحديداً، كانت تتحدث في لقاءاتها بالمعارضة العربية السورية عن القضية الكردية كقضية أرض وشعب! فإذا كان الشعب هو الشعب الكردي فما اسم الأرض التي يقيم عليها هذا الشعب؟ الأمر الآخر أن عديد البرامج السياسية للأحزاب الكردية في سوريا تبدأ بديباجة يرد فيها من جملة أمور التذكير بـ”اتفاقية سايكس – بيكو” وإلحاق جزء من أرض كردستان بالدولة السورية الحديثة! نفهم من ذلك أن تلكم الأحزاب متنصلة من اعتماد التسمية بدعوى العودة إلى المرجعية الحزبية، وهذا يشبه الدوران في حلقة مفرغة سياسوية، وتأكيدٌ على
جدلٍ سياسوي كردي عقيم.
بناءً على ما تقدم, فإن العنوان البارز الدال على الحالة الكردية السورية هو عدم الارتقاء سياسياً إلى مستوى الأزمة العاصفة في البلاد خلال عشرين شهراً، وعدم الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجه المكون الكردي في سوريا بعد ما جرى في “سري كانيه” (رأس العين) وتل أبيض وتربسبيه وكركي لكه والرميلان .. إلخ, وهي المناطقُ التي شهدت دخول مجاميع مسلحة إسلاموية و”عرب الغمر” المستوطنين المسلحين إليها. وهي تحديات مؤكدٌ أنها ستتصاعد أكثر من ذي قبل في القادم من الأيام مع قرب سقوط النظام، ناهيك عن الأوضاع التي ستطرأ بعد سقوطه. مضافاً إليها تحرك الائتلاف المعارض الوليد كممثل لسوريا الراهن والغد ونيله الاعتراف من مراكز القرار العالمي المؤثرة في الوضع السوري كممثل شرعي ووحيد للمعارضة السورية، وتسويفه النظر في قضية الشعب الكردي إلى حين انتخاب برلمان سوري جديد عقب رحيل النظام أو سقوطه.