خاص بـ”الشفاف”
شكلت المذكرة التي تلاها البطريرك الراعي يوم الاربعاء الماضي علامة مفصلية في الحياة السياسية اللنبانية، واعتبرت مصادر سياسية لبنانية ان المذكرة تحاكي في مضمونها النداء الشهير للمطارنة الموارنة عام 2000، والذي أطلق شرارة الاستقلال الثاني.
وقبل الدخول في مضمون الوثيقة لا بد من التوقف عند جملة ملاحظات:
لا تشبه المذكرة، في مضمونها، المواقف التي درج على إطلاقها سيد بكركي، منذ توليه السدة البطريركية! بالعكس، تبدو المذكرة اقرب الى نقيض مواقفه المعلنة!
جاءت المذكرة، في باب اولي تلبية لحاجة أصبحت ملحة هي توحيد موقف بكركي، بعد ان تباعدت وجهات النظر بين الاساقفة الموارنة، خصوصا الذين هم على قرب من البطريرك الراعي، مثل المطران سمير مظلوم الذي يتفرد بمواقف تتناقض كليا مع مضمون المذكرة.
ألغت المذكرة، بما هي وثيقة صادرة عن أعلى مرجعية روحية مسيحية، كل مفاعيل “ورقة التفاهم”، بين “حزب الله”، و”التيار الوطني الحر”، خصوصا انها جاءت على شكل خارطة طريق، مسيحية ووطنية، تضع ورقة التفاهم في خانة فقدان الصلاحية.
المذكرة في مضمونها، جاءت متناغمة مع مواقف قوى 14 آذار، وعلى خلاف جذري وعميق مع قوى 8 آذار. فتجاهل “حزب الله” التعليق على مضمونها، في حين ان التعليق الوحيد الذي صدر عن التيار العوني، جاء على لسان النائب حكمت ديب، وعكس انزعاجا من المذكرة، حيث أعلن انها “غيّبت مفهوم الدفاع عن النفس”، ويعني به تشريع سلاح حزب الله، الامر الذي رفضته المذكرة.
تجاهلت المذكرة، ربما سهوا، التطرق الى مفهوم “العدالة”، خصوصا انها المرة الاولى، التي يشهد فيها لبنان والشرق الاوسط، تكريس مفهوم “العدالة في مواجهة الاغتيال السياسي”، علما ان “العدالة”، تقع في صلب المفهوم المسيحي.
في مضمون المذكرة
أبرز ما في المذكرة هو تبنيها لمبدأ “الحياد”، ورفعه الى درجة “الميثاقية” (بدلا من وزارة الطاقة التي صار احتكارها لجبران باسيل موضوعاً “ميثاقياً”!)، وبوصف الحياد قاعدة لتأسيس الدولة تبعد اللبنانيين عن سياسة المحاور والصراعات، وفي هذا الموقف ترفض الكنيسة المارونية أي تدخل لبناني في أزمات المنطقة، وتحديدا في مسار الثورة السورية، الامر الذي لم يرق لـ”حزب الله”.
وطبقا لما جاء في نص المذكرة: “الميثاق أساس لبناء علاقات الدولة اللبنانية مع الخارج، المدعو إلى الإعتراف بخصوصية لبنان”، ومن هنا تطالب الكنيسة الخارج بالإعتراف بحياد لبنان الذي لا يمكن أن يكون ” مقراً أو ممراً أو منطلقاً لاي عمل من شانه أن يورطه في الصراعات الإقليمية أو في أزمات تتنافى وخصوصيته”.
كما أشارت المذكرة الى ضرورة تبني إعلان بعبدا، بعد ان اصبح وثيقة دولية، أقرت في مجلس الامن، بما بعطي ايضا مفهوم الحياد بعدا امميا، بعد البعد الميثاقي.
في جانب آخر، جاء في البند 21 من مذكرة بكركي تشديد على ان “الإلتزام الجدي ببناء الدولة العادلة والقادرة يقضي بحفظ السيادة وحصر القوة العسكرية في يد الشرعية، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني والقوى العسكرية “.
وهذا يعني ان بكركي ترفض وجود اي سلاح خارج إطار الشرعية اللبنانية وقواها العسكرية، ما يلغي أيضا ثلاثية “جيش وشعب ومقاومة”، ويرفع أي غطاء مسيحي عن سلاح حزب الله.
والى رفض أي سلاح خارج إطار المؤسسات الأمنية الشرعية يمكن اعتبار الفقرات 11، 12، 13، 14 من المذكرة، نقدا مباشرا لسياسة “حزب الله”،حيث تنتقد الفقرات: “الإستغلال المبرح للدمقراطية التوافقية” ومناقضة الدمقراطية لصالح الإستقواء والغرق في تصرفات واستراتجيات تمليها عوامل لا صلة لها بانتظام الدولة ومصلحة الكيان اللبناني”.
ومن العناوين الرئيسة في المذكرة أيضا التمسك بالتوزيع الطائفي ورفض ربط الصيغة بمقياس العدد، وتبني شعار”دولة عادلة قادرة ومنتجة” في انتقاد علني لواقع تعطيل المؤسسات الرسمية والتحذير من أخذ لبنان الى الفراغ.
تؤكد المذكرة الهواجس المسيحية التي ترافق بناء دولة مدنية وعصرية من خلال ضرورة إيجاد قانون جديد للانتخابات وسد الثغرات الدستورية الناتجة عن عدم استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، او التطبيق المنقوص لهذه الوثيقة، لا سيما لجهة المهل وصلاحيلت الرئيس، وتطبيق اللامركزية الإدارية، وسياسة لبنان الدفاعية.
في موضعة المذكرة بين قوى 8 و14 آذار
تلتقي الوثيقة مع مجمل طروحات 14 آذار وتحرج فريق 8 أذار في مسائل عدة درجت قوى 14 آذار على المطالبة بها وفي مقدمها موضوعات، الحياد، وحصرية السلاح في يد القوى الامنية الشرعية دون سواها، ورفض استغلال الديمقراطية التوافقية من خلال تكريس مفاهيم محدثة على الحياة السياسية اللبنانية مثل “الثلث المعطل” في تشكيل الحكومات و”التوافق” المبني على سيطرة فريق بسلاحه على مفاصل الحياة السياسية اللبنانية، والاهم هو ان المذكرة لم تتطرق من قريب او بعيد الى “المقاومة“، كما عدم التطرق الى هواجس الترهيب والتخويف من الموجات التكفيرية.