قبل خمسة ايام من إنسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، وبعد مرور اقل من شهرين على إغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق الشهيد رفيق الحريري، أدرك عدد من اللبنانيين أن البلاد مقبلة على أزمات من نوع آخر، وأن الانسحاب السوري ليس نهاية الازمة اللبنانية، وأن الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب السوري سينشأ عنه ما أصطلح معدّو النص التالي على تسميته بـ”المسألة الشيعية”.
اليوم وعلى عتبة صدور القرار الظني، وبعد الزيارة المثيرة للجدل للرئيس الايرني محمود احمدي نجاد الى لبنان، إرتأى معدّو هذا النص إعادة نشره، ساعين الى جعله مادة نقاش تؤسس لمعالجة “المسألة الشيعية” في لبنان.
“الشفاف” يعيد نشر مشروع “اللقاء الشيعي” إسهاما منه في ايجاد مشاريع أفكار للمعالجة.
*
اللقاء الشيعي اللبناني
في 21 نيسان 2005
يعيش لبنان اليوم إستحقاق السيادة والإستقلال، واختبار الوحدة الوطنية. وقد شاءت الأقدار أن يحدث هذا الأمر إثر فاجعة وطنية كبرى، تمثلت باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سرعان ما استحالت رافعة خلاص وطني. فأين نحن الآن، كمسلمين شيعة لبنانيين، من هذين الإستحقاق والإختيار، وما هي مرجعية تفكيرنا وموقفنا حيال ذلك؟
نؤمن بأن وثيقة الوفاق الوطني في الطائف – وقد باتت في صلب الدستور – هي المرجعية الأساسية لموقفنا واختياراتنا الوطنية بعد الحرب. فهذه الوثيقة لم تضع حداً للقتال الداخلي فحسب، بل شكّلت الإطار التوافقي التعاقدي بين جميع اللبنانيين لإنتظام عيشهم المشترك في ظل دولة واحدة، سيدة حرّة مستقلة، وفي وطن نهائي لجميع أبنائه عربي الهوية والإنتماء.
وإذا نؤمن بذلك، إيماناً راسخاً، فإننا نعتقد بقوة أنه لا يحق لأي فئة لبنانية أن تتراجع عن هذا الإتفاق أو تُعدّل فيه بقرار من جانب واحد. كما نعتقد أن كل التطورات التي حدثت منذ الإتفاق حتى الآن، بما في ذلك الإندحار الإسرائيلي عام 2000 وانسحاب الجيش السوري الجاري الآن، لا تشكّل أي مسوِّغ لإعادة النظر في الإتفاق، أو البحث عن بديل منه.
وإذا كان بعض التطورات الكبرى من شأنه وعادته أن يُحدث تغيُّراً في توازن القوى بين أحزاب وتيارات سياسية متنافسة داخلياً – وهو أمر طبيعي – فإن ما جرى ويجري لا ينبغي أن يُخِلَّ بأساس الصيغة الوطنية الجامعة، ممثلة باتفاق الطائف الذي لم يقم أصلاً على ميزان القوى المتغيِّر وإنما على قوة التعاقد الميثاقي المستمر.
من هنا نرى أن حقوق الطائفة الشيعية، في إطار النظام اللبناني، محفوظة أصلاً في الدستور وفي اتفاق الطائف، ما داما محفوظين ومصونين من التجاوز والتشويه. وهي، أي تلك الحقوق، ليست في حاجة إلى ضمانات من خارج الوفاق الوطني، كما إنها ليست وقفاً على صعود أو هبوط قوة سياسية معيّنة في الطائفة؛ شأنها في هذا شأن الحقوق العائدة لأي طائفة أخرى.
باختصار، فإننا لا نرى في ما يجري اليوم، أيّ تهديد لمصلحة الطائفة الشيعية، بل نرى – على العكس من ذلك – ما ينبغي أن يحملنا جميعاً على الإستبشار بقرب الخلاص الوطني، إستناداً إلى أربع وقائع كبرى باتت في رصيد جميع اللبنانيين من دون إستثناء:
أولاً: إندحار جيش الإحتلال الإسرائيلي عام 2000 بفعل المقاومة الباسلة وبموجب القرار 425؛ وهي المقاومة التي كان للشيعة اللبنانيين شرف تصدُّرها وللبنانيين عموماً فضل إحتضانها ودعمها.
ثانياً: الإنسحاب السوري الجاري إلى ما وراء الحدود، الذي كنّا نتمنى أن يتم بعيد الإنسحاب الإسرائيلي بموجب إتفاق الطائف، ولكن تأخيره إلى اليوم أدى إلى أن ينفد بموجب القرار 1559.
ثالثاً: إجتماع القوى السياسية اللبنانية، من مختلف الإتجاهات، على أن المرجعية الصالحة والوحيدة لإعادة ترتيب البيت اللبناني هي الدستور واتفاق الطائف، نصاً وروحاً. هذا مع أهمية تصحيح الخلل الناجم عن سوء تطبيقهما في السنوات الماضية.
رابعاً: وهي في نظرنا أهم الوقائع على الإطلاق، إنبعاث حيوية وطنية شاملة، دفعت بمئات ألوف المواطنين، من مختلف المناطق والفئات والأعمار، إلى التعبير الواضح عن تجاوزهم عملياً ونفسياً صطفافات الحرب ورواسبها، وعن تمسكهم بالسيادة والإستقلال والتغيير الديموقراطي، في إطار الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. هذه الموجة الوطنية العارمة، غير المسبوقة في التاريخ اللبناني، تجاوزت الإطارات السياسية والحزبية المتباينة، وباتت تشكّل صمّام الأمان الحقيقي للسلم الأهلي، ورافعة أساسية لمفهوم الوطنية والمواطنة.
أن الواجب والمصلحة يقتضيان المحافظة على هذه الإنجازات الوطنية الأربعة وتطويرها بكل عناية وإحساس بالمسؤولية:
أولاً: المحافظة على إنجاز التحرير برفعه الى منزلة الإنجاز الميثاقي، واعتباره جزءاً اصيلاً من مفهوم السيادة والاستقلال. وهذا الامر يتطلب، من بين ما يتطلب، التزام جميع القوى السياسية اللبنانية رفض الإساءة للمقاومين تحت أي ذريعة، ولاسيما ذريعة “الإرهاب”. إن استمرار مزارع شبعا تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي عهدة القرار 242، مع استمرار الالتباس حول لبنانيتها.. كل ذلك يشكل عائقاً موضوعياً يحول دون الاجماع على اكنمال التحرير ويضع لبنان في مواجهة مع الفهم الدولي للقرار 425، لذلك نطالب الحكومتين اللبنانية والسورية بالمسلرعة الى توثيق هوية هذه الاراضي وفقاً للأصول والإجراءات المعتبرة في القانون الدولي بشأن ترسيم الحدود. كما نرى أن من واجب المقاومة الاسلامية الإعلان الصريح عن انها لا تتطلع الى أي دور يتجاوز حدود لبنان ويتعارض مع الاجماع اللبناني.
أن سلاح المقاومة في رأينا هو شأن لبناني بامتياز، ينبغي معالجته وفق روح اتفاق الطائف وفي معزل من المداخلات الخارجية.
على صعيد آخر، لا نرى أي ارتباط وظيفي بين سلاح المقاومة اللبنانية وسلاح المخيمات الفلسطينية. فهذا الاخير تنتفي الحاجة اليه مع عودة الدولة اللبنانية الى الإضطلاع بمهامها الأمنية والسيادية فعلياً بعد اتفاق الطائف.
إن أمن المخيمات الفلسطينية جزء من أمن المناطق اللبنانية الأخرى، وينبغي معالجته بالتفاهم المباشر بين الحكومتين اللبنانية والفلسطينية، ضمن سيادة القانون اللبناني كما نص اتفاق الطائف، وكما أقرّ بذلك أخيراً رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير السيد محمود عباس. كل ذلك لا ينطوي على أي علاقة شرطية مع حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، المدنية والإنسانية، التي ينبغي أن يتمتعوا بها ليس فقط وفقاً لشرعة حقوق الانسان، بل أيضاً بما يتناسب مع روح الاخوة والتقدير المتبادل.
ثانياً: التعاطي مع انسحاب الجيش السوري وأجهزته الاستخبارية من لبنان باعتباره المدخل الضروري لتصحيح العلاقات اللبنانية – السورية، على قاعدة: أقصى درجات التعاون والتضامن، واوضح صور السيادة والاستقلال.
ثالثاً: المحافظة على الإنجاز المتمثّل في الاجماع الوطني على مرجعية اتفاق الطائف؛ وذلك بالشروع في حوار وطني معمّق، لجلاء مضامينه الميثاقية ورفع الالتباسات التي لحقت به نتيجة التطبيق الكيفي.
رابعاً: المحافظة على الإنجاز الوطني المتمثل في النهضة الشعبية المباركة التي أحيت الأمل في نفوس اللبنانيين؛ وذلك باحترام إرادة الناس، والذهاب دون تباطؤ إلى انتخابات نيابية، ديموقراطية حرة ونزيهة، مبرّأة من أي ضغط أو تلاعب، تفضي إلى صورة تمثيلية صادقة.
أن الوفاء للبنان يقتضي منّا الاصرار مع جميع اللبنانيين على معرفة الحقيقة، كل الحقيقة، حول اغتيال الرئيس الحريري، من خلال تحقيق دولي مستقل.
أن السيادة والاستقلال في لبنان مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالوحدة الداخلية. وهذه الوحدة لا تقوم إلا على الأسس الميثاقية ومبدأ الشراكة في الوطن والمصير. لقد عرقلت سنوات الوصاية وممارسات “الدولة الامنية” مسيرة المجتمع اللبناني، نحو الوفاق الوطني وبناء الدولة والاكمئنان الى المستقبل، وها نحن اليوم، افراداً وجماعات، أمام فرصة تاريخية لتجسيد صورتنا الذاتية والجماعية في اطار الانتماء اللبناني، بقرار حرّ نابع من ارادتنا.
في هذا السبيل، نتوجه الى عقد لقاء شيعي عام برفقة العلامة السيد محمد حسن الامين، بتاريخ 21 نيسان 2005، ليقول هذا اللقاء كلمته حول انتمائه الشيعي في اطار الوطن اللبناني وتحت مرجعية وثيقة الوفاق الوطني. كما نأمل ان يطلق هذا اللقاء دينامية تفاعل وحوار داخل الطائفة الشيعية وفي علاقتها مع الشركاء في الوطن؛ وهو ما يليق بتاريخ الطائفة الشيعية في إطار الاستقلال اللبناني. هذا التاريخ الموسوم بالتنوع والديموقراطية والولاء للبنان.
عاش لبنان