كيفما توصلت نتائج التحقيق في حادث البارحة الذي اودى بحياة اربعة شبان في وادي خالد، ثمة مشكلة يجب ان تدرس في ضوء الكلام الذي سمعناه من الاهالي طوال يوم امس حول الكيل بمكيالين في لبنان لا بل في منطقتين متجاورتين ! فالقوة الامنية المشتركة في الشمال التي مثلت مطلباً اساسياً للاستقلاليين لمنع تهريب السلاح من سوريا الى جماعاتها، ولا سيما ان قسما لا بأس به من افراد “فتح الاسلام ” اتوا الى مخيم نهر البارد من سوريا عبر الحدود الشمالية، بعضهم عبر الطرق الفرعية غير الشرعية، وبعضهم عبر المعابر الحدودية. وإذا كانت القوة الامنية المشتركة وفي سياق قيامها بمهماتها الاعتيادية لمراقبة الحدود وضبطها قد ارتكبت خطأ ميدانيا كبيرا بقتل الشبان الاربعة في حادثين منفصلين، ولو بداعي مكافحة تهريب الممنوعات، فإن الخطأ الاكبر لا يأتي من القوة الامنية المشتركة على الحدود الشمالية بمقدار ما يأتي من نمط الكيل بمكيالين في لبنان بأسره. فالشباب في الشمال يتحدثون عن الحدود المفتوحة تهريبا عند جيرانهم في المقلب الشرقي من الحدود، من الممنوعات الى السلاح بكل الانواع الى تنقل المطلوبين وبعضهم بمئات مذكرات التوقيف، ولا الجيش ولا القوى الامنية تتحرك، بل ان الكثير مما يحصل هناك يحصل تحت لافتات ما يسمى “مقاومة”! وعندها يختفي كل اثر للجيش اللبناني. او يتحول الى شرطة سير على الطرق.
ليس مهما ان يكون لقائد الجيش العماد جان قهوجي مجموعة مواقف (“النهار” الجمعة) حول جهوز الجيش لمواجهة اي اهتزاز امني. لأن الكلام التقني هو بالتحديد الكلام الذي لا يفيد اللبنانيين في هذه المرحلة. المهم ان يشعر اللبنانيون بصدق اللهجة الحازمة الحاسمة وان يعامل الجميع امام القانون بالمساواة.
وبهذا المعنى ثمة من يعتبر ان تهريب بضائع او ممنوعات ليس اخطر على البلد من ادخال خمسين الف صاروخ، او تهريب مئات الخبراء الايرانيين اما من مطار بيروت عَبر المدارج غير المراقبة الى الضاحية الجنوبية لبيروت، او من طريق الحدود الشرقية من البقاع الغربي الى اقاصي قضاء الهرمل، او الانتشار بالسلاح في مناطق تماس ديموغرافي، او بناء قواعد عسكرية مموهة بمجمعات سكنية في كل مكان.
وثمة من يعتبر ان رد فعل الجيش وسرعة اطلاق النار في وادي خالد كان في ود اللبنانيين لو شهدوا مثله في مناسبات مثل حرب الحلفاء في برج ابو حيدر حيث اطلقت اكثر من خمسين قذيفة صاروخية في اقل من ساعتين في الاحياء السكنية لعاصمة لبنان. وثمة من سيسأل ماذا عن رد فعل الجيش حيال اغتيال نقيب طيار بطائرته فوق ارض لبنانية او حيال بقاء قتلته طليقين.
ان الامن الوطني ليس وجهة نظر. و هنا تجدر الاشارة الى ان حديث قائد الجيش في “النهار” البارحة كان خطوة جيدة بعد هذا الغياب الفاضح امام مسلسل التهديدات المكتوبة المرئية والمسموعة التي انهالت على رؤوس اللبنانيين. ولكنها خطوة ناقصة لأن من يقرأ بين السطور بالكاد يرى حزما حقيقيا او حتى تصميما على مواجهة ما يحضر من سيناريوات حربجية. كما تلفته الاشارة الى المناطق المسيحية بعبارات تحتمل تأويلات غير مستساغة. والحال ان الجانب التقني حول الانتشار العسكري ليس مطلب الناس بل معرفة ما اذا كانت النار على المسلحين او شلل الدراجات النارية المسلحة بالعصي والبلطات التي سيكون هدفها ترويع الآمنين العزل؟
ان المسألة المطروحة تتعلق بازدواجية المعايير وكأن العالم صار بالمقلوب: جميل السيد يمارس عصيانا سعيدا على القضاء بحراسة مسلحي “حزب الله”. اما مي شدياق فتمثل امام القضاء في دعوى اقامها السيد ضدها. اربعة شبان يقتلون في وادي خالد اما لجنة التحقيق الدولية فيعتدى عليها تحت انظار الامن الرسمي مثلما حدث في الاعتداء على قوات “اليونيفيل” في الجنوب ومثلما تحولت مديرية مخابرات بيروت قبل اسابيع الى مشيخة صلح بين ميليشيات اللون الواحد التي تحاربت لساعات طويلة في الاحياء السكنية بالسلاح المتوسط.
املنا ألا تصح مخاوفنا مما هو آت.
ali.hamade@annahar.com.lb