إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
في الشهر الماضي، قام أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح، بحل البرلمان. ولم يكن حل السلطة التشريعية أمرًا غير مألوف – فقد تم حلها ثلاث مرات منذ يونيو 2022 واثنتي عشرة مرة منذ عام 2006 – إلا أن الأساس المنطقي للحل هذه المرة كان غير متوقع. وخلافًا لما كان عليه الحال في الماضي، لم يكن المبرّر هو لعبة شد الحبل بين الحكومة والبرلمان المنتخب. بل كان الدافع هو خطاب ألقاه أحد أعضاء البرلمان (النائب عبدالكريم الكندري) انتقد فيه الأمير، وبالتالي انتهك ذات الحاكم “الذي لا يجوز انتهاكه” بموجب الدستور الكويتي. ومن المقرر الآن إجراء انتخابات في الرابع من إبريل/نيسان. ولكن بعد عقود من الجمود السياسي، يخشى بعض الكويتيين أن يكون برلمانهم المقبل هو الأخير، خاصة إذا ظل على نفس القدر من الإرادة القوية والعنيدة. الأمير الذي نفد صبره على التجربة الديمقراطية لبلاده قد يعتقد أن الوقت مناسب للحكم بالمراسيم. إذا كان الأمر كذلك، فإن الكويت ستكون قد انحدرت إلى نفس الحكم المطلق الملكي/ الأميري الذي يتجسّد في جيرانها في الخليج.
بعد عقود من تحريرها من الاحتلال العراقي، فإن حقيقة تحوّل الكويت إلى الدولة العربية التي تتمتع بأفضل فرصة للتحول الديمقراطي التدريجي السلمي قد تبدو أمراً سخيفاً في نظر بعض المراقبين. للوهلة الأولى، تبدو الكويت دولة ريعية ثرية، وتمتلك سادس أكبر احتياطي نفطي في العالم، وتحكمها إمارة وراثية، وتقع في الثقب الأسود الاستبدادي للخليج العربي. ويبدو أن سلالتها الحاكمة التي يعود تاريخها إلى قرون مضت تشبه المملكة العربية السعودية أو قطر في أولوية الشؤون التنفيذية. يعين أمير الكويت رئيس الوزراء وحكومته، كذلك يسيطر على المؤسسات المالية والشرطة والقضاء. يستخدم الشيوخ ثرواتهم الهائلة ونفوذهم لتأمين إقطاعياتهم الخاصة داخل الاقتصاد وفي وزارات الدولة، مما يضمن احتفاظ عائلة الصباح بمكانتها على قمة الدولة.
ومع ذلك، فإن تشابه الكويت مع دول الخليج العربية الأخرى ينتهي عند هذا الحد. تتمتع السياسة الكويتية بسمات ليبرالية توفر للمواطنين مجموعة مذهلة من الحقوق المدنية والسياسية. منذ ما قبل استقلال الكويت في عام 1961، كانت الهوية الوطنية والثقافة تتمحور حول القاعدة المقدسة المتمثلة في أن عائلة الصباح لا يمكنها أن تحكم دون موافقة شعبية. ويشكل هذا العقد الاجتماعي أساس النظام السياسي الهجين في الكويت: حيث يمكن للكويتيين التصويت في الانتخابات التشريعية، ونقد المسؤولين الضعفاء، وتنظيم احتجاجات صاخبة – وهي إجراءات لا يمكن تصوّرها في دول خليجية أخرى.
لقد كان المجتمع المدني الكويتي دائماً موطناً للمنتقدين الصاخبين لحكم الصباح، مع ما صاحب ذلك من فساد وتجاوزات. لقد قام الكويتيون بتقليص الدوافع الاستبدادية للنظام الأميري بمرور الوقت، بإلغاء الرقابة على الصحافة وإنهاء الممارسات القمعية الشديدة. ومن خلال القيام بذلك، جعلوا من الممكن تصوّر مستقبل ديمقراطي تقبل فيه أسرة الصباح دورًا رمزيًا بحتًا. وهذا ما يفسر أيضًا سبب وجود القليل من الحماس الثوري، على عكس ما هو موجود في البحرين والمملكة العربية السعودية، حتى بين الأقلية الشيعية التي يبلغ قوامها ربع السكان: يميل المواطنون الكويتيون إلى رؤية قيادتهم على أنها أكثر تسامحًا من العائلات القبلية الحاكمة الأخرى في الخليج.
وتهدد الأزمة التشريعية المستمرة، هذا النموذج لأنها تمس البرلمان، والذي هو محور النظام السياسي في الكويت. وتعتبر السلطة التشريعية المكونة من مجلس واحد، والتي تضم خمسين نائبًا منتخبًا يخدمون لأربع سنوات، بمثابة هيئة رائدة في المجتمع. وتجلب كل انتخابات نواب مستقلين مختلفين إلى هذا المزيج، والذين (بما أن الأحزاب محظورة) يجسدون تيارات اجتماعية وسياسية أوسع. وتشمل التجمعات المعتادة في البرلمان، التجار الأثرياء، والتقدميين الحضر، وممثلي الشيعة، والأصوات القبلية، والحركات الإسلامية. وكثيراً ما يدخلون في مشاجرات مختلفة، وتؤدي وجهات نظرهم المتباينة إلى تغير خطوط المعارضة. فالكتل المحافظة التي تطالب بالفصل بين الجنسين في الفصول الدراسية، قد تنضم إلى الليبراليين في معارضة التقشف المالي. ومع ذلك، يظل معظمهم حذرين من الحكومة ويؤيدون البرلمان باعتباره يجسد الهوية التعددية للكويت: فبدون هذه المؤسسة المقدسة، لن تكون الإمارة مختلفة عن نظيراتها في الخليج. ومن عام 1976 إلى عام 1981 ومن عام 1986 إلى عام 1991، قام الأمير السابق الشيخ جابر الأحمد الصباح بتعليق العمل بالبرلمانَين المشاكسَين، ثم أعادهما في المرتين بعد احتجاجات شعبية. وفي الواقع، وأثناء الاحتلال العراقي، وعد المنفيون الكويتيون بدعم حاكمهم المنفي، فقط إذا تعهد بإعادة البرلمان بمجرد استعادة حكمه.
كل هذا يجعل الخلاف الأخير أكثر حدة. فالبرلمان الكويتي يتمتع بسلطة أكبر من المجالس الصورية في الدول العربية الأخرى. هذا البرلمان يجب أن يوافق على الحكومة المعينة من قبل الأمير، والنواب يجب أن يصوتوا على كل مشروع قانون. ويمكن للنواب أيضًا استجواب أي وزير وبصورة علنية، ويمكنهم تقديم اقتراحات بعدم التعاون مع الحكومة، مما قد يؤدي إلى انهيار الحكومة أو تعديلها. وبالتالي، يتطلب وضع القوانين في الكويت توازناً دقيقاً بين النظام الأميري والبرلمان. ويحتاج الأمير لتنصيب الحكومة وكذلك التصديق على القوانين، إلى موافقة البرلمان، والتي يتم الحصول عليها من خلال صفقات خلف الكواليس وعن طريق المساومات السياسية. ومع ذلك، منذ أواخر العقد الأول من القرن الماضي، أصبحت تجمعات النواب للتنسيق مع الحكومة مثيرة للجدل لدرجة أن هذا التنسيق أصبح مستحيلاً، مما أدى إلى الدخول في طريق مسدود.
واتهم النواب الحكومة بعدم الكفاءة والفساد، ورفضوا التشريعات التي تدعمها الحكومة وأصروا على استجواب الوزراء، بما في ذلك رؤساء الوزراء الذين هم من أسرة الصباح. لقد أثبتت جهود الأمير السابقة لتسهيل المزيد من التعاون مع البرلمان عدم نجاحها، وأدت إلى حل البرلمان بصورة متكررة، وإلى حدوث تعديلات حكومية متكررة – ثمانية تعديلات منذ عام 2020 وحده.
توفر مثل هذه المآزق سياقاً للأزمة الأخيرة. وفي خطابه الناري، ألقى النائب عبد الكريم الكندري باللوم على الأمير في الأزمات السياسية الخانقة المستمرة والتي أصابت عملية تشريع القوانين بالشلل. لكن كلماته كانت أقل أهمية مما تلاها. وعندما تحرك رئيس البرلمان لحذف هذا القدح من مضبطة البرلمان، صوت 44 من النواب لصالح الإبقاء على كلام الكندري، وهو رقم مرتفع بشكل مذهل في ضوء الانقسامات السياسية والطائفية في البرلمان. الحكومة الجديدة – على الرغم من تشكيلتها التكنوقراطية في برئاسة رئيس الوزراء الإصلاحي الشيخ محمد صباح السالم، الذي وعد بإعادة ضبط المزاج المنقسم – أصبحت غارقة في العداء المتبادل المعتاد. وقد أشار النواب بالفعل إلى مقاومة المبادرات الاقتصادية التي اقترحتها الحكومة، بما في ذلك فرض ضرائب غير مباشرة وضرائب على الشركات مع تقليص برامج الرعاية الاجتماعية السخية. ومع سرعة توتر العلاقات، كان لدى الأمير عذر سهل لحل البرلمان.
هل سيؤدي هذا إلى استعادة الحياة السياسية الطبيعية؟ لا يبدو ذلك. على مدى العقدين الماضيين، كانت المواجهات البرلمانية مع السلطة الحاكمة مدفوعة بالثأر الشخصي والانقسامات الراسخة على الجانبين. لقد فشلت الانتخابات المبكرة في تزويد السلطة الحاكمة بسلطة تشريعية مرنة يمكن مداهنتها أو رشوتها لإطاعتها. وفي الوقت نفسه، أدى الجمود غير المثمر إلى تأخير الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها، بما في ذلك التنوّع الاقتصادي. كما أنها سمحت لفساد السلطة وسوء الإدارة بالتفاقم، مما أدى إلى حجب البنية التحتية لقطاع الأعمال الذي كان مزدهرا في الكويت مقابل النجاح الباهر الذي حققته المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة.
ويخشى بعض المراقبين الكويتيين الآن من “الخيار النووي”: وهو أن يعلق الأمير عمل البرلمان إلى أجل غير مسمى، ويحجب إمكانية إعادته إلى أن يتعهد النواب المتوقع نجاحهم بالتعاون. إن خطاب الأمير مشعل نفسه، والذي يظهر القليل من الصبر على الطبيعة الفوضوية للسياسة الكويتية، يوحي بذلك. على عكس العديد من الحكام السابقين، لم يصل الأمير مشعل للسلطة من خلال ترأسه وزارة الخارجية أو تبوئه رئاسة الوزراء، بل كان يتبوأ مناصب في الأجهزة الأمنية، حيث كان رئيسًا لأمن الدولة (مدير المخابرات الداخلية) ورئيسا للحرس الوطني. وفي خطابه في مجلس الأمة/ البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2023 في مراسم تنصيبه أميرا للبلاد، هاجم الشيخ مشعل بعنف الحكومة السابقة والبرلمان بسبب تعنتهما المتبادل، محذرًا من أن هذا يضر بمصالح الشعب الكويتي. حتى أنه رفض ممارسات سلفه الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح – الذي شغل في عهده منصب ولاية العهد لكنه كان الحاكم الفعلي بسبب مرض الأمير نواف منذ عام 2021 – لتوقيعه مشاريع قوانين عفو تمحو السجلات الجنائية لعشرات المعارضين السياسيين في محاولة من الشيخ نواف لكسب البرلمان وإظهار نوايا حسنة تجاهه. في المحصلة، كان هذا الهجوم مثيرا للصدمة، فيما بنيت قوانين العفو على تصريحات سابقة شيطنت المعارضة السياسية.
وأظهرت سلطة الحكم الجديدة إشارات أخرى مثيرة للقلق وغير ليبرالية. فبعد وقت قصير من حل البرلمان الأخير، تسربت شائعات مفادها أن وزارة الداخلية تخطط لسحب حق التصويت من العديد من المواطنين المتجنسين، وبالتالي تقليص عدد الناخبين بعدد يبلغ 300 ألف ناخب من العدد الكلّي البالغ 800 ألف. وبعد ذلك – أو ربما بسبب الضجة التي أحدثتها الشائعات – أوضحت الحكومة أنها تخطط فقط لاتخاذ إجراءات صارمة ضد شراء الأصوات وضد الإنتخابات الفرعية غير القانونية. وهذا من شأنه أن يزيد من مخاطر الإنتخابات المقبلة المقررة في 4 إبريل القادم. وقد رشّح معظم النواب في البرلمان السابق، بمن فيهم رئيس البرلمان المسن أحمد السعدون، أنفسهم لإعادة انتخابهم. وباستثناء الحدث غير المحتمل المتمثل في التزوير الصريح للانتخابات، والذي حدث فقط في عام 1967، فمن المرجح أن يكون البرلمان القادم مشاكساً مثل البرلمانات السابقة.
ستواجه الكويت في هذا الصيف حساباً ديمقراطياً مختلفا. فإذا قام الأمير بتعليق عمل البرلمان، فقد يندلع صراع ملحمي في الشوارع والصحافة. على مدى أجيال، كانت الكويت الدولة الليبرالية المتطرفة في الخليج العربي، حيث كان مجتمعها المدني النابض بالحياة وهيئاتها التشريعية المنتخبة دليلاً على أن الممارسات الديمقراطية يمكن أن تزدهر في مواقع غير متوقعة.
واليوم، يتحسر بعض الكويتيين المحافظين – بما في ذلك معظم كبار أفراد العائلة الحاكمة الذين يقودون أسرة الصباح – على نموذجهم بالمقارنة مع التطور الموجود بين أقرانهم في الخليج. وهم يشكون من أن الكويت تتراجع، ويشيرون إلى مخططات العولمة والرؤية التحديثية لأمراء الخليج الآخرين الذين يستطيعون تجديد دولهم بحرية، دون أن تعيقهم معارضة منتخبة. استضافت قطر كأس العالم، وتقوم المملكة العربية السعودية ببناء مدن ضخمة بقيمة تريليون دولار، وأصبحت دبي وأبوظبي مراكز سياحية وتجارية. وفي الوقت نفسه، تواجه الكويت صعوبات في إقرار حتى قوانين الموازنة البسيطة.
ومع ذلك، فحتى في الوقت الذي يشتكي فيه معظم الكويتيين من نظامهم البرلماني المعطل، فإنهم يرفضون فكرة وجود بديل أكثر استبدادية. من منصات وسائل التواصل الاجتماعي الناقدة إلى الصحف الأكثر تأييدًا للحكومة، كانت هناك دعوات قليلة صريحة لإنهاء الحياة البرلمانية. يدرك الكويتيون أن السياسات الديمقراطية ليست فعالة دائمًا، لكنهم يؤكدون أن التنازل عن حقهم في تشكيل عملية صنع القرار في الدولة أمر غير قابل للتفاوض. للتغلب على عداء السلطة للديمقراطية، نجح النشطاء السياسيون دائمًا في توسيع الحريات المدنية والسياسية، وإلغاء منع برلمانيين سابقين من الترشّح، وتفعيل حق التصويت الذي طال انتظاره للمرأة في عام 2005، وإنهاء حملة القبضة الحديدية التي أطلقها الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد آنذاك على المعارضة خلال احتجاجات الربيع العربي. لقد حققوا إنجازات عن طريق حشد الدعم في جميع أنحاء المجتمع المدني والصحافة، ومن ثم الضغط على سلطة الحكم لاحترام التعددية التي ميزت الأعراف والمؤسسات الكويتية منذ فترة طويلة.
سوف تشكل الأزمة الأخيرة اختباراً لهذا الالتزام وستوفر نافذة على معركة ضخمة من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط. ويضع هذا الصراع، البرلمان المقاوم وقاعدته الشعبية في مواجهة مع سلطة الحكم. إن الكيفية التي ستسير بها الأشهر القليلة المقبلة يمكن أن تشكل صورة مثيرة للاهتمام في رحلة الكويت الديمقراطية – أو قد تكون نهايتها.
*شون إل. يوم، هو أستاذ مشارك في العلوم السياسية في جامعة تمبل، وزميل أول في برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية.