يواجه حزب الله في هذه المرحلة تحدياً كبيراً يزداد خطورة يوماً بعد يوم ويتلخص بازدياد المظاهر الاجتماعية والأمنية السلبية في المناطق التي يشكل فيها الحزب قوة مؤثرة فيها، وتمتد هذه المظاهر من الضاحية الجنوبية الى البقاع والجنوب وبعض المناطق في جبل لبنان.
ورغم الحملات السابقة التي اطلقها الحزب لمواجهة هذه الظاهرة (حملة النظام العام من الإيمان، وأسرتي سعادتي، وتعزيز القيم الاجتماعية)، تزداد الأجواء السلبية خطورة، وهي تتجلى في العديد من المظاهر، منها:
1- ازدياد ظاهرة تعاطي المخدرات وانتشارها بين الشباب والطلاب ووصولها الى العديد من القرى والمناطق الجنوبية.
2- عدم احترام النظام العام، واللجوء الى السلاح واطلاق النار لمعالجة المشاكل، وآخرها ما حصل في مركز الميكانيك في الحدث، اضافة الى حوادث الانتحار والقتل.
3- انتشار المجموعات الشِّللية والشبابية في الأحياء والقرى، التي تقوم بممارسات مسيئة عبر سهرات تدخين النرجيلة أو قيادة الدراجات النارية.
4- التعدي على الأملاك العامة والمشاعات وعدم احترام الخصوصيات وحقوق الناس.
5- ازدياد بعض المظاهر الاجتماعية الخطيرة كالدعارة والأمراض النفسية وعمالة الأطفال.
وقد تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وبعض مسؤولي الحزب خلال السنوات الماضية عن بعض هذه الظواهر وضرورة العمل على مواجهتها، لكن حتى الآن لم تنجح كل الخطط والحملات التي نُظِّمت لوقف هذه المظاهر، بل ازدادت انتشاراً وبدأت تنتشر الأخبار والتقارير عنها في وسائل الاعلام المختلفة والحديث عنها في المجالس واللقاءات العامة والخاصة.
فما هي أسباب ازدياد الظواهر الاجتماعية والأمنية السلبية؟ وهل يعاود حزب الله اطلاق الحملات الداعمة للنظام العام أم انه يقف عاجزاً في مواجهة الظواهر؟
أسباب الظواهر السلبية
يتحدث العديد من المعنيين في الضاحية الجنوبية والجنوب عن الأسباب التي أدت الى ازدياد الظواهر السلبية والاجتماعية والأمنية في السنوات الأخيرة، ومن أبرز الأسباب التي يُشار إليها:
1- تراجع حضور الدولة ومؤسساتها في بعض هذه المناطق نظراً إلى الظروف السياسية والأمنية، رغم أن حزب الله قد سعى في السنوات الأخيرة إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية الرسمية لتعزيز حضورها في هذه المناطق، ما أدى إلى كشف العديد من شبكات الاتجار بالمخدرات والدعارة، لكن لا تزال هناك أحياء شبه مقفلة من قبل «مجموعات عائلية» أو بسبب حسابات اجتماعية وعملية.
2- بروز التفاوت الاقتصادي والمالي بين العديد من الفئات في هذه المناطق، فمن ناحية هناك بعض المجموعات التي تمتلك امكانات مالية وقدرات مميزة تدفعها إلى صرف الأموال لشراء السيارات والثياب والذهاب الى المطاعم والمقاهي واقامة الحفلات المكلفة، ومن ناحية أخرى هناك فئات اجتماعية تعاني الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة وتنتشر في أوساطها البطالة والحاجة إلى المساعدات المالية.
3- نشوء مجموعات شِللية لها ارتباطات عائلية أو محمية من شبكات خاصة لها علاقة بتجارة المخدرات أو لديها امتيازات معينة وتتولى إقفال بعض الأحياء أو السيطرة على مناطق معينة وتعرقل دخول أجهزة الدولة ولا يستطيع حزب الله مواجهتها والاصطدام بها.
4- تراجع مظاهر التدين في أوساط الشباب والفتيات وتحول الالتزام الديني الى مظاهر شكلية وخصوصاً على صعيد «الحجاب والمودرن» أو الاكتفاء ببعض المظاهر الدينية السياسية من دون ان يتحول التدين الى انتماء اخلاقي وفكري حقيقي، وضعف دور علماء الدين والجهات المعنية في التوجيه الثقافي والديني وبروز بعض الظواهر السلبية في بعض الأوساط المتدينة، ما أدى الى فقدان صدقية هذه الأوساط في التأثير على المجتمع.
حزب الله والمعالجة
لم يقف حزب الله مكتوف الأيدي امام الظواهر الاجتماعية والأمنية السلبية، فخلال السنوات الماضية قام الحزب بالعديد من الحملات والخطوات للوقوف بوجه هذه المظاهر، ومنها اطلاق حملة «النظام من الإيمان» وحملة «اسرتي سعادتي» وأنشأ المؤسسات والجمعيات المتخصصة لمتابعة هذه الحملات، ومنها «جمعية قيم» و«جمعية مودة»، إضافة إلى تخصيص مؤسسات واقسام داخل الحزب لدراسة هذه الظواهر ووضع الخطط لمواجهتها.
كما حرص الحزب على التعاون مع مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية لمكافحة شبكات تجارة المخدرات والدعارة. وأكد العديد من المسؤولين الأمنيين، وخصوصاً في قوى الأمن الداخلي المساعدات الهامة التي قدمها الحزب للأجهزة الأمنية (رغم وجود بعض الخلافات ذات البعد السياسي مع بعض مسؤولي هذه الأجهزة) لمواجهة تجار المخدرات.
لكن رغم كل هذه الجهود فإن المظاهر السلبية ازدادت ووقف الحزب عاجزاً في بعض الأحيان عن محاصرتها والوقوف بوجهها، وكل ذلك يتطلب إعادة النظر بأسباب هذه الظواهر وكيفية العمل لمواجهتها، وهذا يحتاج إلى خطة متكاملة لا تقتصر على مؤسسات الحزب، بل لا بدّ ان تشمل كل مؤسسات الدولة والأجهزة الرسمية والبلديات والوزارات والجمعيات والهيئات الاسلامية والمدنية والاجتماعية.
وقد يكون السبب الأعمق في ازدياد هذه الظواهر (كما عبّر احد الاعلاميين في مقال له في جريدة «الأخبار») ما يسمى «موت أو تراجع مفهوم الدولة». وهذه مشكلة عامة في لبنان ولا تقتصر على منطقة دون أخرى. ومن المعروف كذلك أن أي مجتمع يعاني من الحروب والصراعات العسكرية سواء مع قوى خارجية أو داخلية وبعد انتهاء الحروب أو الصراعات تبدأ المشاكل بالبروز على الصعيد الداخلي.
اذن نحن أمام مشكلة كبيرة وخطيرة وحزب الله كما غيره من القوى السياسية والحزبية والدينية والجهات الاجتماعية، معنيون بالوقوف أمام هذه المشكلة والعمل لمواجهتها، وقد قامت حركة أمل منذ اسبوعين باطلاق حملة في جنوب لبنان لمواجهة ظاهرة إدمان المخدرات بعد ازدياد خطورة هذه المشكلة.
والمطلوب اليوم تعاون الجميع واطلاق الصرخة عالياً وعدم القبول تحت أي سبب بالسكوت عن أي ظاهرة سلبية سواء كانت اجتماعية أو أمنية، لأن «الجهاد الأكبر هو جهاد النفس» كما يعبر الحديث الشريف، أما الجهاد العسكري فهو الجهاد الأصغر، وهكذا تربينا وتعلمنا في المدرسة الإسلامية وعلى أيدي علماء الدين والعاملين الإسلاميين.
kassem_1960@hotmail.com
* كاتب لبناني
مجلة الأمان – 14/10/2011