سعد كيوان- “الشفّاف” بيروت
الدم الفلسطيني يسفك مرة جديدة على أيدي آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة، في أبشع تعبيراتها الهمجية!
إنها مجزرة بربرية تنفذها إسرائيل ضد مئات الآلاف من أهالي غزة العزل من دون تمييز. إنها حرب تنذر بمضاعفات يراد لها أن تخلط الأوراق في المنطقة. مآسٍ ومشاهد مرعبة تذكرنا بحرب تموز 2006 والضحايا التي أوقعتها، والدمار الذي أصاب لبنان من جنوبه الى شماله. لكن أوجه الشبه مع الأسف لا تقتصر على الجانب المأساوي.
إنها الحرب الثانية التي تشنها إسرائيل خلال سنتين ونصف السنة، والمرة الثانية التي تشن فيها إسرائيل حربا بعد أن يتم إستدراجها وتقديم الذريعة لها، المرة الأولى في 12 تموز 2006، عبر قيام “حزب الله” بخطف جنود إسرائيليين، وهذه المرة برفض حركة “حماس” تمديد التهدئة وأسئناف إطلاق الصواريخ التي “لا تثمن ولا تغني من جوع”، أو كمن يحاول خدش الفيل بأظافره، كما هو حاصل الآن!
الحرب الثانية هذه تؤكد بطبيعة الحال عمق الأزمة التي تتخبط بها إسرائيل، بعد حرب تموز ونتائج تحقيق “لجنة فينوغراد”، وعشية التحضير لإنتخابات مبكرة في العاشر من شباط المقبل، بعد إستقالة رئيس الحكومة ايهود أولمرت، وتعثر عملية المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية… ورغم ذلك تجمع القيادات الإسرائيلية على “خوض” معاركها الإنتخابات بشن الحرب على قطاع غزة.
في 12 تموز 2006 تعمد “حزب الله” خطف وقتل جنود إسرائيليين بحجة مبادلتهم بأسيرين لبنانيين. فعلته هذه تسببت بحرب دمرت لبنان من أجل إطلاق أسيرين، وبهدف تأمين تغطية لحليفته حركة “حماس” إثر قيام الأخيرة بخطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. بعدها إضطر السيد حسن نصرالله للإعتراف انه لم يكن يتوقع أن تشن إسرائيل حربا” بمجرد خطف جنود لها، وإنه لو كان يعلم لما أقدم على ما أقدم عليه!…
وفي هذه المرة، وقبل نحو أسبوعين من إنتهاء التهدئة التي إستمرت ستة أشهر بين إسرائيل و”حماس”، تعمدت الأخيرة إفشال الحوار الذي هيأت له مصر بينها وبين حركة “فتح”، رغم موافقة كافة الفصائل على المشاركة فيه. كما رفضت أيضا المساعي المصرية لتمديد التهدئة، وبادرت الى إطلاق الصواريخ وكأنها تتعمد إفتعال المواجهة مع إسرائيل. رغم علمها أن القيادات الإسرائيلية لجأت أكثر من مرة الى الهروب من مأزقها الداخلي وراحت “تخوض” إنتخاباتها بشن حرب على الفلسطينيين أو على لبنان، كما حصل في 1996 مع شيمون بيريز، رئيس الحكومة يومها، الذي إرتكب مجزرة قانا، وفي 2000 عندما مهد آرييل شارون للوصول الى رئاسة الحكومة بإقتحامه المسجد الأقصى، وكذلك فعل في 2003 و2004 بإقتحام الضفة الغربية ومحاصرة ياسر عرفات في مقر المقاطعة، في رام الله. وها هي أولى إستطلاعات الرأي في إسرائيل تفيد أن شعبية وزير الدفاع وزعيم “حزب العمل” يهود باراك إرتفعت الى 44 في المئة، على وقع الحرب على قطاع غزة.
كما أن الهدف الأبعد والأعمق من عملية الخطف التي أدت الى شن حرب تموز كان تكريس دخول إيران على خط المواجهة مع إسرائيل عبر جنوب لبنان، وعلى الأخص تحويلها الى لاعب أساسي في المعادلة الداخلية اللبنانية، بهدف تطويع القوى الإستقلالية، وتمكين طهران بالتالي من الإمساك بورقة هامة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة والغرب حول ملفها النووي. وفي ذلك الوقت كانت سوريا تقوم بمفاوضات سرية مع إسرائيل!
وها هو رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني يفصح، في خضم الحرب على غزة، بكل صراحة ووضوح عن نوايا إيران، التي تدعم وتمول “حماس”، أن “غزة هي جزء من الأمن القومي الإيراني” (؟!)، من دون أن نسمع أي تعليق من قبل “حماس” على هذا الإعلان الخطير. فهل تقبل أن تكون وقودا” لما بات واضحا” أنه مشروع إيراني في مواجهة مشروع إسرائيلي؟ وهل إستشارت “حماس” أهالي غزة قبل أن تقدم على ما أقدمت عليه، تماما كما لم يفعل “حزب الله” عشية إستدراجه الحرب على لبنان؟ أم أنها تريد تسليم الورقة الفلسطينية الى ملالي إيران إستعدادا” لمفاوضاتهم المزمعة مع الإدارة الأميركية الجديدة؟
كما ترافقت حرب تموز مع حملة التخوين التي شنّها “حزب الله” على كل من إعترض على إدائه في داخل لبنان، وحتى على من خالفه الرأي. فأصبحت الحكومة اللبنانية “حكومة فيلتمان” (السفير الأميركي السابق في لبنان) ورئيسها فؤاد السنيورة متواطىء مع العدو الإسرائيلي لدرجة أن نصرالله إتهمه يومها بالعمل على دلّ الإسرائيليين على المكان الذي يختبأ فيه! فيما تولى حليفه بشار الأسد إتهام “قوى 14 آذار” بأنها “منتوج إسرائيلي”، في الوقت الذي كان مبعوثه المفاوض إبراهيم سليمان يلقي خطابا” في الكنيست الإسرائيلي!
كذلك فعلت “حماس” منذ اليوم الأول لبدء الهجوم الجوي على قطاع غزة، إذ حملت على مصر متهمة إياها بالتواطؤ وعدم فتح معبر رفح، وإتهام بعض الدول العربية المعتدلة أنها كانت على علم بالهجوم الإسرائيلي. لكن حملة التحريض والتخوين السافرة والمنظمة جاءت على لسان نصرالله نفسه، منذ الساعات الأولى لبدء القصف الجوي، عندما دعا المصريين الى “تحدي الرصاص وفتح معبر رفح بصدوركم”، مراهنا” ربما على تحرك “الإخوان المسلمين”. وذهب نصرالله بعيدا” بتحريضه الضباط المصريين بالإنقلاب على القيادة المصرية التي توظفهم، كما قال، ك”حرس حدود إسرائيل”. إلا أنه إرتكب “فولا” فادحا” بدعوته سنة مصر الى “كربلاء حقيقية”!…
وسرعان ما تبنت كل القوى القومجية، والتي تدور في الفلك السوري-الإيراني، خطاب نصرالله وإتهاماته، وإنطلق التحريض وتهييج الشارع على مصر، وتسيير التظاهرات ضد السفارة المصرية في لبنان وفي أماكن أخرى. فيما راح البعض من “حماس” يشهِّر بالسلطة الفلسطينية وقياداتها، ويوجه التهم نفسها (التي وجهت الى السنيورة) الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه سعى الى دلّ الإسرائيليين على مواقع “حماس” ومخابىء مسؤوليها (!).
فهل أن من بين أهداف إستدراج العدوان وإطلاق حملة التخوين محاولة أسقاط السلطة الفلسطينية ومحمود عباس، عشية انتهاء مدة ولايته الرئاسية الجمعة المقبل، والتي دخلت عمليا في حالة فراغ بسبب الحرب القائمة؟ وإذا كان المقصود تكرار سيناريو حرب تموز، الذي يعتبرون أنه كان ناجحا”، فلماذا إذن الحملة على مصر طالما أنها تشكل الخلفية البشرية واللوجستية لفلسطينيي غزة، ومعبر رفح المنفذ الوحيد للقطاع؟
كان المطلوب من مصر على الأرجح أن تقوم بالدور الذي قامت به سوريا بالنسبة لـ”حزب الله” في لبنان، أي فتح المعبر أمام تدفق السلاح والذخيرة والمقاتلين، وبالتالي تحويل قطاع غزة الى “محمية” إيرانية… والمراهنة على قلب الأوضاع في الواقع العربي!
أما سوريا، التي يخيم الصمت على جولانها المحتل منذ أربعين سنة، فموقفها اليوم يراوح بين الصمت والتهويل، وتحيّن الفرص لتجميع الأوراق لتقديم نفسها، كالعادة، ك”مفاوض-وسيط” عندما يصلها اليوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. فهي من جهة تحرض عن بعد، وعينها من جهة أخرى على المفاوضات التي تريد أن تستأنفها مع إسرائيل، مفاوضات كانت تركيا قد أعلنت عن تجميدها (وليس سوريا) عند بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي.
أما بالنسبة الى لبنان، فقد “طمأننا” نائب الرئيس الإيراني سعيد جليلي من دمشق أن “حزب الله” لن يقوم بأي تحرك من الجنوب اللبناني بإتجاه إسرائيل “لأن إخوانه في فلسطين ليسوا بحاجة الى دعم”، ولكن النائب عن “حزب الله” محمد رعد هددنا أن الانتخابات اللبنانية المقبلة “ستشكل إمتدادا لحرب تموز”…
فهل المطلوب وقف إطلاق النار ودحر العدوان الإسرائيلي، أم إعادة الاحتلال الى قطاع غزة؟
المهم ألا يضطر رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” خالد مشعل، أمام مشاهد المجازر الجماعية البشعة، الى تكرار إعلان نصرالله: “لو كنت أعلم…”!
s.kiwan@hotmail.com
هل سيضطر خالد مشعل الى ترداد ما قاله نصرالله في حرب تموز: “لو كنت أعلم…”؟!كلنا دعونا لحماس أثناء العدوان ، لكن حان الآن وقت الحساب. لقد قامت حماس بمغامرة غير محسوبة آملة بالضغط على مصر من خلال الرأي العام والقوى الشعبية لفتح المعبر أو على الأقل جر مصر لصراع يصرف الأنظار عن المشكلة الإيرانية. والأصابع الأيرانية طبعا لا تخفى في هذه المسألة، وتؤكدها دعوة حسن نصرالله للجيش والشعب المصري أن ينتفض ، لكن خاب أمله فمصر أكبر من أن تنجر وراء كلام هذا الشيعي. وأقول هنا أين صواريخ إيران التي إدعت أنها تصل لإسرائيل، وأين الجيش السوري والقيادة السورية –… قراءة المزيد ..
هل سيضطر خالد مشعل الى ترداد ما قاله نصرالله في حرب تموز: “لو كنت أعلم…”؟!والله خالد مشعل رجل مقاومة مجاهد وقد سبق وتعرض للاغتيال يعني انه لو تمكن من الوجرد بغزة وكان له دور أكبر منها عن دمشق لكان كذلك ثانياً : ما حياة البشر الذين مات منهم، فإسرائيل تقتلهم منذ 1948 وليس من الآن وبسبب حماس ثالثاً : مثلما سبقه إلى ذلك قبل أيام زميله اسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقال والمتشبث بالسلطة، حتى ولو أُبيدت غزة «عن بكرة أبيها»! فقد جاء بانتخابات حرة نزيهة اختاره بإياها الشعب وليس كمثل كل رؤساء العرب المحترمين جداً أو الملوك والسلاطين التي… قراءة المزيد ..