في أواخر عام 2005 ظهر على التلفزيون السوري الشاهد المقنع وأماط اللثام عن شخصيته ليقول أن السياسيين اللبنانيين أغروه بالمال كي يشهد ضد سورية، وأن بعضهم كان يلقنه ما يجب أن يقوله للجنة التحقيق الدولية بغرض إدانة سورية في جريمة مقتل الحريري.
بالنسبة لي كان الأمر بمثابة تأكيد على أن النظام السوري هو من قتل الحريري بسبب الطريقة الغبية التي عمدوا إليها عبر دس الشاهد ليدلي بشهادة ثم الإعلان عن كذبه لإحراج الجهات التي تتبنى الشهادة، وكتبت وقتها مقالة عنوانها (ما بلعتها) تتحدث عن غباء مخابرات النظام.
اليوم تذكرت هسام هسام وأنا أشاهد الفضائية السورية تحتفي بالهدوء المسيطر على حلب، وتؤكد عدم وجود إطلاق نار في الميدان كما زعمت قناة الجزيرة (ذكروها بالاسم) وتلتقي مجموعة من الأشخاص في الشارع يتزاحمون أمام الكاميرا ليؤكدوا أن الوضع هادئ من الصباح، ولا يوجد أي إطلاق نار، و (هدول القنوات المغرضة بدن يخربوا البلد)، و (ما عنا هيك شي الله وكيلك، أنا هون من الصبح آه خيو وما شفت شي).
كان احتفاء الفضائية السورية مريباً، ولأنني لا أملك تأكيداً من مصدر موثوق بإطلاق النار، وجدت أن التبرير الوحيد لما حصل أن المخابرات السورية تعمدت توصيل خبر كاذب للجزيرة عبر طريق تثق به القناة، وانتظرت حتى يتم بث الخبر ثم لجأت لتكذيبه عبر التصوير للناس في الشارع.
لماذا اختارت حلب تحديداً؟
لأن المدينة الكبرى من ناحية عدد السكان بدأت تغلي، لكنها لم تنطلق مثل بقية المدن بعد، فكان لا بد من إظهار كذب القنوات الفضائية (الجزيرة تحديداً) لتثبيط عزيمة الناس والتأثير عليهم بحجة التحريض والأخبار الكاذبة ليمتنعوا عن التظاهر، خصوصاً أن الحلبيين يحسون بالذنب الآن تجاه ما يجري في سورية، ويبحثون عن أي علة –مهما كانت تافهة- ليبرروا أمام أنفسهم خوفهم الذي يمنعهم من نصرة إخوانهم.
نأمل أن يخرج الحلبيون سريعاً من حالة إنكار الواقع التي يعيشون فيها، وأن تعود حلب إلى أحضان سورية.
mahmoud@ceoexpress.com
* كاتب سوري