هل تجاوزت الأحداث القياديين في جنوب اليمن؟

0

في ظلّ التعقيدات اليمنية، تبرز القضية الجنوبية في ضوء اخراج التحالف العربي والدولي القوات التابعة للحوثيين، اي “انصار الله” والرئيس السابق على عبدالله صالح من كل المحافظات التي كانت تشكل في الماضي، حتّى العام 1990، “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” السعيدة الذكر.

ما حصل بعد تحرير عدن والمحافظات الجنوبية يطرح سؤالا في غاية الأهمّية: هل من قضية جنوبية؟ هل يمكن العودة الى الوضع الذي كان سائدا قبل الوحدة كما يطالب عدد لا بأس به من القيادات في الجنوب، بما في ذلك ما يسمّى “الحراك”؟

الواقع أنّه كانت هناك فرصة ليثبت قياديو الجنوب انّهم تعلّموا شيئا من تجارب الماضي وأنّه بات في استطاعتهم تقديم نموذج لدولة حديثة تصلح مثلا يحتذى به في المستقبل. والمستقبل يعني، بين ما يعنى، بقاء اليمن موحّدا او ان تكون هناك مجموعة اقاليم، كما خرج به مؤتمر الحوار الوطني… او ان يتحوّل اليمن دولا عدّة قادرة على التعايش في ما بينها، خصوصا ان هناك من يؤمن بأنّ حضرموت يجب ان تكون كيانا مستقلا يمتلك كل مقوّمات الدولة.

المؤسف ان القيادات الجنوبية لم تكن في مستوى المسؤولية في مرحلة ما بعد تحرير عدن. لم يحصل اي تطوّر يصبّ في اتجاه تشجيع الإنفصال او الدفع في اتجاه جعل الجنوب مكانا يلجأ اليه اليمنيون الهاربون من ظلم الحوثيين والنظام المتخلّف الذي يسعون الى فرضه على اهل صنعاء بشكل خاص.

ما يحصل في عدن دليل على الفشل الذي تعاني منه القيادات الجنوبية التي فقدت قدرتها على التأثير على الأرض، كما يبدو ان الأحداث تجاوزتها. هناك ما يشير الى وجود جو عدائي للقوات التي حرّرت عدن والتي استطاعت ان تجد موطئ قدم على ارض اليمن للحكومة الشرعية وللسلطة التي يقف على رأسها الرئيس الإنتقالي عبد ربّه منصور هادي. جاء عبد ربّه في زيارة تفقّدية لعدن في مناسبة عيد الأضحى ثم غادرها. امّا رئيس الوزراء خالد بحّاح، الذي هو في الوقت ذاته نائب رئيس الجمهورية، فقد مكث مع عدد من الوزراء بضعة ايام في عدن. ما لبث بحّاح ان غادر المدينة بعد الإعتداء ذي الطابع الإرهابي الذي استهدف مقرّ اقامته.

لا يمكن وضع كل اللوم على الرئيس الإنتقالي او على نائب الرئيس. هناك مسؤولية تتحمّلها كلّ القيادات الجنوبية التي بات عليها التعاطي مع الواقع القائم والإجابة عن سؤال في منتهى البساطة. هذا السؤال هو: هل في استطاعة هذه القيادات الإعتراف بالواقع والسعي الى قلبه، ام ان قوى التطرّف التي راحت تنتشر في عدن وكل المحافظات الجنوبية ابتداء من صيف العام 1994، تاريخ فشل المحاولة الإنفصالية التي قادها علي سالم البيض. كان البيض وقتذاك نائبا لرئيس مجلس الرئاسة في دولة الوحدة، التي اُعلنت من عدن، والأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني، الشريك الجنوبي في الوحدة.

يبدو من واجب القيادات الجنوبية الإعلان عن موقف صريح من الأحداث، خصوصا من محاولات المتطرّفين الإسلاميين فرض نمط حياة يؤمنون به على عدن. كان آخر دليل على ذلك فوضى السلاح في المدينة وفشل كلّ المساعي الهادفة الى عودة الحياة الطبيعية اليها. تميّزت الأيام القليلة الماضية بمحاولة المتطرفين منع الإختلاط بين الجنسين في جامعة عدن بقوة السلاح في غياب اي سلطة يمكن ان تقف في وجه التخلّف الذي يريدون فرضه على اهل المدينة.

لا شكّ ان العناصر المتطرفة التي شاركت في قمع حركة الإنفصال في 1994 لعبت دورا في تغيير طبيعة المجتمع في المحافظات الجنوبية، خصوصا في عدن. هذه العناصر التي شاركت في الحرب ارادت تحقيق مكاسب على الأرض. شملت هذه المكاسب الإستيلاء على بيوت اراض، بما في ذلك بين البيض وعلي ناصر محمّد في عدن. لا بدّ من الإعتراف ان كلّ المحاولات التي بذلها على عبدالله صالح، بعد 1994، من اجل بقاء عدن منفتحة لم تحقّق النتائج المرجوّة. اراد الإخوان المسلمون والسلفيون، ثمّ “القاعدة” الآن، ايجاد موطئ قدم في عاصمة الجنوب التي كانت في ستينات القرن الماضي متقدّمة حضاريا ومدنيا على معظم مدن شبه الجزيرة العربية. كان طموح السلطان قابوس، قبل ان يتسلّم الحكم في العام 1970، جعل مسقط في مستوى عدن التي كان يتوقف فيها لركوب الباخرة التي ستنقله الى بريطانيا التي تابع فيها تعليمه.

بين الإستقلال في 1967 والوحدة في 1990، كان تاريخ اليمن الجنوبي سلسلة من الحروب الداخلية توجت بما يسمّى “احداث الثالث عشر من يناير 1986” التي كانت تعبيرا عن حرب اهلية ولا شيء آخر غير ذلك وعن انهيار للنظام القائم.

تكشف التطورات التي تشهدها عدن والمناطق الجنوبية الأخرى ان لا مجال لعودة الإنفصال. هناك قوى جديدة تتحكّم بالوضع. هذه القوى شنّت عمليات ارهابية استهدفت قوّات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، التي قدّمت مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين شهداء من اجل تخليص الجنوب من الهيمنة الإيرانية المباشرة التي يعبّر عنها “انصار الله”.

يُفترض في القادة الجنوبيين، جميع القادة، من علي سالم البيض الى علي ناصر محمّد، مرورا بحيدر ابو بكر العطاس وعشرات آخرين، تحمّل مسؤولياتهم بدل الهرب منها. هل لدى هؤلاء مشروع لليمن الجنوبي او لليمن كلّه؟ هل في استطاعتهم السيطرة على الأرض وطرح خيارات في شأن كيفية مواجهة “القاعدة” ومن على شاكلتها من “داعش” واخواته واخوانه؟

في غياب مثل هذه الخيارات يمكن التوصل الى خلاصة فحواها ان لا امل من الإستثمار في الجنوب وان التحوّل الذي طرأ على مجتمعه من النوع الميؤوس منه. اي انّ لا امل في اصلاح الوضع بعدما بات التطرّف في كلّ مكان، بما في ذلك عدن التي تأسّس فيها ناد لكرة المضرب (تنس) في العام 1902 من القرن الماضي، اي قبل ما يزيد على مئة وعشر سنوات!

واجب القادة الجنوبيين مصارحة اليمنيين اوّلا هل في استطاعتهم مواجهة التطرّف ام لا؟ واجبهم الإعلان صراحة هل في الإمكان معالجة الوضع القائم ام انه واقع لا عودة عنه وان ما فرضه التطرّف ابتداء من العام 1994 بات يمثّل حقيقة الجنوب اليمني. ليقل القادة الجنوبيون هل من امل في عمل شيء ام لا… او على الأصح هل في استطاعتهم عمل شيء، ام المطلوب البحث عن بدائل منهم كي يمكن استكمال الحرب على الإرهاب بكلّ اشكاله؟…

اترك رد

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading