هل معلوماتنا عن الأنبياء دقيقة؟
يتحدث «غولن»، عن مدى دقة المعلومات التاريخية المتوافرة في مختلف المراجع عن الأنبياء، بأن الكثير من المعلومات المتداولة ليست فوق مستوى الشك وبقول: «إننا لا نعرف بالضبط لا عدد الأنبياء المرسلين إلى شبه جزيرة العرب ولا الأنبياء المرسلين إلى أي قطر آخر من أقطار الدنيا. وسواء أكان عدد الأنبياء 124 ألفا أم 224 ألفا فإننا لا نعرف من بينهم سوى 28 نبيا، ومعرفتنا في حق ثلاثة من هؤلاء قاصرة، وفيها شبه وعلامات الاستفهام. أجل فالقرآن الكريم يخبرنا عن 28 نبيا فقط بدءا من آدم، عليه السلام، وانتهاء بنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، ولا نعرف في الأغلب أين ظهروا، فمثلا يقال إن قبر آدم عليه السلام موجود في مدينة «جدة»، ولكن لا نعرف مدى صحة هذا القول، فالروايات التي تتحدث عن لقاء آدم عليه السلام مع أمنا حواء في جدة ليست روايات بلغت درجة الصحة. لذا فلا نعرف أين بدأ آدم، عليه السلام، حياته وأدى وظائف نبوته».
ويقول عن بعض الأنبياء ومنهم إبراهيم وموسى: «نستطيع أن نقول إننا نعرف شيئا أكثر حول إبراهيم، عليه السلام، إذ ساح في بابل وفي الأناضول ثم ذهب إلى سورية، ونحن نظن أن النبي لوط عليه السلام أدى مهمته بين قومه عاد وثمود حول بحيرة لوط «البحر الميت». كما نستطيع القول إننا نعرف أن شعيبا، عليه السلام، كان في مدينة «مدين» وأن موسى، عليه السلام، نشأ في مصر، ونستطيع القول إن يحيى، عليه السلام، وزكريا، عليه السلام، عاشا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ومن المحتمل أنهما انتقلا إلى الأناضول، فالآثار الموجودة في «أفس» والمتعلقة بعيسى، عليه السلام، وأمه مريم، عليها السلام، تشير إلى هذا، ولكن جميع هذه الروايات لا ترقى إلى مرتبة الثبوت والقطعية».
ويختتم غولن تحليله بالقول: «وإذا استثنينا هؤلاء الأنبياء الثمانية والعشرين فإننا لا نعرف الأمكنة التي نشأ فيها الأنبياء الآخرون، وهكذا يتبين أننا لا نستطيع الحصول على معلومات موثوق بها في هذا الموضوع، ولا سيما عندما تكون آثار تلك الأديان قد اندثرت، وانمحت آثار النبوة فيها، لذا تصعب معرفة مجيء نبي أو عدم مجيئه في هذه الحالات».
الأديان وخطر التحريف
ويؤكد «غولن» في هذا الفصل كذلك أن الكثير من الأديان قد تعرضت للتشويه والتحريف، ولهذا «زال الجانب الإلهي منها وانمسح، لذا أصبح من الصعب جدا معرفة عما إذا تم إرسال نبي إلى المجتمع الفلاني أو المنطقة الفلانية أو إلى القطر الفلاني أم لا».
هل كان كونفوشيوس أحد الأنبياء؟
يجيب غولن: «من يدري فقد يكون كونفوشيوس نبياً، ونحن لا نقول هذا على وجه القطع والتأكيد. وتاريخ الأديان لا يعطي هنا ما يشفي الغليل، فالمعلومات التي يقدمها ليست إلا معلومات مبتورة ومجزأة، ولكننا نعرف من التاريخ وجود «كونفوشيوس» و«بوذا» وأنهما أتيا بدينين وأن أتباعهما كثيرون، ونعلم أيضا أن شذوذا وأخطاء كبيرة موجودة في هذين الدينين، وأنهما بعيدان عن الفطرة السليمة وعن السنّة الإلهية. لذا نشاهد فيهما عبادة للبقر وإحراق النفس والدخول في فترة صيام تبلغ ستة أشهر واللجوء في هذه الفترة إلى المغارات.
لذا لا يمكننا قبولهما كدين، ولكن ربما كانا في السابق دينين حقين ثم أصابهما التحريف والتبديل والتغيير، كما حدث للمسيحية.
لا نستطيع أن نقول إن «كونفوشيوس» كان نبيا لأن إسناد النبوة إلى غير نبي كفر يماثل الكفر الناشئ من إنكار نبوة نبي، وما قلناه بخصوص «كونفوشيوس» وبلده وارد بالنسبة إلى أوروبا أيضا، ولكننا لسنا متأكدين لأننا لا نعلم شيئا».
هل كان سقراط من الأنبياء؟
ولا يلتفت «غولن» في هذا الموضع كما أشرنا إلى مسألة لاهوتية أو منطقية تحتاج إلى بيان وتفسير، إذ كيف تستطيع هذه الشعوب والأمم من البشر أن تحرف تعاليم الدين وتشوه الرسالات المرسلة لهداية الإنسانية وتعريفها سواء الصراط؟ وكيف نجحت مساعي المحرفين والمضللين في هذا المجال فاستطاعوا طمس الهداية الإلهية؟
ينتقل «غولن» بعد ذلك إلى قضية مثيرة للجدل، ويقول إن سقراط، الفيلسوف اليوناني المعروف، ربما كان نبيا!
يقول: «هناك أقوال حول سقراط، ولكن حياته لم تنتقل إلينا بشكل كامل، فهل كان فيلسوفا تأثر باليهودية أم كان رجل فكر آخر؟ لا نعلم شيئا أكيدا، فبعض المفكرين يرونه فيلسوفا متأثراً بالفكر اليهودي، ولكن الوثائق التاريخية لا تعطي مثل هذا الانطباع عنه، يقول سقراط- حسبما ينقله لنا أفلاطون- عن نفسه:
«يتراءى أمام عيني بعض الأشياء- قد تكون خيالات- وهي تلقنني بعض الأمور لإرشاد البشرية، وكنت أعلم وأنا بعد صبي بأنني مكلف بإرشاد الإنسانية وتوجيهها نحو الله». فإذا كان ما جاء في كلامه شيئا من الحق فإنه كان يعد نبيا للمجتمع الأوروبي القريب من العقل والفلسفة، ولكن يجب الانتباه هنا فإننا لا نقول إن سقراط كان نبيا، لأنه لو لم يكن نبيا لكان قولنا هذا كفرا، ولكننا نقول من المحتمل أنه كان نبيا». (ص101).
هل كان بين الأنبياء امرأة؟
ولما كانت النساء جانبا مهما على الأرجح من جمهور الداعية فتح الله غولن، فقد وجد نفسه مضطرا إلى الإجابة عن السؤال المتوقع، لماذا لا توجد امرأة بين الأنبياء، رغم انقسام البشر إلى ذكر وأنثى؟ يجيب «غولن»:
«وبالنسبة إلى ظهور الأنبياء من النساء أو عدم ظهورهم فإن علماء وفقهاء أهل السنّة والجماعة وجمهور المحدثين يقولون بعدم ظهور نبية. والروايات الواردة بنبوة مريم وآسيا، عليهما السلام، روايات شاذة وغير قوية والنتيجة المستخلصة هنا حول هذا الموضوع هي عدم وجود حكم قطعي حول ظهور أنبياء من النساء».
والداعية «غولن» موقن أن المرأة لا تصلح نبية! ولكنه لا يريد إحراج النساء «الغولانيات» الشديدات التدين والإيمان، ويلجأ إلى تفسير كوني شامل لتكامل دور المرأة مع دور الرجل لا التساوي!
ويقول: «إن عدم مجيء نبية لا يعد نقصا، فالله تعالى خلق الأشياء كلها على أساس الموجب (+) والسالب (-) فالأشياء المتشابهة تتنافر، وفي أجزاء الذرة لولا وجود قوة كبيرة تمسك هذه الأجزاء لكان من المفروض أن تتنافر الأجزاء المتشابهة. وهذا القانون نراه جاريا اعتبارا من أجزاء الذرة ووصولا إلى المجرات، أما الإنسان المتألف من ذرات فهو عنصر توازن بين العالم الصغير (الذرة) وبين العالم الكبير (الكون)، فيتبع القانون نفسه. أي يجب أن يكون فيه زوجان مختلفان اثنان لكي يتم التجاذب بينهما، فالضعف والحنان من أحدهما والقوة من الآخر هي التي أدت إلى تآلفهما وتكوينهما العائلة».
استحالة ظهور النبوة بين النساء
ويهاجم الداعية المطالبين بحرية المرأة ومساواتها بالرجل، ويقول إن النتائج الاجتماعية لانتشار هذه الدعوة كانت وخيمة: «إن تحويل المرأة إلى رجل، أي صنع امرأة مسترجلة لم يعد اليوم يقابل إلا بالسخرية أو الامتعاض. وبعد أن أخرجوا المرأة من أنوثتها وجعلوها مسترجلة بدأت تخاصم الرجل، ففقدت العائلة رئيسها وطمأنينتها، وفقد الأبناء جو العائلة، لأنهم وضعوا في المحاضن وفي دور رعاية الأطفال، أما الآباء والأمهات فهم في جو آخر يركضون وراء متعهم».
ثم يستدل بذلك للإجابة عن سؤال نبوة المرأة: «هذا القانون الإلهي العام في خصوص المرأة يتجلى أيضا في موضوع هل يمكن أن تأتي نبية أم لا. ثم إن المرأة تلد، ولو كان الرجل يلد أيضا لكان من الضروري عدم مجيء نبي من بين الرجال لأنه سيعجز عن أداء واجب النبوة ما يقرب من 15 يوما في الشهر بسبب الحيض، ويعجز عن الصوم والصلاة والإمامة، أضف إلى ذلك مدة النفاس، أما في فترة الحمل فإن أداء وظائف النبوة سيكون أصعب، لأنه سيستحيل عند ذلك الاشتراك في المعارك، وفي الحضن أو في البطن طفل، ويصعب وضع الخطط العسكرية والإدارية في هذه الحالة من الوضع الجسدي، بينما يجب على النبي أن يكون في الصف الأول في المعارك».
ويقول باختصار: «كل هذه الأمور جعلت من المستحيل ظهور نبية من بين النساء، وكل هذه المواقع الجسدية والوظيفية لدى المرأة تجعلها قاصرة في عبادتها بسبب كونها أماً تلد وتعتني برضيعها، بينما النبي شخص يقتدى به ومرشد كامل يسترشد به وإمام وقائد، أما ما يخص النساء من أمور فإن نساء النبي كن مصدر التبليغ والإرشاد والتعليم». (ص104).
هل اقتنع الأتراك من أتباع «غولن» بهذه الأدلة ووجدوا فيها إجابة شافية لاستفسارهم؟ الأمر متروك للقارئ والقارئة وأتباع الداعية «غولن».