حين يطلع المتابع على لائحة” المستدعين” إلى دمشق يشعر بالعتب على الرئيس سليم الحص الذي له تاريخ في المعاناة الشخصية مع النظام السوري من موقعه في السراي القديم حين ترأس أولى حكومات عهد الرئيس إلياس سركيس. ويزيد في العتب أن الرجل ذو وزن معنوي بناه بما عكسه في ممارسته السياسة من قيم كبرى أساسها تمسكه ببناء الدولة وتمتين دور مؤسساتها،ورفضه الصامت لهيمنة الوصاية.
ربما بعده عن الحكم ،وابتعاده عن السياسة بقراره الشهير، انساه مواقفه المبدئية هذه، فطمأن اللبنانيين إلى أن “علاقة الاسد جيدة مع المسؤولين اللبنانيين وليس لديه اي ملاحظة عليهم” وزاد في التطمينات بقوله أن الأسد “راض عن تصريحات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي”.
لم يكتف الحص بإهانة اللبنانيين في سيادة دولتهم، بل أساء إلى السوريين حين وصف ما يجري، منذ منتصف آذار الفائت، بأنه إشكالات. كثيرون غيره من ذيول نظام الوصاية يعزفون النغم نفسه ،ولا عتب عليهم لأن صنعتهم وموئلهم عودة الوصاية وإيهام أنفسهم باستمرارها. لكن حين تنسب إلى الرئيس الحص ،صاحب المعاناة والآلام مع هذا النظام لايعود الآمر جريمة معنوية، بل خطأ قاتل يستمر في الذاكرة.
المعنى المضمر لتقديم الدعم للنظام بحجة دفاعه عن العروبة (والممانعة والمقاومة) أن الشعب السوري الذي يقمعه هذا النظام، قابل للخنوع للعدو الاسرائيلي وراغب في التنازل عن الجولان والقضية الفلسطينية برمتها، ولم يعرف العروبة إلا عندما تولت عائلة البعث الحكم وفرضت القمع ومسحت الديموقراطية.
أما في الشق اللبناني ، فالسؤال: من أعطى الرئيس السوري هذه الدالة على لبنان واللبنانيين ، ومن غير آله في لبنان ورعاياه السياسيين ينتظر منه أن ينظر بعين العطف والرضا إلى هذا الوطن الصغير، وهل جار الزمان على بكركي ،في عهد البطريرك الجديد، حتى يسطع ألقها بعبارة تبريك من قصر المهاجرين؟
ليس العتب على نظام دمشق .فلكل بلد أطماع ومصالح .لكن اللوم ،كل اللوم،على طاقم سياسي منحرف وطنيا ، ليس الحص منه بالتأكيد وإن سجلت عليه هذه الهفوة القاتلة.وحالهم تذكر بقول شعبي هو “الله لا يلعن من يسب الناس بل الذي يجعل الناس تسبه”. وفي التاريخ العربي اقصوصة مفادها أن أحد الخلفاء بلغه أن واليه في إحدى المناطق يمعن ظلما في الرعية ، فأوفد إليه رسولا ليتحرى الأمر.ولأن الموفد صديق الوالي سارره بشكوك الخليفة فما كان منه إلا أن استدعى كبار معاونيه ووجهاء الولاية وطلب منه مراقبة أفعالهم، فكان يطلب منهم القيام بحركات وأفعال لا يفعلها سوى الولدان فيفعلون بلا تردد.عندها التفت الوالي إلى الرسول سائلا :هل سمعت من أحدهم إعتراضا فرأيتني أعاقبه.كان يكفيني أن يقول أحدهم لا لأتراجع.
اللبنانيون قالوا لا للوصاية في 14 آذار لكن بعضهم يحن إليها ولا يصدق أنها لن تعود وأن سوريا الغد لن تكون كما الأمس.ومن يريد الحرية والديموقراطية فيها لن يكون إلا مع الحرية والديموقراطية في لبنان .
rached.fayed@annahar.com.lb