إذا صحّت معلومات موقع “التيار” العوني عن ظروف إعتقال الجنرال كرم، فلا يستطيع المرء سوى أن يتوجّه بالشكر إلى “فرع المعلومات” الذي “رفع رأس لبنان عالياً”، والذي يمكن أن تكون معاملته للجنرال كرم (الذي نحترم “قرينة البراءة” بشأنه، ولا نعتبره أكثر من مشبوه..) بداية نوع جديد من “سياحة السجون” بعد “السياحة الطبّية” التي درجت حديثاً في عصر “العولمة”!
وقد أضاف “الشفاف” صورة الكتاب الذي قال موقع “التيار” أن الجنرال كرم يقرأه بالفرنسية تشجيعاً للسياح الفرنسيين الذين يرغبون في قضاء “إجازة إعتقال” في لبنان!
تقرير “التيّار” لا يتّهم فرع المعلومات حتى “تلميحاً” (“وَلَو؟”) بـ”ضربة” كفّ” أو “نكعة” أو “دفشة” أو غيرها من الألعاب الفولكلورية المألوفة في التحقيقات بلبنان وغيره من بلدان “الأمة” العربية!! الإعتراض الوحيد في ما يبدو هو أن “تكييف الهواء مركزي”!! يبدو أن كاتب التقرير لم يمضِ ولا ليلة في فندق فينيسيا، حيث التكييف مركزي أيضاً، وحيث يمكن أن “تجلّد” لأن إدارة الفينيسيا تخفّض الحرارة إلى درجة “البرّاد” لأن زبونات الخليج تعودوا على العيش “مبوّظين”!
تصوّر لو أن ملايين السجناء العرب طلبوا “قضاء محكوميتهم” في لبنان، وكم سيدرّ ذلك على لبنان بعد الموسم السياحي الحالي الذي “عطّلته” تصريحات السيد حسن نصرالله المتوالية؟
بعد هذا التقرير عن سجن فرع المعلومات، لا نخفي أنه راودتنا شكوك (إن بعض الظن إثم..) أن الكاتب ربما قبض من وسام الحسن ومن وزارة السياحة! (صورة المقال للعقيد وسام الحسن تقديراً لجهوده السياحية).
*
ها هي زنزانة فايز كرم وهكذا يعامله فرع المعلومات.العائلة تحمّل السلطات مسؤوليته الصحية و”التغيير والإصلاح” يسأل الحكومة عن المخالفات
مارون ناصيف –
في الثالث من آب الفائت، أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد المتقاعد فايز كرم بعد الإشتباه بتعامله مع إسرائيل. وبعد الإنتهاء من التحقيق معه أحيل على النائب العام الإستئنافي القاضي سعيد ميرزا وبعده على مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر لينتهي به الأمر مع قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا. جلسة إستنطاقية أولى أجريت مع الموقوف، في الثاني عشر من آب لحقتها ثانية في الثلاثين منه، وكانت سبقت هذه الأخيرة المواجهة الأولى المنتظرة مع الأهل قبل ستة أيام. أربع مواجهات مع عائلته حصلت خلال أيام الثلثاء، الخميس والسبت المخصصة للأهل، ومواجهتان فقط مع وكلاء الدفاع أيام الإثنين الأربعاء والجمعة، وبالطبع تمّ ذلك بإشراف أمنيي الفرع وحضورهم كل ذلك تحت عدسات كاميرات المراقبة. واللافت أن عناصر الأمن يمنعون خلال المواجهات كل من يحاول أن يطرح على الموقوف سؤالاً على صلة بالقضية من قريب أو بعيد، قائلين “هذا السؤال ممنوع كونه يتعلق بسرية التحقيق والمسموح فقط الإطمئنان على الصحة العامة كما الإستفسار عن الحاجات وما هو مطلوب تأمينه من ملابس وغيرها”.
مكان التوقيف هو غرفة تحت الأرض في مبنى المعلومات في الأشرفيه، أما الزمان فمعزول عنه الموقوف نهائياً، إذ منع من الإحتفاظ بساعة يده على إعتبار أنها معدنية وهي من الممنوعات داخل السجن نظراً الى الخطر الذي قد تشكله على سلامته إذا أراد تعذيب نفسه. سارع الأهل على الفور وإستبدلوها بأخرى مصنعة من مادتي البلاستيك والمطاط إلا أن آمر السجن رفضها من جديد. الغرفة مظلمة بحسب ما كشفته أوساط العائلة لـtayyar.org ولا شبّاك فيها، وأكثر ما يزعج الموقوف أنها مكيفة مركزياً، فلا يستطيع التحكم بدرجات الحرارة الأمر الذي يشعره أحياناً بالبرد والصقيع. يمضي العميد الموقوف غالبية أوقاته بممارسة هواية المطالعة، وقد قرأ حتى اللحظة كتابان، أولهما عن سيرة حياة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، والثاني مترجم الى الفرنسية للكاتب روبيرت غرين وعنوانه
les 48 lois du pouvoir Power -.
وبما أن الموقوف يعاني على الصعيد الصحي مشاكل عدة في الضغط والقلب وغيرها وبالتالي تلحق نوعية الأكل في السجن الضرر به، تكشف المعلومات عن حلّ تمّ التوصل اليه في الآونة الأخيرة بين العائلة وفرع المعلومات، يقضي بتولّي الفرع شراء بعض المأكولات والمعلبات التي يطلبها الموقوف وذلك من خلال الأموال التي يضعها الأهل في أمانات السجن. وفي الإطار عينه، تشير المعلومات أيضاً إلى أن كرم طلب مؤخراَ من الأهل صحوناً كرتونية للتخلص من تلك البلاستيكية المعطاة له في السجن ومن عناء جليها.
مخاطر صحية عدة
صحياً، مخاطر عدة تهدّد حياة كرم الذي إعتاد جسمه على المشي والسباحة الصباحية اليومية، أولاً عملية القلب المفتوح التي كان خضع لها في العام 2007 وما تتطلبه تلك من عناية وظروف حياة دقيقة، وثانياً المياه السوداء التي يعاني منها في عينيه والتي، إذا إستمر معزولاً عن الشمس لفترة طويلة قد تحرمه من حاسّة النظر، أما ثالثاً فالخوف من معاودة إصابته بمرض ال tuberculose الذي ضرب جسمه حين أوقف حوالى خمسة أشهر في سجن المزة في سوريا بعد عملية 13 تشرين الأول 1990، وذلك نتيجة الرطوبة السائدة في السجن والبعد عن الشمس في آن معاً، هذا فضلاً عن الآلام الحادة في عاموده الفقري. وفي هذا السياق تكشف المعلومات أن الموقوف تقدم من آمر السجن بطلب السماح لطبيبه الخاص الدكتور نبيل الطويل أن يكشف عليه ويعاينه الأمر الذي رفض على الإطلاق من قبل فرع المعلومات الذي وعد بدوره بتأمين طبيب لهذه المهمة ولكن حتى اللحظة لم يتخط الأمر إطار الوعود فقط.
العائلة: الفرع مسؤول عن صحته
مرتاح جداً رشاد سلامه وكيل الدفاع عن العميد الموقوف لناحية قضية كرم ، خصوصاً أن الأخير تحفّظ خلال جلسات التحقيق الإستنطاقي على إستعمال كلمة “عميل” وعبارة “المشغل الإسرائيلي” طالباً شطبها من محاضر التحقيق. إلا أن هذا الإرتياح يقابله لدى سلامه خوف ورعب من حالته الصحية، فيقول لـtayyar.org “لقد طلب موكلي منذ أكثر من أسبوعين الإنتقال الى سجن روميه كونه لم يعد يحتمل صحياً البقاء في سجنه الحالي، ولقد سمعنا وزير الداخلية والبلديات زياد بارود يقول إن الملف أحيل على قاضي التحقيق الأول، ليتبين لنا فيما بعد أن الوعود الرسمية لم تطبق كما النصوص القانونية الأمر الذي يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات”. ويسأل سلامه “بما أن التحقيق الإستنطاقي مع العميد المتقاعد أصبح بحكم المكتمل، ونحن اليوم في حال ترقب صدور قرار قاضي التحقيق الأول، ومن المرجح عدم إجراء جلسة إستنطاقية ثالثة معه، نستغرب بقاءه لدى فرع المعلومات من دون وجود أي سبب قانوني”.
مصادر متابعة أشارت الى أن سلامه تقدّم في الثالث من آب الفائت، بطلب الى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية يتضمن تفاصيل الملف الصحي الدقيق والشائك لموكله، طالباً فيه نقله الى سجن آخر يتمتع فيه بالعناية المطلوبة تحت إشراف أحد الأطباء، ومحمّلاً والعائلة المسؤولية الكاملة عن أي عارض صحي لـ”كرم” الى الجهة التي يكون موقوفاً لديها.
التغيير والإصلاح يسأل الحكومة
وفي سياق متصل كشف النائب أبراهيم كنعان لـtayyar.org أنه وبعد التشاور على طاولة تكتل التغيير والإصلاح سيتقدم بسؤال الى الحكومة خلال الأسبوع الجاري حيال المخالفات والتجاوزات الأمنية التي رافقت عملية توقيف العميد كرم والدور الذي لعبته السلطة السياسية أي الوزارات المعنية في هذا المجال، هذا بالإضافة الى سلوك رؤساء الأجهزة الأمنية وتحديداً فرع المعلومات”.
حتى ولو نقل كرم الى سجن روميه المركزي فلن يكون هناك بحسب ما تشير اليه المعطيات إلا في سجن فرع المعلومات أيضاً الذي إستقبل قبله الضباط الأربعة، لأن قيادة الجهاز المذكور ترفض التخلي عنه، ولكن، إذا ثبتت عمالة فايز كرم في نهاية المطاف و”هو الصيد الأمني الثمين” بحسب وصف الكثيرين، يجب المحافظة على حياته للإستفادة من كل كلمة يعترف بها خلال التحقيقات وبعدها المحاكمة عن تفاصيل عمالته مع إسرائيل والمعلومات التي قد يكون أدلى بها، وبالطبع هذه المحافظة تتم بعيداً عن منطقي الزنزانات الإنفرادية تحت الأرض وعدم إحاطة الموقوف بالرعاية الصحية المطلوبة.