خاص بـ”الشفاف”
يقيم التيار الوطني الحر هذه السنة قداساً في ذكرى ١٣ تشرين ١٩٩٠، بعد ان كان قد اغفل المناسبة لسنوات. وكان حرياً به ان يكبت الذكرى، ويدفع بها الى طي النسيان. لأنه لا بد للمشاركين في القداس ان يتذكروا ما جرى في ذلك النهار المشؤوم، ويتذكروا من الذي قتل الشهداء الذين يُصلّى على راحة نفسهم. وربما يقع بعضهم في ازمة ضمير. إذ كيف سيبررون في قرارة نفسهم التحالف الذي يقيمونه اليوم مع القاتل؟ وماذا سيقولون للشهداء؟ انهم سقطوا عن طريق الخطأ بنيران صديقة؟
التبرير المألوف الذي يُستعمله العونيون يقول: اننا حاربنا سوريا عندما كانت في لبنان، وقد خرجت منه، وبالتالي لم يعد من خلاف معها، وطوينا الصفحة.
وهذه حجة ضعيفة. فهل خرجت سوريا فعلاً من لبنان؟ اتذكر جيداً كلام العماد عون عندما كان يقول انه اذا أخرجت سوريا جيشها من لبنان فانه سيبقى لها جيش رديف هو جيش حزب الله. وهذا ما حدث فعلاً. أخرجت سوريا جيشها من لبنان سنة ٢٠٠٥، لكن نفوذها استمر من خلال حلفائها المسلحين الذين سرعان ما توسّعت صفوفهم بانضمام التيار الوطني الحر اليهم.
طبعاً، في ذاكرتهم الانتقائية، يتناسى العونيون هذا الكلام. ويتناسون مئات المواقف المبدئية الواضحة التي طالما رددوها وتفاخروا بها، والتي تتناقض بالكامل مع مواقفهم الحالية.
ولم يكتفِ الرفاق بطي الصفحة، بل ذهبوا ابعد بكثير. اقاموا تحالفاً استراتيجياً مع سوريا وايران. حتى انهم اصبحوا جزءاً من المنظومة الاقليمية التابعة لايران. واصبحوا يجاهرون بعدائهم للغرب وللقيم الغربية.
وعندما تسألهم عن التناقض بين مواقف الامس ومواقف اليوم، يجيبونك بعصبية اصبحت علامتهم الفارقة، عصبية العالم الذي ضاق ذرعاً بالجاهل، ان السياسة ليست جامدة، وان المواقف التي صدرت عن العماد عون بين ١٩٨٨ و ٢٠٠٦ كانت مرتبطة بزمانها، وتجاوزتها الاحداث، ويجب ان نتعامل معها بتحفظ. وان العماد عون تخطى مواقفه القديمة، واصبح يرى الصورة بوضوح اكبر، واتخذ المواقف التي تتناسب مع المرحلة الجديدة.
نفهم من ذلك ان مرحلة كاملة، مرحلة ما قبل ٢٠٠٦، ينبغي تجاهلها واخفاؤها تحت البساط كما نخفي الاوساخ على عجل. عجباً، عذارى السياسة تحولوا الى بسمارك وبدأوا يحاضرون في السياسة الواقعية!
هناك اذن عون ما قبل ٢٠٠٦ وعون ما بعد ٢٠٠٦. وهما مختلفان الى حد التناقض. فأيهما الصحيح؟ واذا كان عون قد اخطأ لثمانية عشر عاماً، فهذا يعني ان عون، صاحب الرؤيا، ليس معصوماً عن الخطأ. وما من شيء يمنع ان يكون مخطئاً ايضاً في السنوات الخمسة الاخيرة.
والأطرف هو عندما يتحدث العونيون عن الممانعة، ويتذرعون بها لتبرير تحالفهم مع سوريا ودفاعهم عن نظامها في الحرب التي يشنها على شعبه. تسألهم: وما لكم انتم والممانعة؟! وكيف دخل هذا التعبير وغيره من المفردات التافهة في قاموسكم؟ واذا كانت سوريا قلعة الممانعة، تُرى ألم تكن كذلك سنة ١٩٨٩ عندما اعلن العماد عون حرب التحرير عليها؟ حسب هذا المنطق، فإن سوريا كانت في لبنان لضرورات الممانعة، وما ادراك ما الممانعة، ولحماية خاصرتها. فلماذا لم يتفهم العماد عون هذا الامر حينذاك؟ ولو فعل لوفّر على اللبنانيين جولة اضافية من الحرب، ولبقي الجنود الذين يُصلّى اليوم في ذكراهم على قيد الحياة.
kamal.yazigi@hotmail.com
جامعي وكاتب لبناني
اليوم الأسود: بالفيديو:
http://www.youtube.com/watch?v=RluoTloS2vM