جرت فى الايام الماضية مباراة ملاكمة على مستوى المحترفين فى الوزن فوق الثقييل.. بطلاها وزير المالية الليبى الاستاذ حسن مختار زقلام ألذى إنتصر فى جميع مبارياته السابقة. و متحديه محافظ بنك ليبيا المركزى الاستاذ الصديق الكبير.
وتكون طاقم التحكيم من السيد رئيس وأعضاء المجلس الانتقالى.
وسأقدم لكم البطلين واحدا بعد الاخر.
فى الطرف الايمن وقف المحاسب القانونى السيد رقلام الذى لم يهزم أبدا من قبل. والذى يتولى المراجعة القانونية والخبرة المالية لمعظم الشركات الاجنبية العاملة فى ليبيا والتركية منها على وحه الخصوص. يحيط به طاقمة التدريبى برئاسة السيد رئيس الوزراء، ومساعدوه.
فى الطرف الايسر وقف السيد الصديق الكبير وحده لانه لا يتمتع بسمعة حسنة وتلوك الالسنة سمعته بسبب علاقته بالعديد من رجال الاعمال المرتبطين بالعهد السابق وبسبب علاقته باللجان الثورية لقيامه بالتجسس لصالحها على الطلبة الليبين الدارسين بالولايات المتحدة الامريكية حينما كان طالبا بها، ولانه حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات أمام المحاكم فى ليبيا بسبب مخالفته للعرف المصرفى. والذى عين نفسه أخيرا عضوا بمجلس إدارة أحد المصارف البحرينية التى تشارك ليبيا فى ملكيتها ورضى أن يكون تابعا لشخص بحرينى فى حين يرفض أن يكون تابعا لرئيس وزراء ليبيى.
إليكم أحداث المباراة كيف سارت.
بدأت بهجوم نارى من وزير المالية حين إشتكى من النزيف المتواصل للارصدة الليبية من العملات الصعبة عن طريق تهريبها اليومى عبر الحدود, وتدخل فى أختصاصات غريمه وإقترح سحب العملات الورقية من فئه الخمسين والعشرين دينارا وطالب بتطبيق هذه الاجرائات بسرعة، وهاجم إزدواجية مهمات البنك المركزى المتضاربة فى كونه بنك البنوك التجارية ومشرفا علينها مع أنه يملك كل البنوك التجارية الاربعة الكبرى، وأعطى الحكَم نتيجة الجولة الاولى لوزير المالية. وفى اليوم التالى إستمع إلى نصحه وأصدر قرار السحب فى موعد لا يتجاوز نهاية هذه الشهر. كما نشر موقع “ليبيا المستقبل” منذ يومين.
وبشراسته المعهودة لم يقبل الخصم قرار الحكم وأعلن أن أجل سحب العملة الورقية الخمسينية باق إلى الموعد الذى حدده فى يوم 16 فبراير الحالى، أما الورقة العشرينية فباقية فى التداول إلى أجل غير مسمى وأنه لن يتم تغيير أى عملة أخرى. أما قرار المجلس الانتقالى فغير ملزم له وليفعل به من أصدره ما يشاء. لان موضوع النقود أختصاص أصيل لمصرف ليبيا المركزى لا يشاركه فيه أحد. قد يستطيع المجلس الانتقالى أن يقيل محافظ البنك لكنه لا يستطيع أن يملى عليه سياسة معينة ولا يستطيع أن يتخذ القرارات بالنيابة عنه.
انسحب طاقم التحكيم خوفا على نفسه. وإلتفت السيد الوزير إلى الركن الخاص به فلم يجد مدربه ولا مساعديه إنسحبوا وتركوه يواجه المجهول وحده. بعد أن سقط بالضربة الفنية القاضية. وعليه الان أن يستقيل أو وينسحب كما وعد قبل المباراة.
وإن شاء البقاء فبإمكانه أن يفعل أشيائا كثيرة. تضمن له الفوز فى المنازلات القادمة أهمها أن يبوح بالاسرار.
وأولها أنه يستطيع أن يكشف خفايا التعاقدات الكبرى التى أبرمتها الدولة الليبية فى شكلها القديم مع الشركات الاجنبية والتركية منها على وجه الخصوص. وقد حصلت وحدها على عقود تجاوز قيمتها خمسة وثمانين مليار دولار نسبة العمولة فيها عشرون بالمئة أى ما قيمته سبعة عشر مليار دولار.. ويشرف مكتبه على مراجعة حسابات هذه الشركات وتقديم النصح المالى لها.
ولا يحب أصحاب هذه العمولات الانتظار طويلا بل يصرون على تحصيلها بمجرد توقيع العقد وقبل بدء التنفيذ ويطلبون تحويلها إلى حسابات نائمة بالبنوك الدولية ولا يتصور أحد أنه يجهل هذه الا مور أو ينفى علمه بها.
كما أن هذه الشركات تتعامل بشكل مستمر مع إدارات الجمارك فى دخول الالات وإخراجها بنظام الافراج المؤقت، ومع الضرائب فى تقديم الإقرارات وشهادات المراجعة على أوراق تحمل عنوانه وممهورة بخاتمه. وهما جهازان تابعان له يرأسهما بصفته وزيرا. ونحن لا نتهمه فى أمانته لكن المرء لا يستطيع أن يخدم سيدين فى أن واحد.
إذا كان السيد الوزير يرغب فى خدمة بلده حقا فلينشر قيمة هذه العقود ويكشف عن الاشخاص المستفيدين والمرتشين مهما كانت علاقة الصداقة التى تربطه بهم. وليبدأ كلك بمراقبة التصرفات المالية لاعضاء المجلس الانتقالى والعهد المالية التى لم يقوموا بتسويتها.
وعليه أن يبعث الروح فى لجنة العطاءات المركزية وألا يتم ترسية أى عطاء إلا عن طريقها فى جلسات معلنة. ولمعلومات سيادته، فإن عطاء لاستيراد مئة ألف طن سكر يتداوله السماسرة الان فى دبي وليس فى البرازيل أو جنوب أفريقيا أو أى دولة أخرى مصدرة للسكر.
يستطيع كذلك أن يحكم السيطرة على المراقبين الماليين بالسفارات الليبية ويمنع هذا السفه فى الانقاق الذى يمارسونه تحت مسمى “جرحى الثورة”، وهم فى معظمهم مجموعة من الافاقين والانتهازيين ثقافتهم هى الكسب السريع والاستيلاء على مدخرات الاخرين.
يستطيع أن يطهّر إدارة الجمارك ومكافحة التهريب الجمركي من المندسين والمرتشين.
هنااك أشياء كثيرة يمكنه أن يمارسها فى مجال سلطاته. لكن ليس له أن يطالب بسحب اليقود المطبوعة أو يطالب بإلغائها. لانها سند على الدإولة لا تستطيع التملص منه وتبقى دائما مدينة بقيمتها مهما كانت شخصية حاملها. ولو أخلت الدولة بهذا المبدا لانعدمت الثقة فى العملة الليبية وفقدت قيمتها.
وإذا قام البنك المركزى بسحبها من التداول، فإنه سيبقى ملزما بسداد قيمتها أو إصدار بديل لها متى قدمت له فى أى زمان. أما كيفية الحصول عليها فهذا شأن الأجهزة الامنية والقضائية ويتم معالجتها بعيدا عن النظام النقدى الذى ينبغى أن يلتزم بالامانة ومواثيق الشرف وألا يخدش ثقة الاخرين فيه، فالاقتصاد كله مبنى على الثقة وليس على الفهلوة.
وفى مسألة التهريب النقدى للعملة، فإن من إشتراها سدد فى مقابلها عملة ليبية لها غطاؤها النقدي المتمثل فى أصول البنك المركزى والتى يحددها قانونه. بمعنى أنه إستبدل قيمة بقيمة، وهى تجارة رائجة منذ ما يزيد عن عشرين عاما تعلم بها الدولة وتتغاضى عنها لانها تستخدم لتمويل عمليات الاستيراد وتحويلا ت العمالة الوافدة. وهى ما زالت مستمرة بسبب سوء حال البنوك الليبية وتلكؤها فى فتح الاعتمادا ت وتأخر إعلام المستفيد وارتفاع ثمن الخدمة والتى تفوق مثيلاتها فى الدول الاخرى.
وهى تجارة لا يجرمها القانون بعد تحرير سعر الصرف وإلغاء إدارة الرقابة على النقد فى بنك ليبيا المركزى. كما أن خدمة التحويل الحر تتم بطريقة علنية رسمية عن طريق النظامين العالميين
WESTERN UNION و MONEY GRAM
وتقدم للجميع بما فيهم العمالة الوافدة الموجودة فى البلاد بصفة غير شرعية ولا تتمتع بحق الاقامة.
أما علاج ما يسميه بالتهريب عن طريق تفتيش المغادرين وفتح حقائبهم فسيعود بالدولة إلى عهد القدافى السعيد فى فترته الاشتراكية وسيقود إلى التفتيش الشخصى ويعيد إلى موظف الجمارك سلطته القديمة فى إهانة المواطنين ومصادرة ممتلكاتهم. أو فى إبتزازهم وفرض الرشوة عليهم. ولن يقوم أى شخص بشحن بضاعة أو ممارسة إى عمل إن كان لا يضمن إستعادة ما دفعه. ولن يقضى بتصرفه على تجارة العملة لكنه سيرفع قيمتها ويقود السوق فى إتجاه تضخمى لا داعى له كما حدث فى شهور الثورة والذى ما يزال أثره قائما إلى الان.
لقد إنتهى عهد الرقابة على تداول العملات أو محاولة منعها ولن تجديه سلطاته شيئا فى هذا المجال.
أرجو أن أسأل السيد الوزير الذى يتمتع بالصراحة والشفافية: إلا تضع مدخراتك المالية على شكل عملة أجنبية فى بنوك أجنبية؟ ألا يفعل السيد محافظ البنك المركزى ذلك؟ ألا تنطبق عليها صفة التهريب هى الاخرى؟ فلماذا تحرمون على الناس ما تحلون لانفسكم. كل ما أرجوه أن تواحه نفسك بالتساؤل. ثم لك أن تحتفظ بالجواب لنفسك!
أخيرا يبدو أن المباراة كانت مملة، وأننا نحن المشاهدين خسرنا ثمن التذاكر.
كاتب ليبي
magedswehli@gmail.com
إقرأ أيضاً: