“عودة العقلانية” الى “حزب الله”، كما وصفها النائب أحمد فتفت، ليست نوار شقه الله في الصدر، على طريقة الامام الغزالي. واذا كان الأخير حسم شكوكه الايمانية بهذا القول، فان الحزب اثار، بهذه العقلانية، شكوكا صامتة، لدى خصومه ولدى حلفائه معاً. فترشيح نائب بيروت وابن دارة المصيطبة، ليس خطوة دستورية عادية. هو انكفاء عن السطو على السلطة، من جهة، وفعل تراجع عن احتكارها بالترهيب وهيبة السلاح، واسقاط لدور امينه العام كمرشد سياسي لحكومة حصدت الفشل ولم تنجح الا في استقالة رئيسها، من جهة اخرى.
لكن الحزب هو رأس حربة، تنطلق من طهران الى بيروت، عبر دمشق. واذا كان حاكم قصر المهاجرين منشغلاً بتدبر عومه في دماء السوريين، فإن الملف النووي لا يشغل طهران عن المدى الاستراتيجي، الذي تتوهم دوامه في لبنان. فهل يعقل ان تكون عقلانية الحزب سليلة عقلانية مستجدة لدى ايران، ولدت من مشهد مباركة اوباما مصالحة تركيا واسرائيل، وما تنطوي عليه من مخطط آت على المنطقة، يعزل الحلم الامبراطوري الفارسي، الذي يرفع علم الاسلام حيناً، وعلم فلسطين احياناً، وراية المذهبية الشيعية اكثر الاحيان، وبيرق الصفوية في كل حين. لا بد انه امر طارئ جعل الحزب، من امينه العام الى اصغر مفوهيه، يلوذ بالصمت، ويقتر في التصريح. وسواء كان ذلك بتوجيه من مرشد الثورة الايرانية، ام نورا شقه اللله في صدورهم، فإنه انتصار لـ “التيار اللبناني” داخل حزب الجمهورية الاسلامية في لبنان.
هل يمكن الاستكانة الى هذه الايجابية المفاجئة؟
التجارب السابقة، منذ العام 2005. الى حكومة قولنا والعمل، تذكر بأن الحزب يصالح في لحظة الضعف. وينقلب عندما يستشعر تحسن موقعه وحلفائه الاقليميين.
لا تصنع الربيع سنونوة واحدة، والتكليف لا يعني قيام حكومة، واستشارات التأليف، والبيان الوزاري. هي المحك الحقيقي. فهل شق الايمان بلبنان اولاً صدر الحزب، فانتصر “لبنانيوه” ام أن التاريخ يعيد نفسه اكثر من مرتين؟
مؤشر كبير يناقض ذلك هو وضوح اخلاء ايران الدرب أمام الاحتضان السعودي للبنان. بعدما غدر به حلف “الممانعة”، بإسقاط السين – سين، والمفترض أن الرياض لا تلدغ من جحر مرتين، وان عودتها السياسية ليست مغامرة غير محسوبة، لا تليق بقوة اقليمية صمدت بإستمرار على مر المتغيرات في المنطقة.
rachfay@gmail.com
كاتب لبناني
النهار