يواصل المحتجون المناهضون للسلطة التظاهر منذ ثلاثة أشهر في عموم العراق تحت شعار “نريد وطن”، ويرفضون اليوم تحول بلادهم الى ساحة للصراع الايراني- الأميركي متمسكين بحماية ثورتهم من الغرق في التوترات التي تعيشها المنطقة.
وتشهد بغداد ومدن جنوب العراق منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر، احتجاجات يشارك فيها آلاف المتظاهرين الذين يطالبون ب”اقالة النظام” السياسي الذي نصبته واشنطن والموالي لطهران، وقاموا خلالها بحرق مبنى القنصيلة الإيرانية في النجف.
يقول حسام الكعبي، متحدثا من ساحة التظاهر في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، جنوب بغداد، لوكالة فرانس برس “ما يحدث الآن من صراع المحاور بين أميركا وإيران هو الدافع الأساسي الذي خرجنا من أجله، هو ان تكون الحكومة العراقية سيدة الموقف وتغيير الوضع السياسي الذي تتحكم فيه المحاور الإقليمية والدولية”.
– “حرب بالوكالة”-
شهدت بغداد الثلاثاء، استعراض قوة بمشاركة آلاف المقاتلين الموالين لإيران وانصارهم بدأ بمسيرة تشييع داخل المنطقة الخضراء المحصنة ، وسط بغداد، ثم اقتحام السفارة الأميركية رداً على غارات نفذتها القوات الاميركية ضد مواقع فصيل شيعي موال لإيران، تقع في غرب العراق.
أدى هذا الأمر إلى تصاعد التوتر في العاصمة التي تمثل المعقل الرئيسي للاحتجاج التي تواجه قمعاً أسفر حتى الآن عن مقتل حوالى 460 شخصا وإصابة ما لا يقل عن 25 الف شخصا بجروح، في عموم البلاد.
وقال المتظاهر علاء ستار متحدثا من ساحة التحرير الرمزية بوسط بغداد، لفرانس برس “هناك أطراف تحاول جر ساحات التظاهر والاحتجاجات إلى اتجاهات أخرى”.
وأضاف “لكن موقف ساحة التحرير ومتظاهريها واضح جداً منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر، وهو ألا يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات والصراعات الأميركية الإيرانية”.
وتابع أن “تظاهراتنا وانتفاضتنا مستمرة حتى تحقيق مطالبنا بإجراء انتخابات مبكرة وإيجاد حكومة عراقية تصون سيادة البلاد ويكون ولاءها للعراق فقط”.
ويتمسك المتظاهرون باقرار دستور جديد وتشكيل نظام سياسي بعيد عن الفساد الذي يفتك بجميع مفاصل البلاد.
كما يمثل الخلاص من المحاصصة الطائفية والعراقية أحد أبرز المطالب في هذا البلد الذي يعاني توترا وعدم استقرار منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، يقف خلفها حلفاء لأميركا وآخرون لإيران. ويتهم سياسيون أنفسهم بالولاء لأطراف أجنبية في مقدمتها إيران.
ويقول الكعبي إن المحتجين يريدون “تغيير الوضع السياسي الذي تتحكم فيه المحاور الإقليمية والدولية”.
بدوره، يقول المتظاهر علي مهدي (57 عاما) ، متحدثا لفرانس برس مدينة الديوانية، في جنوب العراق، إن “المتظاهرين واعون لما يجري من حرب الوكالة بين إيران وأميركا على الاراضي العراقية، ولا ينطلي علينا التباكي ودموع التماسيح التي يحاول من خلالها البعض كسب تعاطف الجماهير”.
وأضاف “أننا باقون على مطالبنا ومصرون على تحقيقها دون الالتفاف عليها من قبل المسؤولين الفاسدين الذين يحاولون جر البلد الى اقتتال وحرب دولية على الأراضي العراقية والتي ليس للعراق فيها ناقة ولا جمل”.
– “تزاوج مصالح”-
يسعى العراق الذي بدأ للتو التعافي من أربعة عقود من الحرب قبل أن يدخل فوضى الاحتجاجات ، منذ أشهر لمنع تحول أراضيه الى ساحة صراع بين حلفائه.
ويقول المتظاهر علي طه من مدينة البصرة الغنية بالنفط الواقعة جنوب العراق، بإن “التحدي الأكبر حاليا أمام المتظاهرين وساحات الاحتجاج في عموم البلاد، هو الثبات على الموقف الذي خرجنا من أجله وألا ننجر إلى أي معركة بالوكالة نيابة عن أمريكا أو إيران داخل الأراضي العراقية”، وتابع هذه “محاولة لإنهاء الاحتجاجات في العراق”.
ورغم كون الاحتجاجات الشعبية الجارية في عموم العراق، عفوية وبشكل لم يسبق له مثيل، لكنها لم تتخلص من تبعات التوتر الإيراني الأميركي.
ويرى الموالون لإيران أن هذه الاحتجاجات لعبة تقوم به الولايات المتحدة أو متظاهرون تحركهم إسرائيل أو المملكة العربية السعودية أو الأمارات العربية المتحدة، في أطار “مؤامرة” كبيرة.
فيما يتهم المتظاهرون الأطراف الموالية لإيران بالوقوف وراء عمليات القمع والخطف والاغتيال وغيرها، التي تهدف لتخويف المحتجين المناهضين للسلطة والذين تضاعفت أعدادهم في الاونة الأخيرة.
ويقول طه إن “جماهير المحتجين واعية والشباب يعرفون أدوات اللعبة الإقليمية جيدا ولا ننخدع ، وما هذه الحكومة العراقية الفاشلة الا نتيجة تزاوج المصالح الاميركية الإيرانية منذ عام 2003 حتى الان”.