في مقال سابق، تساءلنا “إذا كان الاتحاد العمالي يبحث عن حل يوائم بين مقتضيات الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، أم أن لرئيسه العائد مؤخرا من زيارة الى دمشق أجندة سياسية ما”! وأشار مقال “الشفاف” السابق إلى أن “رعاة هذه الحكومة يتخوفون من سقوطها نتيجة الخلافات على تمويل المحكمة ذات الطابع الدولي.. لأن سقوط الحكومة ببند التمويل يعني خسارة الاغلبية الحالية التي نتجت عن إعادة التموضع الجنبلاطي وانقلاب الميقاتي والصفدي ومعهما الوزير احمد كرامي. ويبدو ان الراعي الاقليمي لا يريد خسارة الاغلبية الهشة فوضع سيناريو إسقاط الحكومة في الشارع بدلا من تفجرها من داخلها نتيجة الخلاف على بند تمويل المحكمة الدولية”!
فماذا استجدّ يوم أمس؟
بعد أخذ ورد وتهديدات، خرج الاتحاد العمالي اللبناني من معركة المطالبة بتصحيح الاجور مهزوماً، فيما سجل رئيس الحكومة نصف إنتصار ورئيس المجلس النيابي نبيه بري نصف إنتصار والهيئات الاقتصادية نصف هزيمة ونصف إنتصار.
فرئيس الاتحاد العمالي العام غسن غصن، لم يعد خافيا على أحد أنه ينفذ أجندة سياسية، بعيدا عن مصالح العمال وحقوقهم، وبعيدا عن مصلحة الاقتصاد الوطني، والمصلحة العامة خصوصا.
وكان بارزا في بيروت اليوم التساؤل حول ما جناه العمال من إفتعال أزمة سياسية إقتصادية، وإطلاق غسان غصن تهديداته بإضراب شبيه بالذي جرى في السابع من أيار من العام 2008، الذي أدى الى إجتياح العاصمة بيروت من قبل جحافل “أشرف الناس”.
وفي آخر لقاء بين غصن وممثلي الهيئات الاقتصادية ذكّر رئيس الاتحاد العمالي العام بإجتياح العاصمة، في ذلك اليوم المشؤوم، ما لم تستجب الهيئات لمطالبه التعجيزية.
وخرج من الاجتماع مزهوا بالتهديد، ليلتقي بعد ذلك رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، الذي وعد بحلّ على قاعدة “تدوير الزوايا”. فخسر غصن أول جولة، بعد أن قبل بوساطة نبيه بري، وبالحل الذي طرحه. وفي اللقاء الذي تلا مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خرج غصن ليعلن أن الإضراب مستمر يوم الاربعاء، بعد أن كان علقه بعد خروجه من لقاء بري!
وفي ما يحلو لغصن تسميته بـ”لقاء ربع الساعة الاخير”، علّق غصن الإضراب بعد ان تدخل مساعد بري النائب علي حسن خليل فلحقت بغصن الهزيمة الكاملة، فعلق الإضراب بعد أن أعطته الحكومة فتاتا مما كان يطالب.
المعلومات تشير الى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قصد عين التينة مقر نبيه بري، وقال له صراحة”: إذا كنتم عقدتم العزم على إسقاط الحكومة، أبلغوني بالأمر، وأنا أستقيل، فلا حاجة لإضرابات وخراب البلاد وتكرار سيناريو 7 ايار المشؤوم”!
عندها تدخل بري بعد أن أدرك أن رئيس الحكومة فهم مقاصد الإضراب وأن لا علاقة للعمال ولمطالب غصن التعجيزية به، وأن ميقاتي قد يستقيل قبل ان يحقق الإضراب المزعوم أهدافه. وكان تدخل بري للحؤول دون فشل الإضراب من جهة، وإكساب ميقاتي إنتصارا شعبيا من جهة ثانية، وللحؤول دون فرط الاغلبية من جهة ثالثة. وأخرج ما يشبه الحل الذي لا يرضي ميقاتي ولا يرضي غصن. فحاول ميقاتي تحسين شروط الاتفاق لصالح خزينة الدولة، فكان أن أقر مجلس الوزراء زيادة عرجاء وهجينة إستنثت شريحة واسعة من القطاعين والخاص من دون مبرر واعترض عليها العمال وأساتذة التعليم الخاص والعام. وحده رئيس الاتحاد العمالي غسان غصن خرج الى الإعلام ليسوق ما وصفه بالإنتصار على قاعدة “خذ وطالب” معتبرا أنه إستطاع فرض زيادة الأجور لشريحة من العمال وهو سيكمل نضاله لتأمين الزيادة للشريحة التي لم تشملها هذه الزيادة، من دون أن يشرح آليات معاركه الدونكيشوتية المقبلة.
مسرحية غصن بري ميقاتي أسفرت عن رفع الحد الادنى للأجور من خمسمئة الف ليرة لبنانية الى سبعمئة الف ليرة بعد أن كان غصن أعلن رفضه لأي رفع للحد الادنى لما هو أقل من مليون ومئتي الف ليرة. كما قضى الاتفاق بزيادة مبلغ المئتي الف ليرة لبنانية للذين يتقاضون أجرا يقل عن المليون ليرة لبنانية، ومبلغ ثلاثمئة الف ليرة لبنانية زيادة للذين يتقضون راتبا شهريا بين مليون ومليون ثمانمئة الف ليرة لبنانية، ورفع بدل النقل اليومي من ثمانية ألآف ليرة لبنانية الى عشرة ألآف، وتقديمات منح التعليم الى مليون ونصف المليون ليرة لبنانية، في حين تم إستثناء شريحة الذيم يتقاضون رواتب تتجاوز المليون وثمانمئة الف ليرة لبنانية من اي زيادة، وكأن الغلاء والتضخم لا يمر بجيوبهم.
مطالب غسان غصن “العمّالية”: “أمر مهمّة” سوري لتغطية الخلاف على تمويل المحكمة؟