” لا تزال موسكو تنظر بعين قلقة لكل ما يصدر من أفغانستان”. بهذا العنوان المثير كتب البروفسور ” ديمتري شابنيتوخ” أستاذ مادة التاريخ في كلية الآداب والعلوم الحرة بجامعة إنديانا الأمريكية ومؤلف كتاب ” شرق ضد غرب” الذائع الصيت والصادر في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2005 ، مقالا مطولا يشير فيه إلى أن موسكو في الوقت الذي تبدو فيه منخرطة في صراع مع الغرب على خلفية ما حدث في جورجيا، وبصورة أدق في أبخازيا و أوسيتيا الجنوبية، وما تلا ذلك من اتهامات روسية علنية لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتدخل في شئون حديقتها الخلفية أي جمهورياتها السابقة في القوقاز وآسيا الوسطى وبحر البلطيق، فإنها تنظر أيضا بعين القلق والارتياب مما يحصل أو قد يحصل في أفغانستان، وتحديدا احتمالات أن تنفرط الأمور في هذا البلد فتقوى شوكة حركة طالبان المدحورة وأنصارها من الإسلاميين المتشددين. ويمكن القول أن هذا يفسر مسارعة موسكو إلى إجراء مناورات عسكرية مع بلد مهم يحد أفغانستان من الشمال هو كازاخستان، في وقت حرج يحتاج فيه الروس إلى كامل عديدهم في القوقاز وحوض البحر الأسود. بل يمكن أن يفسر لنا هذا أيضا سلسلة من الأحداث والتصريحات على مدى الأشهر الماضية مثل:
أحداث وتصريحات
– زيارة وزير الدفاع الروسي الجنرال “فالنتين فارينيكوف” الذي يشغل في الوقت نفسه منصب رئيس الرابطة الدولية للدفاع عن الكرامة الإنسانية إلى كابول في مطلع العام الجاري، ومحادثاته مع نظيره الأفغاني الجنرال عبدالكريم فرداق ورئيس أركان القوات المسلحة الأفغانية الجنرال بسم الله خان، واتفاق الطرفين على إحياء التعاون المشترك في مجال الدفاع الجوي الذي توقف منذ انسحاب السوفييت من أفغانستان في عام 1989 .
– التصريح الذي أدلى به الجنرال فارينيكوف الذي كان في الفترة ما بين عامي 1984 و 1989 قائدا للعمليات العسكرية السوفيتية ضد المجاهدين في شمال أفغانستان، أثناء زيارته لنصب تذكاري يخلد القائد احمد شاه مسعود في وادي ” بانجشير” بأن بلاده قد رمت أحداث الماضي الأليم خلف ظهرها، وترنو بشوق للتعاون مع الأفغان على جميع الأصعدة.
– الزيارة النادرة التي قام بها إلى موسكو في 25 مايو/أيار الماضي وزير الخارجية الأفغاني “رانجين دادفار سبانتا ” وتصريحاته التي التقت مع تصريحات وزير الدفاع الروسي آنفة الذكر لجهة تجاوز أحداث الماضي والنظر إلى المستقبل بثقة والبدء فورا بتوسعة مجالات التعاون المشترك لتشمل الاستثمار وتحسين البنية التحتية والتصدي للإرهاب وتهريب المخدرات. على أن أهم ما استرعى انتباه المراقبين أثناء الزيارة هو دعوة الوزير الضيف مضيفه ونظيره الروسي “سيرجي لافروف ” للمشاركة في أعمال المؤتمر الدولي حول أفغانستان في باريس في يونيو/حزيران الماضي، وذلك من اجل إعطاء المؤتمر زخما أكبر. وقد ردت موسكو على الأريحية الأفغانية بأحسن منها، وذلك من خلال توجيه دعوة للرئيس الأفغاني حامد كرزاي لحضور قمة منتدى شنغهاي للتعاون الاقتصادي، وهي الدعوة التي لباها الأخير وأتاحت له الالتقاء بالزعيم الروسي ” فلاديمير بوتين “، بل أتاحت لكابول فتح قنوات التعاون الاقتصادي مع المنظومة.
– انعقاد أعمال اللجنة الروسية لدعم ومساندة الاستثمار في أفغانستان في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2007 في كابول، علما بأن هذه اللجنة التي تعتبر جزءا من غرفة تجارة وصناعة الاتحاد الروسي هي احد أبرز معالم التعاون الاقتصادي المتنامي ما بين رجال الأعمال الروس والأفغان، والذي يبني عليه الأفغان آمالا كبيرة لجهة جذب فوائض الأموال الروسية المتراكمة من بيع النفط والغاز.
المشهد الراهن يذكر بعام 1996
و عودة إلى المشهد الراهن وما يحيط به من مخاوف وقلق وشكوك، فانه في حقيقة الأمر يذكرنا بما حدث في عام 1996 حينما نجحت حركة طالبان في إقصاء المجاهدين من السلطة والحلول مكانهم ببرنامج سياسي متخلف وسياسات حمقاء. وقتها انتشرت المخاوف لدى القادة الروس، بمن فيهم الجنرال ” ألكسندر ليبد” الذي كان ينظر إليه وقتذاك كخليفة قوي للرئيس “بوريس يلتسن”.
بوتين يلتزم الصمت التام
وبما أن الجنرال ليبد خرج من المنافسة صفر اليدين لصالح فلاديمير بوتين المدرك جيدا – بفضل منصبه السابق كرئيس للاستخبارات السوفياتية – لتعقيدات الملف الأفغاني، فان الأخير التزم الصمت التام في عام 2001 حينما كانت القوات الأمريكية تدك أفغانستان وتسحق نظام طالبان. بل التزم الرجل الصمت أيضا حينما راحت واشنطون لاحقا تمد أرجلها نحو جمهوريات آسيا الوسطى في صورة قواعد ومنشآت عسكرية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
ومما قيل في هذا السياق أن بوتين لم يصمت جبنا أو إرضاء للغرب أو غزلا لإدارة الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش، وإنما فعل ذلك من منطلق قناعته بأن بامكان النمر الامريكي الجريح من جراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 أن يلعب دورا محوريا في إقامة درع حصين حول بقايا طالبان والقاعدة وانصارهما من المتشددين، وبما يلغي أو يخفف خطرهم على روسيا دون أن تتكلف موسكو أية أعباء.
ثابت وحيد ضمن متغيرات عديدة
ومنذ ذلك الحين تعرضت العلاقات ما بين الروس والغرب إلى صور من الشد والجذب، بل خيل للمحللين في بعض الفترات أن الحرب الباردة لم تنته أو أنها عادت من جديد. ولم يكن ذلك بطبيعة الحال بمستغرب إزاء علاقات دولة وجدت نفسها منتصرة وسيدة للكون وأخرى كانت تحاول العيش على أمجاد الماضي يوم كانت دبا ترعب العالم بأقل خطوة تخطوها. على أن ما لم يتغير وظل ثابتا على مدى السنوات الماضية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي هو مخاوف موسكو من المتشددين الإسلاميين. تلك المخاوف التي لم تنكمش، بل ظلت في الحقيقة تتنامى بصورة طردية مع تنامي أعداد المسلمين الروس وأنشطتهم في الشيشان وداغستان وتتارستان وغيرها.
يا مسلمي العالم اتحدوا
ويبدو أن الخوف من احتمال اتساع أو انتشار ظاهرة الشيشنة ( نسبة إلى الشيشان) هو ما دعا الرئيس بوتين على الإقدام على خطوة مثيرة للجدل هي التودد للشيشانيين عبر منحهم استقلالا رمزيا عن روسيا الاتحادية، وهو ما تجسد في تعيين إمامهم الديني احمد قادروف كرئيس للإقليم المطالب بالانفصال. وهذا، كما هو معروف، ساهم في توبة عدد معتبر ممن سموا برجال المقاومة الشيشانية، مثلما ساهم في إلقائهم لأسلحتهم وإنهائهم لروابطهم مع التنظيمات الجهادية الاجنبية، وان لم يمح أو يقضي تماما على المشاعر الوطنية والجهادية سواء داخل الشيشان أو في غيرها من جمهوريات الاتحاد الروسي المسلمة. فالذي حدث هو أن المسلمين الروس الذين تربوا في ظل اتحاد سوفيتي يرفع شعار ” يا عمال العالم اتحدوا”، سرعان ما وجدوا في هذا الشعار فائدة، فباتوا يستخدمونه من بعد ” أسلمته ” أي من بعد تغييره إلى ” يا مسلمي العالم اتحدوا لخلق جبهة واحدة ضد أعداء الإسلام “. وتحت يافطة هذا الشعار، راح من سموا أنفسهم بالمجاهدين يقومون بالعمليات العسكرية ضد الجيش الروسي من الشيشان إلى شمال القوقاز وما خلفه.
الجماعة البلغارية في بشكيريا
أما الجديد فهو أن الروس اكتشفوا مؤخرا وهم في خضم معاركهم الحربية مع القوات الجورجية جماعة جهادية جديدة لم يسمع عنها من قبل اسمها ” الجماعة البلغارية في بشكيريا”. والمعروف أن بشكيريا إقليم روسي ذو أغلبية مسلمة، لكنه لم يسمع عن سكانه من قبل التشدد أو الانخراط في العمليات الجهادية.
وفي خضم المواجهات العسكرية الروسية – الجورجية أطل ايضا الشيشانيون برؤوسهم مرة أخرى، وكأنهم يريدون استغلال الوضع ليسددوا الضربات للجهتين باعتبارهما من النصارى “أعداء الاسلام” طبقا لمنطقهم.
إلى ذلك، امتدت الاضطرابات إلى إقليم تتارستان المجاور حيث تصادفت هذه الأحداث مع احتفال التتار بذكرى دفاعهم عن عاصمتهم ” كازان” و تصديهم للقوات الروسية الغازية في عام 1552 .
وعي روسي بمخاطر عودة الطالبانيين إلى السلطة في كابول
وجملة القول أن الروس يعون جيدا، حتى في ظل خصومتهم المتزايدة مع واشنطون واحتكاكهم بمنظمة الناتو والاتحاد الأوروبي، أن أي نصر يحققه الطالبانيون وأنصارهم في أفغانستان ضد الغرب وحكومة كرزاي الحليفة لن يضر بهذا الغرب وحده، وإنما ستمتد أضراره لتشمل روسيا الاتحادية وجمهوريات آسيا الوسطى ذات الموارد الطبيعية الهائلة وربما الصين والهند، إضافة إلى تحويل مناطق الشرق الأوسط والخليج والبحر الأسود إلى بؤر للتوتر واللااستقرار بفضل ما يتصف به الطالبانيون وحلفائهم في تنظيم القاعدة من فكر ارعن وبرنامج إجرامي قائم على العنف واستحلال الدماء والأموال.
رسالة موسكو الواضحة إلى الغرب
وبسبب هذا الوعي الروسي من مخاطر بروز طالبان أو أي نظام متشدد آخر في أفغانستان مجددا، أرسلت موسكو رسالة واضحة إلى منظمة الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مفادها أنها تفضل ألا يؤثر صدامها وخلافاتها معهم في القوقاز على تعاونها معهم في تأمين احتياجات قوات التحالف العاملة في أفغانستان، مستدركة في الوقت نفسه أنها قد تلجأ إلى إغلاق الممر الروسي لنقل المساعد والاعتدة إلى أفغانستان إذا ما شعرت بضغوط في شكل منح جورجيا أو أوكرانيا عضوية منظمة الناتو أو في شكل تسليح القوات الجورجية بأسلحة غربية أو أمريكية حديثة ومتطورة.
لكن هل ستستطيع موسكو تنفيذ تهديدها؟
غير أن العديد من المراقبين يجزمون بأن موسكو لن تستطيع تنفيذ تهديداتها لسببين: الأول أنها بوقف تعاونها مع الغرب في أفغانستان، تكون كمن يسهل الطريق لألد أعدائها من المتشددين الإسلاميين للزحف نحو السلطة في كابول، وبالتالي خلق مصدر جيد للتدريب والتسليح والاختباء للمقاتلين الشيشان وغيرهم من المسلمين الروس الانفصاليين. والثاني أنها بهذه الخطوة سوف تتسبب في انحسار ما يشبه التأييد المتزايد لها في أوساط النخب العلمانية في جمهوريات آسيا الوسطى، ممن باتت تراهن أكثر فأكثر على الروس لحمايتها من هوجة التطرف والتشدد الديني، بعدما فشل الأمريكان والغرب في ذلك.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
elmadani@batelco.com.bh
موسكو تضع عينا على القوقاز، وأخرى على أفغانستان.يا مرتزقة العالم الاسلامي اتحدوا! هدا هو الشعار الذي رفعوه بعد إن تمزق الاتحاد ألسوفيت-1991-, كان برئاسة السعودية (المذهب الوهابي) في تحقيق أهداف لم يستطيع تحقيقه لا بريطانيا , ألمانيا في السيطرة على كلا من أفغانستان, القوقاز, خلال أكثر من قرنيين مند بداية الحملات البريطانية على افغانسان عبر الحدود الشمالية الهند, أو على القوقاز عبر باكو, و لقد كانت آخر مجازفة فاشلة قام بها هتلر في بداية الحرب العالمية الثانية لاقتطاع القوقاز منها , أما أمريكا فدخلت أفغانستان بقناع ليس استعماري بعد -11 –سبتمبر- 2001 ولكن سرعان ما كشفت عن أطماعها المخفية في… قراءة المزيد ..