اليمن “تِشتي” من يحبها! كم مرة قلتها لي يا أبي.
وأنا كنت اسمعك، أبحث معك ايضاً عمن يحبها.
واليوم أقف بجانبك، وغيرنا كثيرون، ننظر إلى اليمن، انفاسنا محبوسة في صدورنا، نخشى لو تنهدنا أن تسمعنا.
ألم نخيب املك فينا يا يمن؟ أبناؤك وبناتك؟
نعم. يحق لك أن تبحثي عمن يحبك.
فنحن إلى يومنا هذا لم نعرف كيف نحبك.
*
تعرفت مؤخراً على شاب سويسري من أصل عربي.
أسلم.
ثم سافر إلى اليمن.
عاش وعمل فيها.
كان مؤمناً عندما سافر إلى اليمن. قال لي.
وكان على مايبدو سعيداً لأنه سيتمكن من ممارسة شعائر دينه في بلد مسلم.
بدأ يتردد على المسجد. كل جمعة. كان مواظباً على الصلاة. كل جمعة.
وكان يستمع بإنتباه إلى خطبة الجمعة. كل أسبوع.
ولأنه كان يستمع، بدأ يندهش، يستغرب، ثم ينزعج. واخيراً، قال لي: “شعرت بالقرف”. نعم. القرف.
القرف مما كان يتردد على مسامعه في مساجدنا. في اليمن.
ولأن ما سمعه في تلك المساجد كان “كافياً” على مايبدو، فقد إنسل من الدين الإسلامي. تركه وراءه. ولم يندم. فكدت أهنئه.
هل الومه؟ أم الوم ذلك الخطاب الديني في مساجدنا؟
هذا الشاب أعمل عقله وقلبه. ولأن الحب والخير كانا في قلبه لم يحتمل الكراهية.
كان يستمع ويشك. يستمع ويفكر. يستمع ويتساءل: أين الله في كل ما يقال في هذا المسجد؟ أين الحب والخير والجمال؟ أين الروحانية؟ أين كل هذا في خطبة يلعن الأمام فيها الدنيا ومافيها، وتحديداً غير المسلمين، يدعو على الغرب بالدمار، ثم يصف اليهود والمسيحيين بالقردة والخنازير؟ أين الروحانية في مثل هذه الصلاة؟
ثم أين الله في كل هذا؟
لا أر هنا سوى الكراهية.
نكره واقعنا فنتحول بكراهيتنا إلى الغير، ذلك الآخر، نحمله مسؤولية واقعنا، بدلاً من أن نتحمل مسؤولية أنفسنا. ونقول “لنصلي”، والأحرى أن نقول “لنكره”.
*
لم أحكِ لكما هذه الحكاية؟
احكيها لأننا لا زلنا نصر على دفن رؤوسنا في الرمال.
فمنذ الكشف عن الخطة لإرهابية الأخيرة، ووسائل إعلامنا الرسمي وشبه الرسمي تبدو “منزعجة” “كثيرا”.
تصر على أن ما يقال في وسائل الإعلام الدولي “مجرد تهويل”. وغيرها يلجأ إلى المؤامرة كحل سهل جميل:”يريدون أن يحتلونا”.
واللهِ؟ وددت لو أعمل صاحب نظرية الإحتلال هذه خلايا عقله الرمادية ورد على السؤال “لماذا يريدون ان يحتلونا؟” ما الذي ستكسبه الولايات المتحدة من إحتلال بلد فقير معدم؟
كأن الولايات المتحدة ينقصها هم جديد. ألا تكفيها رمال أفغانستان وباكستان المتحركة.
ندفن رؤوسنا في الرمال. اكرر.
ونصر على أن العيب ليس فينا بل في غيرنا.
وهذه الطريقة، رغم إعتيادنا عليها في مجتمعاتنا العربية بإختلافها، إلا أنها في حالتنا نحن في اليمن ستكلفنا غالياً.
فالموقف لم يعد يحتمل التسويف والمماطلة.
صحيح أنه يحق لنا أن نشعر بالخوف والإحباط ثم اليأس.
محاصرون نحن في اليمن بين خماسية الفقر، الجهل، الفساد، التمزق، والتطرف.
كماشة أطبقت بأطرافها الخمسة على أعناقنا ونهشتها. فتناثرت أنفاسنا هباءاً.
وصحيح انه يحق لنا ان نشعر بالذعر من وصم بلدٍ عريق له تاريخه وحضارته كاليمن كوكر للإرهاب.
أصبحنا نخجل من أن نقول “يمني”.
وتحول جواز سفرنا اليمني إلى “وثيقة إتهام”، لا تعني بالنسبة لحاملها إلا المزيد من إجراءات التفتيش والمساءلة.
كل هذا صحيح.
لكن الصحيح ايضاً ان هناك بيئة فكرية دينية منتشرة في اليمن تبرر للإرهاب ثم تسعى إلى نشره وتصديره. وأن تجاهل هذه البيئة، أكرر، لن يزيد الوضع إلا سوءاً.
الصحيح أيضاً أن الحكومة اليمنية ما فتئت تداهن شيوخ السلفية ممن يروجون للفكر الجهادي (الإرهابي) المتطرف، وعلى رأسهم الشيخ عبدالمجيد الزنداني، تتملقهم، وتسعى إلى رضاهم.
الشيخ عبدالمجيد الزنداني هو الأب الروحي لإسامة بن لادن.
وهوإلى يومنا هذا يرفض أن يدين إسامة بن لادن. لم لا تدينه ياشيخنا مادمت تقول إنك “وسطي”؟
وجامعة الإيمان، التي تأسست بتمويل سعودي قطري، و يرأسها الشيخ، دّرس فيها أنور العولقي.
تماماً كما أن الشاب النيجيري عمر الفاروق كان يسكن في السكن الطلابي التابع لجامعة الإيمان، في عمارة الخولاني في صنعاء.
وقبلهما قتل أحد طلابها ثلاثة أجانب.
كل هذا، ورغم كل التحذيرات التي تصل إلى الحكومة اليمنية من الحكومات الشقيقة وغير الشقيقة عن هذه الجامعة والفكر المتطرف الذي “تدرسه”، فإن أبواب الجامعة تظل مفتوحة. مفتوحة لأكثر من سبعة ألاف شاب وشابة، منهم المئات ممن يفدون إليها من أنحاء العالم. “تدرسهم” أو “تدربهم”؟
والمجتمع الدولي ليس غبياً. يتابع ويراقب. وينتظر المبادرة.
لعل الوقت قد حان لأن تقفل الجامعة أبوابها.
لعل الوقت قد حان أن نعيد النظر في علاقة التحالف بين السلطة و”التيار السلفي”.
لعل الوقت قد حان لأن تأخذ السلطة موقفاً حازماً من “ثقافة الكراهية” التي تنشرها رموز التيار السلفي.
ثم تكف عن الرقص على رؤوس الثعابين، الأجدى أن تمسك برؤوسها ثم تُخرج السم من بين أنيابها.
فاليمن لم تعد تحتمل.
لم تعد تحتمل.
حبذا لو تعلمنا كيف نبدأ في حبها.
* كاتبة يمنية- سويسرا