كنّا نعتبر حكوماتنا العربية متخلّفة وجاهلة. ما حصل في العراق في عهد جورج بوش، رئيس الدولة الكبرى الوحيدة في العالم، هو ذروة التخلّف والجهل وعدم المسؤولية. والمصيبة أن شعب العراق هو الذي دفع الثمن، ومعه المنطقة العربية كلها. والمصيبة أن قرار بول بريمر أدّى لتدمير الدولة العراقية ولسقوط مئات الألوف من العراقيين. من قرّر حلّ الجيش العراقي، (ومؤسسات العراق الإقتصادية كذلك)؟ هل هو بول بريمر، فعلاً؟ وهل فهم جورج بوش مغزى الكلمات الـ22 التي كتبها بريمر في خطابه؟ …
ملاحظة: يقول بول بريمر في مقال “نيويورك تايمز” الذي ترجمناه أدناه أنه “في حينه أرسل نسخة من أمر حلّ الجيش العراقي إلى كبار مسؤولي البنتاغون وأنه ناقش الموضوع “عدة مرات” مع رمسفيلد.” ولكن مدير السي آي أي السابق جورج تينيت (الذي يقول أنه لم يكن موافقاً على قرار حلّ الجيش العراقي، سوى أنه لم يسجّل أي إعتراض عليه) يزعم أن بول بريمر قال له في بغداد أن قرار الحل اتخذ “على مستوى يفوق مستوى راتب دونالد رمسفيلد”!! وهذا التعبير يعني حتماً البيت الأبيض، ولا يُستَشَفّ منه أن رمسفيلد كان موافقاً على القرار (أو أنه كان معارضاً له، مع أن التعبير يتضمّن أكثر إحتمال أن يكون القرار مفروضاً على رمسفيلد). هذا إلا إذا كان مدير السي آي أي لا يقول الحقيقة في الموضوع. خصوصاً أن جورج تينيت يصرّ على أنه لم يكن هو، وكبار مساعديه، مطّلعين على القرار مسبقاً، وأن كل علمه بالموضوع جاء من عبارة بول بريمر المذكورة. ولا يبين مدير الإستخبارات الأميركية السابق لماذا لم يخطر له أن يتحقّق من صحّة كلام بول بريمر!!
**
مقال نيويورك تايمز(النص الأصلي على صفحة “الشفاف” الإنكليزية):
تظهر خطابات متبادلة (بين بول بريمر والرئيس جورج بوش) أن بريمر أطلع الرئيس بوش مسبقاً على مخطط لـ”حلّ البنى العسكرية والإستخباراتية التي أسّسها صدام”. ويقول بريمر أن هذا المخطط يشير إلى حلّ الجيش العراقي. وقد أرسل بول بريمر هذين الخطابين إلى “نيويورك تايمز” أمس الإثنين بعد أن قرأ في كتاب جديد كلاماً منسوباً للرئيس بوش مفاده أن سياسة أميركا كانت تقضي بـ”الحفاظ على الجيش العراقي.. ولكن ذلك لم يحدث”.
والرأي السائد الآن هو أن تفكيك الجيش العراقي بعد الغزو الأميركي مباشرة كان خطأ أدى إلى تغذية التمرّد في صفوف مئات الألوف من الجنود العراقيين السابقين، وزاد من صعوبة وضع حدّ لإهدار الدماء وللهجمات من جانب المتمرّدين. وقال بريمر أنه كشف عن الخطابين لدحض ما يوحي به تعليق الرئيس بوش بأنه (أي بريمر) قام بحلّ الجيش العراقي بدون معرفة وموافقة البيت الأبيض
وجاء في خطاب بريمر إلى بوش، المؤرّخ في 20 مايو 2003: “ينبغي أن نُفهِمَ الجميع أننا جادون: وأن صدّام والبعثيين قد انتهوا”. وقام بريمر بإرسال خطابه إلى الرئيس في يوم 22 مايو بواسطة وزير الدفاع دونالد رمسفيلد. (. (الجملة الكاملة بالإنكليزية: I will parallel this step with an even more robust measure dissolving Saddam’s military and intelligence structures to emphasize that we mean business. ). (وترجمتها: سأضاهي هذه الخطوة بإجراء أقوى هو حلّ البنى العسكرية والإستخبارية التي أنشأها صدّام للتأكيد على أننا جادّون”.)
وبعد عرض الجهود الأميركية لإبعاد أعضاء حزب البعث من الهيئات الحكومية المدنية، قال بريمر لبوش أنه سوف “يضاهي هذه الخطوة بإجراءٍ أكثر قوة” يتمثّل في حلّ الجيش العراقي.
وبعد يوم واحد، ردّ بوش بخطاب شكر قصير جاء فيه: “إن قدراتك القيادية واضحة للعيان، وكان لعملك وقع سريع إيجابي وفعّال. إنك تتمتع بدعمي الكامل وثقتي التامة”.
وفي اليوم نفسه، أصدر بريمر في بغداد أمر حلّ الجيش العراقي. وجدير بالذكر أن الرئيس بوش لا يشير إلى أمر حلّ الجيش العراقي، كما أن الخطابين لا يظهران أنه وافق على هذا الأمر أو حتى أنه كان مطّلعاً عليه بصورة وافية. فقد أشار السيد بريمر بصورة عابرة فحسب إلى مخططه وسط خطاب من ثلاث صفحات، ولم يقدّم أية تفاصيل حول المخطط.
وكان الرئيس بوش، في مقابلة أجراها معه روبرت دريبر أثناء وضع كتاب جديد عن عهده بعنوان Dead Certain (“متيقّن تمام اليقين”) قد أعطى إنطباعاً بأنه فوجئ بالقرار، أو على الأقل أنه فوجئ بالحاجة إلى التخلي عن الخطة الأميركية الأصلية التي كانت تقضي بالحفاظ على بُنى الجيش العراقي.
وقال الرئيس بوش في المقابلة: “كانت سياستنا تقضي بالحفاظ على الجيش العراقي، ولكن ذلك لم يحدث”. وحينما سأله روبرت دريبر عن ردّ فعله حينما عرف أنه تم نقض السياسة المقرّرة، أجاب: “حسناً، لا أذكر، أنا متأكّد أنني قلت: “هذه كانت سياستنا، ماذا حدث؟”
وقال بريمر لـ”نيويورك تايمز” أنه كان يشعر بالحنق منذ أشهر مع تنكّر عدد من مسؤولي إدارة بوش لقراره. وقال أن فكرة إرسال الخطابين إلى الجريدة “لم تخطر لي فجأة”، وأضاف أنه في حينه أرسل نسخة من أمر حلّ الجيش العراقي إلى كبار مسؤولي البنتاغون وأنه ناقش الموضوع “عدة مرات” مع رمسفيلد.
وتعليقاً على الخطابين، قال مسؤول في البيت الأبيض اشترط عدم ذكر إسمه لأن البيت الأبيض لا يرغب في التعليق على كتاب دريبر، أن الرئيس بوش أقرّ في المقابلة بأنه فهم الأمر الذي كان بريمر ينوي إصداره وأنه أقرّ في المقابلة بأنه ثبت له أن الخطة الأصلية لم تكن قابلة للتنفيذ.
وقال المسؤول في البيت الأبيض: “كانت الخطة الأصلية تقضي بالحفاظ على الجيش العراقي، وهذا كلام دقيق. ولكن حينما أصدر جيري بريمر أمره، كان واضحاً أنه بات متعذّراً إعادة تنظيم تشكيل الجيش العراقي، وقد فهم الرئيس ذلك. لقد أقرّ الرئيس بأن هذه المسألة لم تحصل وفق الخطة المقرّرة”.
ولكن الخطابين، بالتضافر مع تعليقات الرئيس بوش، يشيران إلى وجود تخبّط أو عدم وضوح في إدارة بوش حول قرار سرعان ما تبيّن أن عواقبه كانت متفجّرة.
والواقع أن خطاب السيد بريمر إلى الرئيس بوش يلفت النظر بإشارته التي تتّسم بشبه لامبالاة إزاء قرار أساسي كان عدد من المسؤولين العسكريين الأميركيين في العراق قد عارضوه بشدّة. وفي فترات لاحقة، أفاد عدد من كبار مسؤولي إدارة بوش، بما فيهم وزير الخارجية السابق كولين باويل، أنه لم يعرفوا بقرار بريمر قبل صدوره.
وقال الجنرال بيتر بايس، الذي كان في حينه نائباً لرئيس هيئة الأركان، ي إجتماع لـ”مجلس الشؤون الخارجية” بتاريخ فبراير 2004، أن قرار حلّ الجيش العراقي اتّخِذ بدون الحصول على رأي هيئة الأركان. وقال: “لم يُطلَب منّا أن نعطي توصية أو رأياً”.
إن كلام بريمر حول القرار يقتصر على جملة واحدة في نهاية مقطع طويل استغرق 3 صفحات. وخصّص بريمر حيّزاً أكبر بكثير لسرد ما يصفه بأنه “تعبير شبه شامل عن الإمتنان” من جانب الشعب العراقي “إزاء الولايات المتحدة وإزاءك شخصياً لتحرير العراق من إستبداد صدّام”. بل ويسرد بريمر في خطابه كيف قام عجوز عراقي بتقبيله لأنه اعتقد أن بريمر هو جورج بوش. ويذكر بريمر في مذكراته التي صدرت في العام 2006 أنه أطلع كبار المسؤولين في واشنطن حول خطّته، ولكنه لم يُشِر إلى خطابه للرئيس بوش وردّ بوش عليه.
وقال بريمر لـ”نيويورك تايمز”، يوم أمس الإثنين، أنه يشعر بالإستياء لأنه عدداً كبيرا ًمن المسؤولين السابقين يصوّره كمرتدّ وانتهازي.
وأضاف بريمر أنه أرسل مسودة الأمر المقتَرَح في يوم 9 مايو، بعد مدة وجيزة من وصوله إلى بغداد، إلى رمسفيلد ومسؤولين كبار آخرين في البنتاغون.
وكان بين من تلقّوا خطابه نائب وزير الدفاع، بول وولفوفيتز، ومساعد وزير الدفاع لشؤون السياسات، دوغلاس فايث، واللفتنانت جنرال دافيد ماكيرنان، الذي كان يرأس قوات التحالف في العراق، وكذلك هيئة رئاسة الأركان.
وقال بريمر أنه أطلع رمسفيلد “عدة مرات” حول الخطّة، وأن مستشار بريمر الأعلى للشؤون الأمنية في بغداد، وولتر ب. سلوكومب، ناقشها بصورة مفصّلة مع كبار مسؤولي البنتاغون ومع كبار المسؤولين العسكريين البريطانيين. وقال أنه تلقّى تعليقات مفصّلة من هيئة الأركان المشتركة، بحيث أنه ليس لديه أي شك في أنهم فهموا خطّته.
وقال بريمر: “يمكن أن أضيف أن القرار لم يثِر أي سجال. فالجيش العراقي كان قد اختفى وكان السؤال الوحيد المطروح هو ما إذا كان علينا أن نطالب الجيش بالعودة. إن استدعاء الجيش العراقي كان سيواجه مصاعب عملية جداً، وكان سيرتّب عواقب سياسية. لقد كان الجيش العراقي هو الأداة الرئيسية للقمع في عهد صدام حسين. وأنا أثاير على الإعتقاد بأن قرار حلّه كان القرار الصائب. أنا لم أغيّر رأيي حول القرار”.
ولكن الجنرال ماكيرين ك، على غرار مسؤولين عسكريين آميركيين آخرين، كان متحفظاً حول خطة بريمر لإعادة بناء الجيش العراقي ببطء إنطلاقاً من الصفر. وحث بريمر أثناء لقاء الوداع معه، في يونيو 2003، على القيام بخطوات “أكبر وأسرع” لبناء جيش جديد.