مما لا شك فيه أن العقوبات الأوروبية والإمريكية الأخيرة ضد سوريا، وخصوصا تلك التي استهدفت قطاعها النفطي (تنقيبا ونقلا وتحميلا ومرورا وتأمينا)، من أجل ثني نظامها عن القتل اليومي والتنكيل الوحشي بمواطنيه المدنيين العزل منذ ستة أشهر متواصلة، سوف تصيب الإقتصاد السوري في مقتل. ذلك أن عائدات تصدير النفط تشكل 25.1 بالمائة من إجمالي عائدات التصدير السورية (في عام 2010، حصل النظام السوري من وراء بيع نفطه إلى الدول الأوروبية، وتحديدا إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا، على ما لا يقل عن 4.5 بليون دولار طبقا لمصادر الإتحاد الأوروبي ومصادر وكالة الطاقة الدولية، وإن كانت مصادر صندوق النقد الدولي أشارت إلى رقم أقل هو 3.3 بليون دولار(.
وعلى الرغم من أن تلك المبالغ الطائلة لم يعد من الممكن دخولها الآن إلى الخزينة السورية ، فإن المسئولين السوريين يحاولون تبديد فكرة تضرر إقتصادهم، قائلين أن بلادهم بإمكانها تسويق نفطها في أماكن أخرى في العالم غير أوروبا. فما هي هذه الأماكن التي قد تفتح أسواقها للنفط السوري يا ترى؟
ربما قصد السوريون بـ “الأماكن الأخرى” آسيا، وتحديدا قطبيها الكبيرين المعروفين بتافسهما الشرس على الإستحواذ على مكامن النفط والغاز في العالم، أي الهند والصين، خصوصا وأن “شركة النفط الوطنية الصينية” (سي إن بي سي) و “شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية” ( أو إن جي سي) تملكان حصصا في 40، و36 حقلا نفطيا على التوالي في سوريا، مما يجعلهما مهتمتين بإستيعاب المائة وخمسين ألف برميل من الخام الذي كانت دمشق تصدرهما إلى أوروبا يوميا، من أصل 385 ألف برميل تنتجه الحقول السورية كل يوم (إحصائيات العام 2010). والجدير بالذكر أن الهنود والصينيين تقدموا معا للمرة الأولى في عام 2005، بعرض مشترك لشراء 37 بالمئة من حصة شركة “بترو كندا” في حقول النفط السورية الموجودة في منطقة نهر الفرات مقابل 573 مليون دولار.
غير أن إهتمام الهند والصين بشراء النفط السوري الفائض ليس مؤكدا لأسباب وعوامل كثيرة، أولها سهولة الحصول على النفط الخام من دول أقرب إليهما كدول الخليج العربية وإيران، وبالتالي عدم تحمل المصاريف الإضافية الكبيرة الناجمة من تحميل ونقل النفط من ميناء بانياس السوري عبر البحار والمحيطات إلى موانئهما الواقعة على بعد عشرات الآلاف من الأميال. وثانيها أن معظم حقول النفط السورية – مع إستثناءات قليلة – هي من الحقول التي تنتج النوع الثقيل والرديء من النفط، أي النوع الذي يحتاج إلى مصافي تكرير خاصة، لم تفكر الهند والصين في بنائها، وهو ما يجعل أمر استيراد البلدين للنفط السوري مجازفة.
وللإسباب المشار إليها، قد لا تجد السلطات السورية، حينما يشتد عليها الخناق، بــُداً من تقديم حوافز وعروض مغرية للمشترين الآسيويين، في صورة بيع برميل الخام الواحد بسعرأقل من سعره العالمي. هنا فقط، قد تستطيع دمشق تسويق جزء من نفطها الثقيل الفائض في آسيا، ولا سيما في الهند التي ذكر بعض المصادر الأخبارية أنها قد تجازف فتنقل بعض النفط السوري الخام، من ضمن حصتها اليومية البالغة 13 ألف برميل، لتكريره في مصافيها بمدينة “منغلور” في ولاية “كارناتاكا” الجنوبية، خصوصا وأن الهند تملك خامس أضخم طاقة تكريرية في العالم، جلها مخصص لتكرير الخام المستورد من السعودية والكويت وإيران (أنظر ما نقلته وكالة رويترز على لسان مسئول رفيع في شركة “منغلور ريفاينري أند بتروكيميكالز” الهندية).
وفي سياق الحديث عن النفط السوري، يجدر بنا إلقاء بعض الضؤ عليه وعلى تاريخ إكتشافه وتصديره وما واجهته من مشاكل ومعوقات.
لقد بدأ البحث عن النفط في سوريا للمرة الأولى في عام 1933 أثناء الحكم الفرنسي. وتسارع على يد شركة “توتال” الفرنسية في عام 1949. غير أن أول اكتشاف له بكميات تجارية حدث في عام 1968، وأول إعلان عن جهوزية البلاد للتصدير إلى الخارج كان في الثمانينات، لتصبح البلاد منذ ذلك الحين صغرى الدول النفطية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط (تضم هذه المنطقة بالإضافة إلى سوريا، كلا من لبنان والأردن وإسرائيل وفلسطين)، وبكمية لم تتجاوز 0.5 بالمائة من إجمالي حجم الصادرات النفطية على مستوى العالم.
وطبقا لمجلة “النفط والغاز”، قُدرت إحتياطيات سوريا النفطية في يناير من عام 2010 بنحو مليوني ونصف المليون برميل، مع وجود معظم الحقول المنتجة في منطقة “دير الزور” المتاخمة للحدود مع العراق، ووجود حقول صغيرة أخرى في وسط البلاد وشمالها. وتقول المجلة انه بمرور الوقت أخذ الإحتياطي السوري بالإنخفاض كنتيجة للتنقيب المفرط، مضيفةً أن سوريا واجهتها أيضا مشاكل تقنية بسبب قانون المحاسبة الإمريكي الذي فرضت واشنطن بموجبه عقوبات إقتصادية وتكنولوجية وتجارية على سوريا إبتداء من مايو 2004 لثنيها عن التدخل في الشئون الداخلية للبنان، والإرتباط بحزب الله المصنف إمريكيا على لائحة المنظمات الإرهابية، إضافة إلى مشاكل لوجستية (معظم حقول الإنتاج موجودة بعيدا عن أماكن التجمعات البشرية والمدن المكتظة). ومثل هذه المشاكل، بحسب المجلة المذكورة، أدى إلى إنخفاض إنتاج سوريا اليومي من 610 براميل في عام 1995 إلى 385 برميلا في عام 2010 . بل أن مصاعب البلاد النفطية أخذت منحى جديدا مع إرتفاع الإستهلاك الداخلي كنتيجة لتزايد عدد السكان من جهة، وحدوث بعض التطورات الإيجابية في الدخول الفردية في السنوات الأولى من الألفية الثالثة من جهة أخرى، حينما بدأت الدولة إنفتاحا إقتصاديا خجولا. الأمر الذي دفع السلطات السورية إلى مضاعفة جهودها في عمليات الإستكشاف والتنقيب عن الطاقة بمشاركة الشركات الأجنبية المتخصصة، ولا سيما “شركة هملايا/سوريا” التي مـُنحت حصة 50 بالمئة في عام 1985، وشركة “ستروي ترانس غاز” الروسية، وشركة ” آي بي آر” الإمريكية المصرية، وشركة “ترايتون” السنغافورية وشركة “آي إن إيه” الكرواتية وغيرها. هذا ناهيك عن قيام السلطات السورية بتجديد عقد قديم لها مع “شركة توتال الفرنسية” في عام 2008 أثناء زيارة الرئيس الفرنسي “نيقولا ساركوزي” لدمشق، مع منحها حق إستخراج 27 ألف برميل يوميا من حقول “دير الزور” بدلا من مائة ألف برميل مثلما كان مثبتا في العقد القديم. إلى ذلك حصلت “شركة غولف ساند البريطانية” المرتبطة بتايكون المال والأعمال رامي مخلوف (إبن خال الرئيس بشار الأسد) على عقد في أوائل العام الجاري لإنتاج 20 ألف برميل من الخام يوميا.
باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
elmadani@batelco.com.bh
من سيشتري النفط السوري بعد العقوبات الغربية؟
النفط سلعة مطلوبة باستمرار وسيكون له زبائن من كل مكان الا ان تقيدت جميع الدول المعنية بالعقوبات والحظر والذي لازال بعض من دول اوروبا غير متقيدة به ولكن دائما هناك من يخالف العقوبات ويصطاد الفرص حيث مصائب قوم عند قوم فوائد!