التدهور الخلقي – دع عنك التخلف الفكري، الذي يعاني منه بعض شباب الصحوة، وربما بعض شيوخنا – أمر لا يثير الدهشة فقط، بل والقلق الشديد!! فكمّ الشتائم التي تردني على الإنترنت، أو على ما ينشر لي في جريدة الآن الإلكترونية من مقالات مختارة، أو ما يرد «القبس» من تعليقات، وغالبية مرسليها من مجهولي الهوية، يبين بوضوح اننا أمة لا تقرأ، وإن قرأت فلا تفهم، وإن فهمت فإن تطرفها الفكري أو القبلي أو الطائفي لا يجعلها ترى إلا ما يرضي التافه من غرائزها! والعجيب ان غالبية من هاجمني أخيراً أنكر علي صفة الليبرالية، وقال إنني طائفي. ولو أحضرت لهؤلاء شهادة من بان كي مون، تبين ليبراليتي لنالني الكم نفسه من الشتائم، ولكن هذه المرة لأنني ليبراليتي!! ولعلم هؤلاء وغيرهم فأنا لست لا هذا ولا ذلك.. وموتوا بغيظكم تساؤلاً!!
وقد سبق ان نالني الكم نفسه من الشتائم «الأنيقة» عندما كتبت مقالاً قبل أسابيع عن حرمة الموسيقى في نظر البعض. ولم أستغرب وقتها لهجة الهجوم، فمن لا يحب الموسيقى، أو يحرم سماعها على نفسه وعلى الغير، يمكن أن تصدر عنه أصوات وكلمات كثيرة منكرة ومنفرة.
وبهذه المناسبة ذكرني قارئ فاضل، ورجل دين معروف، من تونس بفتوى سبق ان صدرت قبل بضعة عقود تعلقت بتحريم تصوير كل ما له روح، من ضمنها الصور الشخصية التي يحتاجها الفرد لإصدار جواز سفر أو اجازة قيادة مركبة!! ويقول القارئ إن هذه الفتوى نسيت وضاعت، أو تم تجاهلها، في خضم الأحداث وإن لم تلغ رسمياً، رغم ان حجم الهجوم على المشايخ القائلين بجواز التصوير وحجم الانحياز للقول بمنع التصوير جعله يقف وقفة تأمل في مقدار التراجع في ما يتعلق بهذه الفتوى، خاصة ان المسألة لم تتعلق وقتها بفرد أو مجموعة صغيرة، بل بآلاف من رجال الدين وطلبة العلوم الشرعية وعوام الناس في الكثير من الدول الإسلامية، الذين انشغلوا وقتها بتأييد الفتوى أو معارضتها، وفجأة وبعد كل تلك الضجة وذلك الصخب تم تجاهلها وتناسيها والعمل بعكسها بكل اطمئنان وكأنها لم تكن، لا بل زادوا عليها بتسابق أطرافها أو مصدريها على نشر صورهم في جميع المجلات والصحف، وبالألوان، والظهور بشخوصهم على مواقعهم الإلكترونية وعلى القنوات الفضائية واقتناء أحدث آلات التصوير الكافرة!! ولو قارنا تصرفات الرجال أنفسهم الذين سبق ان حرموا التصوير أو غير ذلك من المحدثات بما يفعلونه اليوم لكان ذلك، حسب قوله، بمنزلة الثورة الكاملة!!
ان المصير الذي لقيته فتوى تحريم التصوير سيكون مصير الفتاوى غير العقلانية وغير المنطقية نفسها التي تصب علينا، وما أكثر ما يصدر عن رجال الدين في منطقتنا من لغو الكلام والتطرف في الرأي، بحيث لم يتركوا أمراً لم يدلوا بدلوهم فيه ليزيدوا من إرباك الأمة التي لن تسنح لها حتى فرصة القيام من سباتها، الذي طال في أحضان هؤلاء المتخلفين.
ملاحظة: ترفض جهات كثيرة تقديم الخدمة التعليمية والعلاج لغير محددي الجنسية (البدون). وربما لا تزال الصحة ترفض إصدار شهادات لمواليدهم الجدد، على الرغم من حكم المحكمة، كل ذلك بحجة ان هؤلاء لا وجود لهم!! ولو قبلنا بهذا العذر غير الإنساني والواهي، فكيف يمكن أن نفهم خبر إلقاء القبض على «بدون» مطلوب على ذمة 18 قضية سرقة ؟! فهذا يعني أن هذا الشخص له وجود وملف أمني في وزارة الداخلية، ولكن لو وضعت زوجته مولوداً فلا تصرف له شهادة ميلاد، لأن لا وجود للأم والأب لدى وزارة الصحة في الدولة نفسها! هل هناك من يود مساعدتنا في فك هذا الطلسم؟!
habibi.enta1@gmail.com
* رجل أعمال وكاتب كويتي