الأرجح أن يسجّل التاريخ أن الملك عبدالله بن عبد العزيز كان الملك “الإصلاحي” الثاني في تاريخ المملكة العربية السعودية، بعد الملك فيصل. وقد بدأ ملك السعودية الحالي سيرته الإصلاحية منذ تولّيه مقاليد الأمور بالوكالة في فترة تراجع صحّة الملك فهد. وكان أول ما لفت نظر المراقبين أنه، منذ تلك الفترة، استهلّ تقليداً جديداً في تاريخ المملكة، حينما بدأ بتقديم “تقارير” لمجلس الشورى حول حصيلة زياراته للخارج. واستمر الملك الحالي في “محاولاته الإصلاحية” رغم المعارضة التي أثارتها ضمن العائلة الحاكمة وخصوصاً الأمراء الذين يمسكون وزارات أساسية (وزارة الداخلية مثلاً)، وفي المؤسسة الدينية التي تشارك العائلة الحاكمة في السلطة الفعلية. السؤال الصعب هو: ماذا ستكون الحصيلة الإصلاحية النهائية لعهد الملك عبدالله بن عبد العزيز؟ ولم يحن بعد وقت الإجابة على هذا السؤال.
“أسلوب” الملك عبدالله بن عبد العزيز يقوم على “فتح ملفّات الإصلاح” مداورةً في الغالب، وتجنّب الصدام مع القوى الملكية والدينية المعارضة. ويتجسّد ذلك في “مؤتمرات الحوار”، مثلاً. وقد يعبّر هذا الأسلوب عن حدود سلطة أي ملك سعودي. لكنه يعني، كذلك، أن تركة الملك عبدالله في عدد من الميادين الأساسية، ستكون “نكهة إصلاحية” وليست إصلاحاً حقيقياً. مثلاً، في موضوع الدور الرجعي والمضاد للتطوّر الذي تلعبه الطبقة الدينية “الوهّابية”. ومثلاً، في موضوع “المواطنة” الذي يعني توسيع قاعدة الحكم من قاعدته “النجدية” الأصلية إلى قاعدة نجدية-حجازية-شيعية. ولكن هذا البُعد “الشيعي” للمواطنة السعودية ما يزال أشبه بالمحرّمات في نظر طبقة دينية متحجّرة حريصة على امتيازاتها، وحتى في نظر المؤسسة الأمنية التي تنظر لهذا الموضوع من زاويته “الأمنية” القريبة وليس من زاويته السياسية الأبعد نظراً.
ينشر “الشفّاف” هذه الدراسة لأنها قد تكون أفضل المتوفّر. مع ملاحظة أن السعودية كانت دائماً موضوعاً صعباً على فهم الدارسين الغربيين. وأفضل مثال هو الملك عبدالله نفسه. فقد أصيبت معظم الحكومات الغربية بالوجوم حينما تولّى عبدالله بن عبد العزيز الحكم. وركّزت معظم تحليلات وزارات الخارجية الغربية على أن عبدالله بن عبد العزيز هو “صديق السوريين”! وقد تغيرت صورة الملك عبدالله منذ ذلك الحين، وبات يحظى بإعجاب واسع في الغرب يتضافر مع إحترام واسع داخل بلده وفي العالم العربي.
حقبة الملك عبدالله هي حقبة صعود “القاعدة” وانحسارها، وانتقال إيران “الخمينية” إلى إيران “الخامنئية”، وسعي هذه الأخيرة إلى ترسيخ سيطرتها على العالم العربي. وقامت سياسات الملك عبدالله إزاء إيران على محاولة “نزع السم” من السياسات الإيرانية بدون الصدام مع إيران. ونجحت هذه السياسات جزئياً في عهدي رفسنجاني وخاتمي، ولكنها اصطدمت بتطرّف أحمدي نجاد وبتفرّد جورج بوش. ويبدو أن مرحلة “صِدامية” مع إيران خامنئي ونجاد بدأت في صيف 2006، ووصلت ذروةً واضحة قبل حرب غزّة حينما أكّدت بلدان مجلس التعاون الخليجي ومعها مصر الأردن، في اجتماع انعقد في منتصف ديسمبر بنيويورك، على دورها المركزي في اي بحث بين الدول الخمس والمانيا مع طهران في مسألة دور ايران الاقليمي. ومن زاوية إيران، فإن حرب غزة كانت ردّاً إيرانياً على هذه المحاولة العربية للحدّ من دورها الإقليمي. لكن الأرجح أن هذه المحاولة الإيرانية قد فشلت، أو أنها في طريقها إلى الفشل، مع انتقال ملفّ غزة إلى مصر والسعودية بعد أن كان السيّد علي خامنئي قد أعلن، متسرّعاً، أن غزة جزء من الأمن الوطني الإيراني.
“الشفّاف”
**
ملامح أزمة قيادة سعودية: تعثر صحة ولي العهد
إعداد: سايمون هندرسون
“معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى“
بعد أشهر من التكهنات حول صحة ولي العهد الأمير سلطان، الخليفة المعين للملك عبد الله، بدأت السلطات السعودية تتكلم الآن علناً حول اعتلال صحة الأمير سلطان. المملكة – الحليف الوثيق للولايات المتحدة، التي تدعي لنفسها قيادة العالم الإسلامي، وأكبر مصدر للنفط في العالم، ومؤخراً أكبر مصدر مالي الذي تشتد الحاجة إليه لمواجهة أزمة الاقتصاد العالمي – تتجه نحو فترة تغيير في القيادة. ولكن تحديد هوية ملوك المستقبل غير معروف حتى الآن، وإلى حد كبير لا يمكن التنبؤ به.
الأمير سلطان يخضع للعلاج
بعد ستة أسابيع من العلاج في نيويورك، توجه ولي العهد الأمير سلطان، الذي يتولى أيضاً ولفترة طويلة منصب وزير الدفاع، إلى المغرب. وفي خطاب لقادة القوات المسلحة السعودية الأسبوع الماضي، ذكر نجل الأمير سلطان، مساعد وزير الدفاع، الأمير خالد، أن والده سيعود إلى الولايات المتحدة خلال شهر لمزيد من الفحوص والعلاج. ورغم أن الأمير خالد قال أن والده: “يتحسن وأن حالته الصحية في تقدم”، يستذكر المحللون أنه في عام 2005 أجرى الأمير سلطان عملية جراحية لمعالجة سرطان القولون، وفي نيسان/أبريل 2008 غادر إلى جنيف فيما قيل بأنها فحوصات طبية روتينية.
وإذا توفي الأمير سلطان (الذي سيبلغ من العمر 85 سنة هذه العام) قبل الملك عبد الله (الذي يبلغ 86)، فلابّد من تعيين ولي عهد جديد. لقد كان اختيار ولي العهد سابقاً من صلاحيات الملك وحده، ولكن في عام 2006 أنشأ الملك عبد الله جهازاً جديداً، وهو هيئة البيعة. وتشمل الهيئة – التي تتكون من كبار أبناء وأحفاد الملك المؤسس عبد العزيز (والملقب أيضاً بابن سعود) – مجموعة أكبر من الذين كانوا يستشارون في الماضي، التي ستشارك الآن في تحمل المسؤولية في الاختيار.
وخلافاً لبقية الممالك فإن التوريث في المملكة هو أخوي، وقد دام ذلك خلال فترة تقارب من خمسين عاماً. فالإنتقال في الخلافة هو من أخ لأخيه، وليس من أب لابن. ومنذ وفاة الملك عبد العزيز في عام 1953، انتقل العرش إلى الأول من بين الخمسة والثلاثين من أبنائه وفقاً لأعمارهم حسب الترتيب التنازلي. هذه الآلية – مع بعض القفزات أحياناً عندما كان الابن غير راغب أو ليست له قابلية أو غير مؤهل للحكم – مكنت من ترشيح ولياً للعهد يعمل جنباً إلى جنب مع الملك في قيادة مشتركة مما أسفرت عن انتقال السلطة بطريقة سلسة.
خمسة ملوك في خمس سنوات؟
العواقب غير المقصودة لهذا النظام، هي أن الملوك السعوديين أصبحوا أكبر سناً عند إعتلائهم العرش: فالملك فهد، سلف الملك عبد الله، كان عمره إحدى وستين عاماً، بينما كان عبد الله اثنين وثمانين (رغم أنه كان الحاكم الفعلي من 1996 إلى 2005 بعد أن اصيب فهد بالشلل نتيجة سلسلة جلطات [دماغية]). وما لم تقم هيئة البيعة بخيار مبتكر لخليفة أصغر بكثير في السن، فإن النظام الحالي المتمثل باختيار (الأقدم) في العمر والخبرة في مجال العمل الحكومي وخلافة الأخ لأخيه، قد يسبب بانتقالات سريعة للملوك في السنوات العديدة المقبلة.
من الواضح أن الملك عبد الله يمهد الطريق لعمل الهيئة. فرئيس الهيئة، الأخ غير الشقيق للملك الأمير مشعل، أصبح يُرى بشكل مستمر مع الملك عبد الله في الإجتماعات المهمة. ورغم أن مشعل كان وزيراً للدفاع في الخمسينات من القرن الماضي وأميراً لمكة في الستينات من نفس القرن، إلا أنه تخلى عن العمل الحكومي لصالح تطوير أعماله التجارية. ومن المرجح أن يكون دور مشعل أساسياً في تطور عمل الهيئة؛ وبسبب النظر إليه باعتباره حليفاً للملك عبد الله، فإن احتمال مطالبته بالعرش ضعيفة. ومن المتوقع أن يواجه تحديات كبيرة من أقوى فئة في الهيئة – “السدارى” السبعة – وهي أكبر مجموعة من الأخوة الأشقاء، الذين أصبحوا ستة بعد وفاة فهد. وتضم هذه الفئة الأمير سلطان، ووزير الداخلية الأمير نايف (الذي ذُكر ايضاً أنه مريض)، وأمير منطقة الرياض الأمير سلمان.
هناك عدة سيناريوهات قابلة للحدوث خلال الأشهر القليلة المقبلة:
وفاة الأمير سلطان: من المرجح أن يضغط الأمراء “السدارى” لكي يتم اختيار ولي العهد القادم من بينهم. فللأمير نايف [شعور بحق] المطالبة، لكنه لا يعتبر مقبولاً شعبياً بما فيه الكفاية. والخيار المحتمل هو شقيقه الأصغر الأمير سلمان.
وفاة الملك عبد الله: رغم ظهوره العلني في العديد [من المناسبات]، يقال بأن قدرات العاهل السعودي – الذي هو الآن الأكبر من بين أبناء عبد العزيز الأحياء – تضعف بشكل متدرج. وإذا كان ولي العهد الأمير سلطان لا يزال على قيد الحياة عند وفاة الملك عبد الله، فإن من شبه المؤكد أنه سيصبح ملكاً. ومن الناحية النظرية، فإن قانون هيئة البيعة يسمح بالإعلان من قبل لجنة صحية من الخبراء بأن الملك أو ولي العهد غير لائق طبياً [لتسلم زمام المنصب]. ولكن هذه الخطوة غير محتملة ضد ملك قوي. وكملك يمكن لسلطان أن يبطل الهيئة ويعين ولي العهد الذي يريده.
إتباع الخلافة للعرف القائم: يعتبر بعض الأخوة الثمانية عشر الباقين من أبناء عبد العزيز غير مؤهلين للمنصب لأن العديد منهم أولاد لأمهات غير سعوديات أو يعتبرون خارجين عن الخط الرسمي. فإذا استثنينا هؤلاء، فإن المرشحين المحتملين هم: عبد الرحمن (78 عاماً) ونايف (76 عاماً) وعبد الإله (74 عاماً) وسلمان (73 عاماً). وكلهم باستثناء عبد الإله، الذي عين مستشاراً للملك، من “السدارى”.
تغيير نمط الخلافة: أسهل طريقة لتجنب التغير السريع في الخلافة بين الملوك الذين هم كبار في السن ومرضى، هو عدم اختيار المرشحين الكبار في العمر واختيار رجل أصغر سناً، سواء باختيار الأصغر من أبناء عبد العزيز أو من بين أحفاده. ومن بين الأبناء، فإن سلمان كفوء كأصغرهم، وكذلك رئيس الاستخبارات الأمير مقرن البالغ من العمر66 عاماً. ورغم أن هناك العديد من الأحفاد الذين لديهم عقود من الخبرة في مجال العمل الحكومي، فإن [فرع] “السدارى” هو المتغلب، ومن المحتمل أن يقاوم أي ترشيح يتخطاه.
تحديات لسياسة الولايات المتحدة
إن عدم معرفة من سيكون الملك تقل أهمية عن عدم معرفة العملية التي يجري بموجبها اختيار الملك. ولكن المداولات في هيئة البيعة – غير المختبرة – التي لا تعرف إجراءاتها إلا في الخطوط العريضة، ستكون سرية. كما أنه عند وفاة سلطان وغيره من بين أفراد العائلة المالكة الكبار في السن، ستخسر واشنطن محاوريها المألوفين. ويدير خالد بن سلطان وزارة الدفاع بفاعلية نيابة عن والده، وكذلك محمد بن نايف في وزارة الداخلية. فهل سيُقبل بهذه الإقطاعيات؟ هل سيرقى هؤلاء الأبناء للحلول محل آبائهم، أم سيقوم الملك الجديد باستبدالهم بأمراء آخرين أقل شهرة منهم؟
ليس بين السعوديين المعروفين جيداً للرأي العام في الولايات المتحدة [أي] مرشح للملوكية: فوزير الخارجية سعود الفيصل مصاب بمرض الباركينسون المزمن؛ وشقيقه رئيس الاستخبارات السابق والسفير السابق في الولايات المتحدة الأمير تركي الفيصل أقيل من عمله السابق وحُدد نشاطه؛ والسفير الأسبق لدى الولايات المتحدة ورئيس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان مستثنى بسبب والدته التي كانت خادمة أفريقية؛ والأمير طلال – والد رجل الأعمال الأمير الوليد – لديه سجل بانتقاد العائلة المالكة بصورة علنية.
لقد شهدت العلاقات الأمريكية-السعودية مداً وجزراً في السنوات الأخيرة، ورغم أن التعاون في مواجهة الإرهاب قد تحسن بعض الشئ، فإن السعوديين لم يكونوا متعاونين بصورة خاصة في ما يخص أسامة بن لادن قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر، حيث أن خمسة عشر من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين؛ كما لم تكن الرياض متعاطفة عندما ارتفعت اسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل الواحد في العام الماضي. ولكن علاقات العمل تواصلت ومن المرجح أن تستمر. وفي مقالة له في مجلة الـ”نيوزويك” في الشهر الماضي، كتب دينس روس، الذي من المرجح أن يكون المبعوث الجديد لإدارة أوباما حول إيران، أن واشنطن “تحتاج” إلى المملكة [العربية السعودية] في سياستها لإجبار الخيارات على طهران.
وتأمل واشنطن في تجنب النزاع الداخلي في الأسرة المالكة السعودية على غرار ما حدث بين نجل عبد العزيز الأكبر سناً الملك سعود وبين خليفته في النهاية [الملك] فيصل والتي شلت حكومة المملكة بين عامي 1958 و1964. وستكون الرياض حساسة من [أي] تدخل خارجي أو مشورة بشأن هذه المسائل، ولكن نتائج التحولات المحتملة في الأشهر القليلة المقبلة ستكون شديدة الأهمية للولايات المتحدة والكثير في أنحاء العالم.
سايمون هندرسون
سايمون هندرسون، زميل بيكر ومدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن، هو محرر البحث السياسي للمعهد من عام 1994 “بعد الملك فهد: الخلافة في المملكة العربية السعودية”. وسوف تنشر تتمة هذا البحث “بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية” في ربيع 2009.
ملامح أزمة قيادة سعودية: تعثر صحة ولي العهد (دراسة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) كلمة أنا هنا لا أتدخل في هذا الموضوع بتاتا ولكن وجدت أنه لزاما علي قول كلمة حق: ورد في الموضوع أن الملك عبدالله هو الرجل الثاني الذي قام بالإصلاحات بعد الملك فيصل. إحقاقا للحق يجب عدم إغفال دور الملك سعود,الملك عبدالعزيز عمل على تكوين الكيان إنما الذي نقل النقلة لدولة حضارية فهو الملك سعود ففي عهده تم إنشاء مجلس وزراء و أنشاء المؤسسات و في عهده تم إنشاء أول جامعة و أدخل التطوير على جميع القطاعات و لم يكن في عهده مجالا للتشدد الزائد عن اللزوم… قراءة المزيد ..