تعريب عادل حبه
أجرى الإعلامي الإيراني إحسان عابدي حواراً صحفياً مع يوسف عزيزي بني طرف، الكاتب والناشط السياسي من أجل الحقوق القومية للشعب العربي في إيران ، والمقيم في المملكة المتحدة، حيث يلقي الكاتب الضوء على معاناة سكان خوزستان ( المعروفة بعربستان)، التي يشكل العرب فيها الأكثرية، وعلى أسباب الاستياء الذي يعم هذه المنطقة والمناطق القومية الإيرانية الأخرى، وهذا نصه:
– تحدث المراقبون عن حقوق الإنسان عن اعتقال 65 شخصاً في خوزستان بتهمة التحريض على مقاطعة الانتخابات. كما أشارت هذه التقارير إلى مقتل أثنين من المعتقلين في السجن، وهناك قلق على مصير بقية المعتقلين. إلى من ينتمي هؤلاء المعتقلين؟ وما هي مطاليبهم؟ ولماذا يدعون إلى مقاطعة الانتخابات؟. وهل هم جزء من حركة الخضر أو أنهم من تيار سياسي آخر؟
من الممكن أن يكون هدف هؤلاء مشابهاً لهدف الخضر. ولكن التيار الجاري بين عرب خوزستان والذي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات لا علاقة تنظيمية له بتاتاً مع أي تنظيم أو مع الحركة الخضراء. وفي الحقيقة أن الأسباب التي أجبرت هؤلاء على القيام بهذه الحركة مختلفة إلى حد ما مع القضايا المتعلقة بحركة الخضر، بحيث يمكننا القول أن الدعوة لمقاطعة الانتخابات من قبلهم ما هي إلاَ رد فعل على القمع الموجه ضد عرب خوزستان وفشل ممثليهم في الدورات السابقة للمجلس. إن ما أقدمت عليه السلطة القضائية واصدارها قرارات تتضمن تجريم كل من يدعو إلى مقاطعة الانتخابات هو أمر لم يحدث له مثيل في العالم. وقد جرى استغلال هذا القرار من أجل شن حملة اعتقالات وتعريض النشطاء السياسيين العرب إلى الأذى والتعذيب. إن مثل هذه الجريمة يتم أحياناً التغاضي عنها، أو أن تكون ردود الفعل أزاءها ليست بهذه الشدة فيما لو جرت في طهران مثلاً، ولكن في المناطق غير الفارسية فإن المواطن هناك يتعرض إلى عقوبات مضاعفة. و يتمتع المسؤولون الأمنيون بحكم ذاتي كامل بقدر ما يتعلق بالقمع.
– فهل أن المعتقلين من عرب خوزستان فقط؟
نعم، لقد تم اعتقال 65 شاباً عربياً قبل يومين من صدور بيان منظمة مراقبة حقوق الإنسان(هيومن رايتس واتش). وقد تعرض للقتل اثنان من الشبان العرب الأهوازيين بسبب التعذيب وهم كل من ناصر آلبو شوكة في أحد السجون السرية في مدينة الأهواز، ومحمد الكعبي في سجن شوش.
– هل جرى تأكيد هذا الخبر من جانب المنظمات ذات العلاقة؟
نعم فقد نشرت وسائل الإعلام صور الضحايا، وتلقت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان هذه الصور. كما بادرت منظمة حقوق الإنسان الأهوازي المستقرة في أمريكا إلى اصدار بيان يؤيد هذا الخبر. لقد حدثت هذه الاغتيالات في الأيام الأخيرة، إذ قتل السيد آلبو شوكة درفشان في 30 كانون الثاني والسيد محمد الكعبي في الثاني من شباط.
وفي آذار الماضي تعرض ناشط عربي آخر في مجال حقوق الإنسان هو رضا مغاميسي إلى الموت تحت التعذيب في سجن دزفول. كما تعرض أحد الشبان العرب وهو حامد العساكره إلى الموت في أيلول الماضي بعدما دهسته سيارة أحدى الدوريات العسكرية في مدينة خلف آباد. وهو حادث شبيه بما حدث في طهران أثناء مراسيم عاشوراء في عام 2010 خلال المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في إيران. وقد نقلت وكالات الأنباء تفاصيل الحادث، في حين لم يبث أي خبر عن حادث خلف آباد بسبب الجدار الذي أحيط بمحافظة خوزستان لمنع تسرب أية معلومة عن ما يجري فيها. إن الحكومة تريد من ذلك أن تؤكد أن كل شىء هادىء في خوزستان، هذه المحافظة التي تحتل مكانة ستراتيجية وجيوبوليتيكية، علماً أن هذه المحافظة تؤمن الثروة الإيرانية. ربما انك تريد أن تعرف السبب وراء موقف الحكم أزاء عرب إيران. إن الجواب على هذا السؤال هو أن الحكم يقمع النشطاء السياسيين في طهران بسبب الخصومة السياسية، ولكن قمع النشطاء العرب لا يقتصر على الخصومة السياسية فحسب، بل يتعداه إلى الحقد العنصري. ونتيجة لذلك يتعرض العرب لضغط وإيذاء مضاعف، بحيث قتل أربعة من العرب في خلال سنة واحدة. ومن الممكن أن يكون عدد المقتولين أكثر من ذلك لأن بعض العوائل تلتزم الصمت بسبب الخوف أو بسبب عدم تمكنهم من اللغة الفارسية أو بسبب وضعهم الاقتصادي المتدني مما يضع العراقيل أمامهم للاتصال بوسائل الإعلام.
– هل تعتقد أن عرب محافظة خوزستان يتعرضون إلى قيود أكثر من سائر سكان المحافظة؟
إنهم محرومون من التعليم بلغتهم الأم، أي اللغة العربية، في المدارس. ولا يستطيعون التكلم في المحاكم بلغتهم الأم، خاصة وإن غالبتهم لا يجيدون اللغة الفارسية مما يعرض حقوقهم إلى الغبن.
ويعيش حوالي 5 ملايين عربي في حنوب وجنوب غرب إيران، ولكنك لا تعثر على أية جريدة تصدر بلغتهم، ومن الصعوبة بمكان نشر أي كتاب أدبي واجتماعي وتاريخي باللغة العربية حيث توضع العراقيل أمام ذلك. ولا تنسى إن هذه المحافظة كانت تتمتع بحكم ذاتي ويحكمها حاكم عربي هو الشيخ خزعل حتى أوائل القرن العشرين. ونتيجة لذلك يشعر عرب خوزستان بالغبن، فهم قد فقدوا السلطة السياسية، وحرموا من حقوقهم الثقافية والاقتصادية. علماً إن أراضيهم غنية بالنفط، ولكنهم بعيشون في فقر مدقع وفي بيوت الصفيح والعشش ومع الجاموس.
لقد نقل أحد مراسلي وكالة “مهر” للأنباء صوراً عن حياة عرب خوزستان، وعلق عليها ” هنا ليس أفريقيا، هنا الأهواز”. وهذه عبارة تصف بشكل دقيق ما تعانيه المحافظة، كما تعبر عن الظلم الذي يلحق بسكانها.
بالطبع ينبغي الإشارة إلى أن القوميتين الكردية والبلوشية تعانيان أيضاً من التمييز. ولكن عرب خوزستان يتعرضون إلى التمييز العنصري، إضافة إلى كل أنواع التمييز الثقافي والمذهبي واللغوي. فالأبواب تسد بوجه المواطنين العرب بسبب أسماءهم العربية فقط. ولا يتسنم العرب المناصب الإدارية ومراكز الدولة، ولا تتناسب مواقعهم في هذه المناصب مع نسبة عددهم في المحافظة.
إن العرب يشكلون نسبة 70% في محافظة خوزستان، إلا أن 5% منهم فقط يحتلون المناصب المهمة في المحافظة والنواحي والمناصب الإدارية. إنهم يقارنون وضعهم المزري مع حال أقرانهم العرب في دول مجاورة كقطر والامارات والكويت، مما يثير استيائهم من الظروف التي يعيشونها.
– وكما يشاع، فهل تزيد هذه المشاكل من نزعة الانفصال لدى عرب خوزستان؟
– مثل هذه النزعات موجودة، ولكن لا يوجد لدينا ما يؤكد مداها. فلا نستطيع أن نجري مسحاً لذلك. إن أكبر انفصالي هو الحاكم الجالس في طهران الذي سلب حقوق الشعب وحرمهم من الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية، وفرض عليهم الفقر والفاقة. إنهم يعيشون على بحر من النفط، ولكن بدلاً من تعمير مدنهم وقراهم، فتتجه الأمور نحو الخراب، وتذهب واردات النفط إلى جيوب قادة الحرس الثوري والحكام من رجال الدين . ومن هنا فإن أكبر انفصالي هو السيد علي خامنئي، الذي بالرغم من علمه بعمق الفقر والحرمان لعرب خوزستان، إلاّ أنه يتعامل بطريقة أمنية ويصدر الأوامر القمعية.
– في حالة رعاية حقوق العرب وأزالة التمييز، فهل ستنتفي المطالبة بالانفصال؟
– ينبغي كسب رضى المواطنين، فعندما يتم تأمين حقوق المواطنة يشعر الفرد أن الوطن وطنه. وإذا ما تمت رعاية تامة للمواطنة، ويتم النظر إلى الجميع كمواطنين من الدرجة الأولى، وليس مواطنين من الدرجة الثالثة، عندها وفي ظل المساواة تنتفي كل الذرائع للانفصال.
إن نزعات الانفصال ليست رائجة بين العرب فقط، بل بين كل القوميات. وهي انعكاس لاضطهاد هذه القوميات. فهناك في كردستان تيار يمثله “بيجاك” أي حزب الحياة الحركة لكردستان، والذي يطالب بانفصال كردستان إيران والانضمام إلى كل أجزاء كردستان في الدول المجاورة لتشكيل دولة موحدة. كما إننا نشهد نزعات انفصالية في محافظتي آذربايجان وبلوشستان. فهذه النزعة لا يختص بها العرب، بل هي رد فعل كل القوميات غير الفارسية على ظلم الحكومة الإيرانية.
ونشهد في الوقت الحاضر شيوع كل أنواع الظلم في إيران. فهناك اضطهاد عام لكل فئات الشعب، وهناك اضطهاد خاص للقوميات غير الفارسية في إيران.
ومن أجل المظهر الأول من الاضطهاد ينبغي احترام حقوق المواطنة بشكل عام كي يتمتع كل الشعب الإيراني بالديمقراطية وحرية الفكر والحريات السياسية والحريات الدينية من ناحية، ومن ناحية أخرى ولكي يتم معالحة المظهر الثاني من الاضطهاد يجب احترام حقوق المواطنة المتعلقة بالقوميات غير الفارسية والاقليات الأخرى. وبعبارة أخرى يجب الاقرار بحقوق متساوية مع قومية الأغلبية وعلى نفس المستوى.
باعتقادي أنه من الواجب أن تبدأ المساواة بين المواطنين الإيرانيين من القانون الأساسي. إن إدراج المذهب الشيعي كالمذهب الرسمي للبلاد يؤدي إلى أن يصبح المواطنون غير الشيعة مواطنين من الدرجة الثانية. في حين أن أكثرية السكان هم من المسلمين، فيمكن الاكتفاء بالدين الإسلامي الذي يشمل الشيعة والسنة على حد سواء..
وعلى نفس المنوال اعتبار اللغة الفارسية اللغة الرسمية، والتقليل من أهمية لغات القوميات الأخرى مثل العرب والكرد والآذريين. ويوجد حل لهذه المسألة عن طريق اعطاء الحق باعتبار لغات القوميات غير الفارسية رسمية في مناطقها. على سبيل المثال اللغة العربية في خوزستان واللغة الكردية في كردستان والمناطق الكردية والآذرية في آذربايجان…الخ. وينبغي أن تكون اللغة الفارسية اللغة التي تشكل حلقة الوصل بين جميع المواطنين الإيرانيين.
وعلى هذا النهج يمكن ضمان المساواة بين المواطنين، وعن هذا الطريق يمكن تقسيم الثروة والسلطة بين مختلف القوميات الإيرانية ولكي تبقى إيران موحدة. فالنمط الحالي لا يلائم المجتمع الإيراني. فالمجتمع الإيراني متعدد المذاهب والقوميات. إن مثل هذه التعددية الثقافية واللغوية والمذهبية الموجودة في المجتمع تحتاج إلى نظام سياسي خاص بها.
وباعتقادي أن مثل هذا النظام يجب أن يكون نظاماً فدرالياً يستطيع أن يؤمن المساواة بين جميع الإيرانيين عرباً كانوا أم فرساً أم كرداً وغيرهم…. وإذا لم يتم الاعتراف بهذا التنوع اللغوي والثقافي والقومي، فسوف لا تشهد إيران أي نوع من أنواع الاستقرار.
– هناك سؤال آخر يتعلق بالحركة الخضراء، أي الحركة التي تبلورت حول هدف التوصل إلى الديمقراطية وإحياء حقوق المواطنة. من وجهة نظركم إلى أي حد جذبت هذه الحركة القوميات غير الفارسية وبالذات العرب في خوزستان، وأبدت تعاطفها معها؟
كنت في إيران أثناء فترة الإصلاحات، وسعيت كثيراً من أجل مساعدة الإصلاحيين على تطبيق المواد التي أكد عليها القانون الأساسي الإيراني والمتعلقة بالقوميات. ولكن الإصلاحيين، شأنهم في ذلك في شتى الميادين، أبدوا تردداً وتركوا الميدان للمتطرفين، ولم يظهروا أية جدية في ذلك.
إن الحد الأدنى الذي يمكن تحقيقه هو تطبيق المادة 15 من القانون الأساسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تنص على تدريس اللغات القومية في المدارس الابتدائية. لقد عقدنا كنشطاء عرب وكرد وآذريين وممثلي القوميات الأخرى، اجتماعات عديدة مع المسؤولين سواء في وزارة الداخلية أو في مركز البحوث التابعة لمجلس الشورى أو في الجامعات. ولكن لم يجر تنفيذ هذه المادة من قبل الإصلاحيين. إن الرئيس السابق السيد خاتمي الذي تراجع مراراً أمام خامنئي والمتشددين، تراجع هذه المرة أيضاً.
ونتيجة لذلك اتخذت القوميات غير الفارسية موقفاً سلبياً أزاء الإصلاحيين، وبرزت في المناطق القومية مواقف راديكالية. وعمت في بلوشستان منذ عام 2000، أي قبل سنتين وعندما تم اعتقال عبد الملك ريغي، موجة من العنف ونزيف الدماء والدمار. وفي خوزستان، ومنذ عام 2004 إلى عام 2006 حصلت موجة من التفجيرات. وكذا الحال في كردستان حيث يلاحظ حتى الآن استمرار المواجهات بين القوات الحكومية وبعض المجاميع الراديكالية. وهذا يعبر عن الاحباط أزاء موقف الإصلاحيين الذي يطال القوميات غير الفارسية. أما إذا سألت عن وجهة نظري، فإنني اعتقد أن الحركة الخضراء المعارضة هي جزء من الحركة الديمقراطية الإيرانية، على الرغم من أن برامج السادة كروبي وموسوي لا تستجيب لكل مطالب الأقوميات غير الفارسية.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن برامج مهدي كروبي أزاء المسألة القومية أفضل بكثير من برامج موسوي، ولكن حركة القوميات غير الفارسية قد تجذرت بحيث لم تعد هذه البرامج تحل مشكلة القوميات، فسادت النزعة الراديكالية التي لا تعني بالضرورة الانفصال والتجزئة.
إن الحركات القومية لم تكن تطالب قبل عدة سنوات إلا بتطبيق مواد القانون الأساسي المتعلقة بالقوميات غير الفارسية. أما الآن فالحديث يدور حول الفدرالية، وإنني أميل إلى أن تبقى المحافظات جزءاً من أيران. ولقد طالبنا مراراً من زعماء الحركة الخضراء المعارضة السيد مير حسين موسوي ومهدي كروبي أن يرتقوا ببرامجهم إلى مستوى مطالب القوى السياسية غير الفارسية وتأييد الفدرالية. ولكننا لم نسمع منهم أي رد فعل.
ولذا فإننا نلاحظ اتجاهين في إيران بما يتعلق بالعملية الديمقراطية. تيار يمثله الخضر في طهران وبعض المدن التي يقطنها الفرس مثل اصفهان وشيراز، أما التيار الآخر فهو تيار القوميات غير الفارسية. لقد دلت المظاهرات والاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة الأخيرة على أن الحركة الخضراء بقيت محدودة في المدن التي يقطنها الفرس، ولم تمتد لتشمل مدناً مثل تبريز والأهواز وسنندج ومهاباد. ولذا فمن الضروري أن نجد طريقاً للتنسيق بين هاتين الحركتين.
إذا ما دافع قادة الخضر بشكل أكثر صراحة عن القوميات غير الفارسية، فهل من الممكن أن تتحد الحركتان؟
– نعم دافع هؤلاء القادة وعرضوا برامج لحل المسألة القومية في إيران، وخاصة برنامج السيد مهدي كروبي الذي يتحدث عن البرلمانات المحلية وتدريس اللغات القومية في المدارس. ولكن الشكل النموذجي هو القبول بنظام غير مركزي يتبلور في إطار نظام فدرالي. في عالم اليوم هناك 120 بلداً يطبق الإدارة الفدرالية في كندا وأمريكا وألمانيا وسويسرا وروسية و الأرجنتين والهند والعراق والإمارات وغيرها .
ونرى أيضاً أن بعض الدول التي تتكلم بلغة واحدة تطبق هذا النظام مثل ألمانيا وأمريكا وهي أنظمة ناجحة، فما بالك بالدول التي يتحدث سكانها بعدة لغات. إذن من الضروري أن يبادر التياران في الحركة الديمقراطية الإيرانية إلى الحوار والاقتراب في رؤياهم. وخلاف ذلك فلا يصيب النجاح حركة الخضر ولا حركة القوميات غير الفارسية.