جاء الكشف عن توقيف شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي العميد المتقاعد في الجيش والقيادي البارز في “التيار الوطني الحر” فايز كرم ليفجر مفاجأة ضخمة وصدمة لدى “التيار”.
ذلك أن كرم أوقف بتهمة التعامل مع اسرائيل، وهو تطور أول في سياق الكشف عن شبكات التعامل بحيث يطاول متهما ذا صفة سياسية الى جانب كونه ضابطا رفيعا متقاعدا تدرج في الجيش وتولى مراكز قيادية كان آخرها رئيس فرع مكافحة الارهاب والتجسس حتى العام 1990.
وكان كرم في عداد الضباط الذين اعتقلوا في سوريا عقب عملية 13 تشرين الاول 1990، التي أطاحت حكومة العماد ميشال عون العسكرية، وانضم الى العماد عون في منفاه في باريس، ثم عاد معه الى لبنان عام 2005 وخاض الانتخابات النيابية في دورتي 2005 و2009.
وكشفت مصادر مطلعة لصحيفة “النهار” ان الجهات الامنية المعنية أبلغت مساء الثلثاء العماد عون توقيف كرم وطلبت منه امهالها خمس أو ست ساعات لافادته عن حصيلة التحقيق الاولي معه. كما أبلغ في الوقت عينه المسؤولين الكبار في الدولة هذا التطور.
وتبين، وفق الاوساط نفسها، أن كرم أوقف لدى محاولته مغادرة البلاد عبر مطار رفيق الحريري الدولي، اثر توقيف مقدم في الجيش قبل ايام بالتهمة عينها. وقالت الاوساط إن كرم كان يحاول الفرار بعدما استدعي للتحقيق، مما شكل الاشارة الى وجود ارتباط بين الضابطين. وأضافت انه في الجولة الاولى من التحقيق معه بعد توقيفه اعترف بتعامله مع اسرائيل ويرجح ان يكون هناك متورطون آخرون في الشبكة عينها.
وابلغ مصدر امني صحيفة “السفير” بأن الفرع تمكن قرابة العاشرة من ليل الثلاثاء، من توقيف كرم، بعد التأكد من تورطه بناء على معطيات أمكن تجميعها منذ فترة.
وأشار المصدر الى أن كرم سيق الى التحقيق، فيما اخضع منزله الى تفتيش دقيق وصودرت منه مضبوطات مختلفة من جهاز كومبيوتر الى الهواتف التي كان يستخدمها، واحيلت جميعها للفحص والتدقيق.
وقال المصدر ان كرم سرعان ما اعترف في التحقيق الاولي معه بالتعامل مع الاسرائيليين، كاشفا أنه كان يلتقي مشغليه في بعض الدول الاوروبية وتحديدا في باريس حيث أمضى أكثر من عشر سنوات بعد مغادرته لبنان في مطلع التسعينيات. واشار المصدر بناء على التحقيق الاولي مع كرم، الى ان بداية اتصاله مع العدو كانت في مطلع الثمانينيات. وكان لا يزال مستمرا في التواصل معهم حتى الآن.
وامتنع المصدر عن تحديد حجم خطورة كرم، وقال: لقد تبيّن من التحقيق الاولي ان هناك تواصلا اكيدا وواضحا تم في العام 2009، ومدى خطورته يحددها ما يظهره التحقيق الذي لا يزال في بدايته، علما أن وجهة التحقيق وبعدما اعترف بتعامله، يركز على وجهة الخدمات التي كان يقدمها للعدو، وخصوصا من موقعه كضابط متقاعد.
وفي حين غاب أي موقف علني لـ”التيار الوطني الحر”، اكتفت محطة O.T.V الناطقة باسم “التيار” بايراد كلمات قليلة عن الحادث، مشيرة الى أن “ما لفت أمس إعلان عن أن كرم يخضع للتحقيق من قبل فرع المعلومات”، ناسبة إلى مصادر الموالاة “ان الأمر مرتبط بتهمة التعامل مع دولة عدوة، من دون أن تُشير الى إسرائيل مباشرة”.
وتوقعت مصادر سياسية معنية ان يكون لتوقيف كرم ارتدادات داخلية، سواء على مستوى التحالفات القائمة او الاستحقاقات المقبلة والمتوقعة في بحر الأسبوع الجاري.
وأكّد مصدر أمني لصحيفة “اللواء” أن اتصالات كرم مع إسرائيل تعود بالتأكيد إلى فترة الحرب الأهلية، وليس ابتداء من العام 2005، مشيراً إلى أن هذه الاتصالات تجددت بعد عودة العماد عون من فرنسا، ولم يستبعد المصدر أن يكون المنصب الذي شغله كرم في فرع مكافحة التجسس والإرهاب في قيادة الجيش أثناء تولي عون الحكومة الانتقالية في العام 1988، ممره إلى التعامل مع الاسرائيليين.
وشدّد المصدر على ضرورة استكمال التحقيق مع الضابط الموقوف، قبل الإفراج عن المزيد من المعلومات المتعلقة بهذه القضية، كاشفاً بأن كرم اعترف بعد ساعة من توقيفه، اثر مواجهته بجملة من الوقائع، لافتاً إلى أن من شأن الكشف عن مزيد من التفاصيل تعريض التحقيق للخطر.
ونفت مصادر مطلعة لصحيفة “الحياة” صحة إشاعات عن أن هناك أشخاصاً آخرين أوقفوا أو أن هناك مشتبهاً بتعاونهم معه في الصلات التي اشتبه بتورطه فيها، مشيرة الى أن الشبهة تطاول كرم وحده.
وعن كيفية تلقي رئيس كتلة “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون الخبر كشفت صحيفة “السفير” عن اتصال هاتفي من أحد قياديّي “التيار” عند السابعة والنصف من صباح أمس بالرابية أيقظ “الجنرال” على الخبر الأسوأ في حياته.
ويحاول المتحدث على الطرف الآخر من الخط ضبط نبرته وانتقاء كلماته بعناية “لقد اتصل بي رئيس فرع مخابرات الجيش في بيروت جورج خميس وأخبرني ان فرع المعلومات اعتقل العميد فايز كرم بشبهة التعامل مع اسرائيل”.
ويردّ عون بنبرة حادة”كيف”؟. المتّصل يفرغ ما في جعبته من المعطيات الصباحية القليلة التي توافرت لديه، ويستدرك سريعاً صمت المتلقّي، فيسأل “الجنرال” “هل ما زلت معي على الخط؟”. يقفل عون السمّاعة، ويترك المتصل كما آلاف الشباب من العونيين الملتزمين وغير الملتزمين في حالة صدمة وذهول ودائماً بحسب “السفير”.