كتب مراسل “لوموند”، “بنجامان بارت” من بيروت:
معركة عدن الثانية، هل بدأت؟
بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر من طرد المتمردين الحوثيين من المدينة-المرفأ، الواقعة في أقصى جنوب اليمن، فقد كشف جهاديو “القاعدة في شبه الجزيرة العربية”- أي الفرع الأكثر خطورة للشبكة التي أسّسها أسامة بن لادن- كل أوراقهم. وبعد أن شاركوا في القتال لتحرير المدينة الثانية في اليمن من الحوثيين، فقد استفادوا من غياب الحكومة التي ما زالت في المنفى، والتي رحلت القوات التابعة لها للقتال في الشمال، من أجل فرض سيطرتهم الميدانية.
“إنهم يتقدمون بأقصى سرعة”، تقول “مها عوض”، وهي مديرة جمعية نسائية في عدن تحدثنا معها بالهاتف. وتضيف: “إنهم يهددون، ويغتالون، ولا يتصدى لهم أحد. إن الجنود السعوديين والإماراتيين الذين شاركوا في تحرير المدينة من الحوثيين يتمركزون في قواعدهم، في المرفأ والمطار. ولا نشاهدهم أبداً في الشوارع.”
وحسب سكان المدينة الذين تحدثت معهم وكالة الصحافة الفرنسية، فإن علم “القاعدة” الأسود يرفرف على مبنى الشرطة في حي “التواهي” بعدن، حيث قام المتطرفون بتنظيم استعراضات عسكرية. كما أنهم ينشطون في أحياء “كريتر” و”خورمكسر” و”بريغا”، حيث يتزايد حضورهم كل يوم. وسبق لـ”القاعدة” أن استولت على مرفأ “المكلا” الواقع على بحر عُمان، في ذروة القتال الأهلي.
وداخل مدينة “عدن”، يسعى الجهاديون لفرض أخلاقياتهم المتزمّتة على الجامعة. ففي أواخر شهر أكتوبر، وفي حملة يبدو أنهم منسّقة، قام رجال مسلحون باقتحام عدد من الكليات، وأوقفوا الدروس، ووزعوا منشورات تدعو إلى وضع حد للإختلاط. وهدّدت المنشورات بشن هجمات بالسيارات المفخخة وقنابل المولوتوف إذا لم تَنصَع إدارة الجامعة لأوامرهم قبل ٢٩ أكتوبر. وعشية انتهاء الإنذار، قام رجال على موتوسيكلات بإلقاء قنبلة على مبنى كلية التجارة.
فراغ أمني
ليس واضحاً بعد كيف ستتصرف الجامعة إزاء تلك الضغوط. فقد صرّح أحد المسؤولين لوكالة الصحافة الفرنسية بأنه “لا يمكننا القبول بمطالب هذه القوى الظلامية”. ولكن اثنان من سكان عدن تحدثت معهما “لوموند” بالهاتف يقولان أن إدارة الجامعة أذعنت وقرّرت فصل الشبان عن الشابات أثناء الدروس. ويقول “رضا حاجب”، وهو مستشار في التنمية، أن “المتطرفين فازوا. وهذه نتيجة منطقية للفراغ الأمني السائد في عدن”.
جدير بالذكر أن حكومة اليمن، التي تتمركز في “الرياض” منذ الإنقلاب الحوثي في شهر يناير، كانت قد انتقلت إلى مدينة عدن، وأعلنتها عاصمة مؤقتة للبلاد. وكان متوقعاً أن تساعد عودة رئيس الحكومة خالد بحاح في تهدئة الأوضاع في عدن، التي طُرِدَ منها الحوثيون في منتصف يوليو بعد ٤ أشهر من القصف ومن معارك الشوارع الشرسة.
ولكن، بعد ذلك بثلاثة أسابيع، في ٦ أكتوبر، وقع انفجاران في وقت واحد نجم عنهما تدمير الفندق (الصورة أعلاه لمقر الحكومة بعد الإنفجار) الذي تمركزت به الحكومة والمقر العام للإئتلاف العربي. وكانت حصيلة الإنفجارين إصابة وزير واحد بجروح، ومقتل ١٥ جندياً (١١ يمنياً، و٤ إماراتيين). وبعد أن أعلنت الحكومة أن ما وقع كان هجوماً بالصواريخ، فقد تبيّن أن ما حدث كان هجومين إنتحاريين بسيارات مفخخة قامت بهما “الدولة الإسلامية”.
وكانت تلك أول عملية تقوم بها منظمة “أبو بكر البغدادي” التي كانت عملياتها السابقة قد اقتصرت على تفجيرات لمساجد شيعية في “صنعاء”، في شمال اليمن. ويقول ديبلوماسي غربي أن “حاشية الرئيس هادي تصر على أن ترى في عمليتي عدن ضربة قام بها أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح. ولكننا لا نصدق ذلك. ونخشى أن تكون “الدولة الإسلامية” قد بدأت بالتمركز في عدن”.
بعد التفجيرين رحلت الحكومة إلى حيث أتت. ومنذئذ، تواصل القوى الجهادية فرض نفوذها من غير أن يكون واضحاً إلى أي تنظيم تنتمي: إغتيال ضابط إماراتي في ١٧ أكتوبر؛ هجوم على “زاماران”، وهو أكبر سوبرماركت في عدن في ٢٥ أكتوبر لفرض عدم الإختلاط وارتداء الحجاب؛ هجوم على السجن المركزي في اليوم نفسه لتحرير سجين كان قد أطلق “بازوكا” على مقر الحكومة قبل أسابيع: ثم الهجوم على الجامعة في ٢٦ أكتوبر.
انتشار الأسلحة
إن ما يساعد في تصاعد قوة الجماعات المتطرفة السنّية هو الغنائم الكبيرة التي وضعوا أيديهم عليها في الأشهر الأخيرة أثناء القتال ضد الحوثيين: ترسانة كبيرة تشمل المدرعات، والدبابات، وبطاريات الصواريخ. وحسب مسؤول في مصفاة عدن تحدثت معه وكالة الصحافة الفرنسية، فإن مقاتلي “القاعدة” استولوا كذلك على ٦٠٠٠ طن من وقود الديزل.
تبدو السلطات المحلية غير قادرة على المواجهة حتى الآن. فانتشار الأسلحة وتكاثُر ميليشيات الأحياء يعيق عمل محافظ المدينة، “جعفر محمد سعد”، الذي عُيِّنَ مؤخراً محل “نايف البكري”. وكان انتماؤه لحزب “الإصلاح”، الفرع اليمني لجماعة “الإخوان المسلمين”، قد أثار توترات داخل الإئتلاف العربي، حيث أن السعودية تؤيد التقارب مع “الإخوان”، في حين تظل دولة الإمارات مناوئة لهم.
وتؤثر الخلافات بين “خالد بحاح” والرئيس “هادي” في قوة معسكر الموالين. ويعترض “بحاح” على تكليف إبن الرئيس هادي، “جلال”، وهو في الأربعينات من العمر واشتهر كرجل أعمال، بملفّ إعمار “عدن“.
وتبعاً لما سبق، هنالك مخاوف من أن تسقط المدينة الثانية في اليمن في يد “القاعدة”.
إن “رضا حاجب” يصرّ على أن “المتطرفين ليسوا مقبولين من أهالي عدن. لقد عشنا محنة أهالي “أبين” حينما احتلّ الجهاديون محافظتهم في سنة ٢٠١١ فاضطروا للجوء إلى عدن. يستحيل على الجهاديين أن يفرضوا علينا الصمت”! أما “مها عوض” فإنها أكثر تشاؤماً: “: الجهاديون يخيفونني. إنهم أقوياء، ومنظّمون، وحتى الآن ليس هنالك من يقف بوجههم”!
الأصل الفرنسي: