خاص بـ”الشفّاف”
التصريحات التي ادلى بها وزير الخارجية الاميركي حول بقاء العمل العسكري بين خيارات ادارة البيت الابيض في التعامل مع ايران على خلفية ملفها النووي لا تزال تستثير العديد من ردود الفعل الايرانية، خاصة من قيادات في المؤسسة العسكرية وتحديدا “حرس الثورة”، الذراع العسكرية العقائدية للنظام.
التصعيد الكلامي لقيادات في الحرس، يأتي بالتزامن مع لهجة عاتبة من القيادة السياسية، تحديدا تلك الصادرة عن الرئاسة الايرانية وادارتها الدبلوماسية، غير المترددة في جديتها بالسير قدما لحل ازمة الملف النووي، والتي تعتقد ان الضغوط الاميركية وحتى الاوروبية لا علاقة لها بالملف النووي الذي وُضِع على سكة الحل المنطقي بعيدا عن التجاذبات السياسية المتعلقة بموقع ودور ايران في الملفات الاقليمية.
القيادة العسكرية، وجدت في تصريحات كيري منفذاً او بوابة لرفع صوتها والعودة الى لعب دور الشريك في القرار السياسي المتعلق بكل ما يدور من مفاوضات تتعدى البرنامج النووي، انطلاقا من انها كانت في المرحلة السابقة تمثل رأس الحربة في تعزيز الحضور الايراني الاقليمي، وانها وقفت خلف الملف النووي وكل الانجازات التي تحققت في هذا الاطار.
اللهجة التصعيدية الصادرة عن قيادة حرس الثورة والتي افتتحها القائد العام الجنرال محمد علي عزيز جعفري، استمرت على لسان اشخاص آخرين من قيادات هذه المؤسسة العسكرية، التي وجدت في التهديدات استمرارا لما اعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من مواقف عدائية ضد ايران، ونصحت الادارة الاميركية بعدم اعتماد هذا الاسلوب في التعامل مع ايران لان “مطر ابريل الغزير في اميركا لا يعني ان مايو سيشهد تفتح الورود في ايران”.
وقد ذهبت المؤسسة العسكرية العقائدية الى اعتبار ان الرد الايراني في مواجهة التهديد غير المنطقي قد افقد العمل العسكري قيمته وفعاليته من ناحية, ومن ناحية اخرى لا يكمن اعتباره ردا او مواجهة مع مبدأ “الليونة الشجاعة” التي تعتمدها الدبلوماسية الايرانية في هذه المرحلة والتي انتهت الى توقيع اتفاق جنيف بين ايران ودول (5+1)، بل يمكن وصف موقف هذه المؤسسة، حسب ما تحب هي ان يكون، بانه الوجه الاخر والمكمل لمبادئ السياسة الخارجية التفاوضية وغير التفاوضية لايران، انطلاقا من ضرورة التكامل بين المسارين السياسي والامني- العسكري الذي اسهم في صناعة الدور والموقع الايراني في المنطقة، وان الاسلوب الاميركي القائم على “جميع الخيارات على الطاولة” هو ذريعة لتعزيز مواقعها في المسار السياسي بعد ادراكها لمدى العجز الذي تواجهه امام ايران في حال قررت اللجوء الى الخيار العسكري.
التضارب في المواقف بين الاقطاب الايرانيين، حسب ما ظهر على الاقل، يدفع إلى طرح سؤال جوهري حول السياسة الايرانية المعتمدة في هذه المرحلة: هل هو تقاسم للادوار بين قطبي اللعبة داخل التيار الواحد- المحافظ- بعد اسقاط التيار الاصلاحي من دائرة التأثير على المشهد السياسي للنظام؟ ام هو تعبير واقعي عن حقيقة ما يدور من صراع بين جناحي التيار المحافظ – الصقور والحمائم- وتربص الواحد منهما بالاخر؟
الادارة السياسية للنظام الايراني، لم تتوقف عند التصريحات التي ادلى بها الوزير الاميركي، بل ذهبت نحو توجيه رسائل واضحة للادارة الاميركية، عبر عنها حديث الرئيس حسن روحاني عن ايجابية في التعاطي مع امكانية اعادة افتتاح سفارة للولايات المتحدة الاميركية في ايران، وهو موقف قد لا ينسجم مع اللجهة الهجومية لقادة حرس الثورة.
مهما كانت التفسيرات التي تقدمها المؤسسة العسكرية للمواقف التصعيدية التي اتخذتها، فانها لا تلغي حقيقة وجود خلاف بين جناحي التيار المحافظ – الصقور والحمائم- فيما يتعلق بالمسار التفاوضي الذي يتعدى الازمة النووية والعلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية. وهو صراع من المفترض به ان يحدد مستقبل من سيكون بيده القرار السياسي لايران.
موقف المؤسسة العسكرية التي تمثل جناح الصقور في ايران، عاد ليطل برأسه من جديد مستغلا الفرصة التي قدمها له الوزير الاميركي على طبق من ذهب، ليكسر بذلك الطوق الذي حاول فرضه المرشد الاعلى امام تدخلهافي المسار السياسي المباشر، من دون ان يسقط امكانية العودة اليها في حال لم يستطع تحمل الفاتورة االباهظة لاي تنازلات قد يضطر على تقديمها. وبالتالي ايصال رسالة واضحة لجميع الاطراف، في الداخل والخارج، بانه مازال يمسك بعصى القرار من الوسط، وان تراجع الخطاب التصعيدي لكن يكون طويل الامد اذا ما اصر الطرف المفاوض على دفع الامور الى حافة الخطر بفرض تنازلات مؤلمة على النظام، واعتبار قبوله بمبدأ الحوار مع الشيطان الاكبر سابقا لم يكن سوى من منطلق الحفاظ على مصلحة النظام وضرورات المرحلة.
التغاضي عن تصعيد المؤسسة العسكرية وعودتها الى الواجهة من جديد، يدفع جناح الحمائم الذي يمثله الرئيس روحاني ووزير خارجيته، الى التريث في اي خطوة ينوون اتخاذها، او على الاقل عدم اسقاط وجود قوى تتربص بهم من حساباتهم. وبالتالي يجعلهم غير واثقين بقدرتهم على السير في المسار التفاوضي الى الامام وتحمل الضغوط المتزايدة الدولية والداخلية على حد سواء.
على الرغم من محاولات المرشد ضبط ايقاع التحولات التي تشهدها ايران في الموضوعين النووي والاميركي بمهارة المايسترو، الا ان التباين في المواقف مازال يطل برأسه بين الفينة والاخرى متجاوزا الخطوط الحمر التي رسمها المرشد لحدود هذا الصراع والجدل. وبالتالي قد تسمح له بتوظيف هذا الصراع لتعزيز سيطرته وافهام الطرف الاخر في المفاوضات ان الامور ليست بالسهولة التي يتصورها البعض في ظل وجود هذا الصراع وتضارب المواقف والاراء.
fahs.hassan@gmail.com
دبي