يخاطب السيد عبد الجليل أبناء شعبه وكأنهم أطفال صغار فى مرحلة ما قبل النوم يمكن إحتواء غضبهم بكلمة حانية تدعدغ أحلامهم وتهيئهم لنوم هنيء وأحلام سعيدة! لكن المتلقي مختلِف والمستمعون ليسوا سواء، وكان على سيادته أن يدرك الفوارق ويعلم أنه يخاطب شبانا يافعين وأشخاصاً عليه ألا يحتقر ذكاءهم، وأن يعاملهم معاملة الند للند.
من خلال كلام السيد المستشار تلوح مؤشرات سيئة، أولها وكما قال “أنه رصد فى المتظاهرين مندسّين يعملون وفقا لاجندة خاصة”، مما يعنى أن العيون السرية وقوى الأمن الخاص عادت تباشر أعمالها. ولم يحدِّد من هم “المندسّون“، وماهى هذه “الأجندة”، ومن وراءها. ثم استخدم الاسلوب القديم فى الجواب وردَّ على المظاهرة بمظاهرة مدبرة وَضَحَ فيها التكلُّفُ والتمثيل.
قال السيد المستشار إن المسئولية التى يحملها توجب عليه الاستمرار فى الحكم وعدم تقديم إستقالته، مع أنه وعد بتقديمها فور إعلان التحرير. ولا بأس فى ذلك، لكن قوله أنه يحمل مسئولية لا يستطيع التخلي عنها يعنى أن أى ليبى أخر لا يمكنه أن يحملها!
هنا يكمن الخطأ الكبير وتظهرالرغبة الملحة فى الاستحواذ على السلطة، برغم أنه شّبّّهَ السلطة في مداخلة سابقة على “قناة ليبيا تي في” بأنها “محرقة“. وهى نفس الكلمة التى إستخدمها العقيد، ثم بقي فيها برغم لهيبها وشدة حراراتها ما يزيد عن ثلاثين عاما بعدها لأنها كانت “برداً وسلاما”.
لماذا لا يقول السيد المستشار صراحةً أنه سيغادر السلطة ويعتزل السياسة فى موعد محدد- أو أنه لا يجد مثيلاً له، لذا فسيستمر فيها إلى الابد!
قال السيد المستشار: لماذا لا يذهب المتظاهرون للتظاهر ضد إحتلال الميليشيات للمباني الحكومية؟
فهل يعنى ذلك أن هذه الميليشيات أقوى من المجلس؟ ولماذا لا يقود المستشار أو إعضاء مجلسه هذه الإنتفاضة الجماهيرية ويزحفون بها نحو المقار المحتلة ويحاصرونها؟ هل يستطيع أعضاء الميليشيات تحدي إرادة الجماهير أو إطلاق النار عليها؟
قال سيادته: إن الدول التى توجد الأرصدة الليبية بها تماطل في الدفع بسبب وضعها الاقتصادي!!
هذا الكلام ليس صحيحاً.
أولاً، لا نها لا تستطيع أن تؤجل الدفع مهما كانت حاجتها.
والثاني أن من مصلحتها الافراج عن هذه الاموال لانها ستتحول إلى سلع وخدمات أو إستثمارات، وما هو موجود فى النظام المالي الغربي سينتقل من حساب إلى حساب ولكنه سيظل فى داخل النظام ولن يخرج منه وليس له مكان أخر يستقر فيه.
السبب الصحيح أن المجتمع الدولى الذى يملك الوصاية على ليبيا لا يرى الحكومة الحالية قادرة على التصرف فى هذه الاموال بكفاءة، ولا يرى أن الوضع الامني فى ليبيا يمكّن الحكومة من تأمينها، وتقتضيه قواعد الحكمة ألا يسلّم هذه المبالغ الضخمة إلى حكومة إنتقالية مؤقتة.
الشئ المهم أن السيد المستشار لم يقدم جوابا شافيا على ما طرحه المتظاهرون الذين طالبوا بشفافية تتيح لهم معرفة مصير بلادهم فى الشهور القادمة، وتجاهلَ أساسَ المطالب وهو سلطات المجلس الانتقالي والغموض الذى يحيط بتصرفاته، وعجزه، أو عدم رغبته، في إزالة الغموض وتحقيق الشفافية والكشف عما يخبئه عن العيون، وغموض التفسير للاعلان الدستوري، وعجزه عن رسم خارطة طريق لنقل السلطة إلى حكومة منتخبة.
وماذا عن أعضاء المجلس؟ والترف المالى الذى يعيشون فيه- فاتورة عضو واحد توازى ألف دينار فى اليوم الواحد! لم يتناول السيد المستشار الموضوعَ بالتصريح ولا بالتلميح، بل حرص السيد العرادي، المتحدث بإسمه، على الكلام من فندق “ريكساس” ومن منبر يحمل إسمه.
ولم يتحدث السيد الرئيس عن رغبات المجلس الخفية فى إستمرار سلطاته برغم ضعفه فى السيطرة على مقاليد الامور وضعفه فى مواجهة التجاوزات التى تحدث أمام عينيه فلا يتحرك لها ولا يتخذ ما تفرض عليه القوانين اتخاذه من إجرائات قانونية وقوة رادعة.
قامت قوات السيد “حفتر” بمهاجمة “مصرف الأمان”، وجرح إبنه فى الاشتباك. ومن قبله هاجمت قواته فندق “ريكساس” للبحث عن خبيئة قيمتها مليار دولار! يبدو أن الرجل يعاني من ضائقة مالية، أو يبدو أنه لا يستطيع السيطرة على تصرفات أبنائه وأفراد قواته. وهاجم آخرون النائب العام وهدّدوه، وأجبروه على الافراج على بعض المتهمين من أمثالهم.
وقامت قوات “عبد الله ناكر” بمهاجمة قسم الشرطة الذى احتجز سيارة مسروقة المتهم فيها واحد من أعوانه. ولما رفض ضباط المركز الرسالة التى أرسلها لهم، استبدلها بثلاثين ثائراً اقتحموا المركز وحطموا محنوياته. ولا يمكن لأحد أن يدّعي بأن هؤلاء هم من “زبانية القدافي” او من “الطابور الخامس”. بل الحقيقة المرة أنهم أعضاء فى الكتائب الثورية يعلم قادتهم، الذين يتسابقون على الكاميرات، بكل ما يفعلونه ويشجعونهم عليه.
ألا يجدر بالسيد المستشار أن يفعل شيئا أمام هذا الامر؟ لا نطلب منه استخدام السلاح لردعهم، فنحن نعلم أنه لا يستطيع- لكنه يستطيع أن يسمي المجرمين بأسمائهم. وأن يعترض على تصرفاتهم ويطالبهم بتسليم أنفسهم للعدالة.
المهم أيضا أن يحدد الرئيس ما هي علاقته بقطر، وينفى أو يؤكّد ما ذكره د. علي الترهوني عن وجود رئيس الأركان القطري فى طرابلس وسلطته على دائرة صنع القرار واقتحامه مكتبه حين كان رئيساً للمكتب التنفيذي بالوكالة، واتهامه العلني لقطر بالتدخل السافر في شئون الأمن الليبيي. عليه أن يقول فقط إن كان الرحل صادقاً في ما ادّعاه، أم هو كاذب.
وعليه، كذلك، أن يؤيّد، أو يكذّب، ما قاله “صالح جعودة” على إحدى شاشات التليفزيون من وجود إتفاقيات ثنائية تتيح لقطر حقوقاً لم يَستَشِر الليبيين أحد فى شأنها، وما هي سلطته فى توقيعها. ثم عليه أن يقول الأخطر والخطر عن قيام قطر باختيار مجموعة من شباب الثوار تابعين لكتائب الفرق المقاتلة ونقلهم للتدريب فى قطر!
وعليه أن يحدد كذلك إن كان قد اصدرمرسوماً بتعيين “خليفة حفتر” رئيساً لاركان الجيش الوطني ومنحه رتبة اللواء.
كل ما نطلبه من سيادة الرئيس هو الصراحة والوضوح!
swehlico@maktoob.com
* كاتب ليبي
مصطفى عبد الجليل: عوامل الأزمة وتحليل الخطاب
هذه مشكلة الثورات في بلاد التخلف والمتخلفين ، تذهب بنظام الدكتاتور وتأتي باللانظام. يجب على العرب ان يتدارسو هذا الوضع. لايصح ولا يجوز ان تكون نهاية كل ثورة هي مجرد اسقاط اشخاص وصعود غيرهم بنفس العقليات والثقافات والا ماالفائدة من فقد الارواح وخسارة الاوطان ثم لا يتغير شيئا مما كان الا وجوه.