رغم انتهاء المعارك في ليبيا، ما زال ثوار “كتيبة البدر” يواظبون على المجيء كل يوم إلى مقر كتيبتهم الذي يقع في فيلا جميلة خارج “مصراته” كانت في ما مضى تابعة لوزارة الزراعة.
ويعترف “أحمد عيسى” بأنه “ليس هنالك شيء آخر يمكن أن نفعله. فدروس الجامعة لم تُستَأنَف بعد، وما تزال كثير من الشركات مقفلة”. ومن الواضح أنه يصعب على “قدامى المقاتلين”، وكلهم في عمر الشباب، أن يضعوا خلفهم ثمانية أشهر من الحياة المشتركة، ومن المعارك، والأفراح والأحزان، ثمانية أشهر بين الحياة والموت.
ويرتاح رجال “كتيبة البدر” في الدور الأولى للفيلا حيث يتبادلون الأحاديث وهم يشاهدون قناة “الجزيرة” التي تبث نشرتها الأخبارية بدون انقطاع. وقد وصلتهم للتوّ “إستمارة” وزّعها عليهم قائدهم، فبدأوا بالإجابة عليها بدقة بالغة، والأقلام في ايديهم. وتتألف الإستمارة من ورقة واحدة مطبوعة على الجانبين تتضمن معلومات حول الإسم الكامل، والوضع العائلي، والمؤهلات، والمهنة، والراتب، الخ.. كما تتضمن سؤالاً حول ما يتمنّاه كل واحد منهم لنفسه: “هل ترغب في الإنضمام إلى جيش ليبيا الوطني عند تشكيله؟”
ومع أن “كتيبة البدر” كانت بين أولى الكتائب التي نشأت في “مصراته”، فإن حجمها متواضع. فهي تضم 360 رجلاً، أغلبهم من الشبّان الصغار، ومعظمهم من طلاب الجامعات. ويفضّل أكثر من 300 منهم العودة إلى الحياة المدنية.
ويقول “أحمد”، الذي أنهى لتوّه الدراسة لوظيفة مدرّس: “في مصراته، كلنا يساورنا الأمل في إنجاز دراستنا وفي الحصول على عمل لائق. الإلتحاق بالجيش سيكون لمن لا يجد مهنة أفضل”. ويضيف أحد رفاقه: “خصوصاً أننا لم نُخلّق للحياة العسكرية التي تتطلب الإنضباط في حين أننا، نحن، نحب الحرية”.
إن شكليات تسريح الكتائب الكثيرة التي نشأت أثناء الحرب الأهلية ليست معروفة بعد. ولكن ذلك لا يثير قلق “أحمد عيسى”. وهو يقول أن “الأمور ستتم بهدوء. فالجامعة ستفتح أبوابها بعد العيد، وسيغادر الطلاب للإلتحاق بدراستهم. ثم تستانف الإدارات العامة أعمالها، وأخيراً فستعود الشركات العامة والخاصة إلى العمل. ذلك كله سيتم بالتدريج”.
وماذا عن الأسلحة؟ الجميع يؤكدون أنهم سيخضعون للقانون وسيقومون بتسليم أسلحتهم. ويشير قائد الكتيبة إلى أن “كل سلاح مسجّل”، ونحن لم نصبح مقاتلين إلا لأن الحرب فُرضت علينا”. ويرغب بعض الثوّار في أن يحتفظوا بسلاحهم الفردي لـ”الذكرى”، ويقولون أن قائدهم وافق على شرط نزع الزناد.
وتشتمل “الإستمارة” على سؤال آخر: “إذا كنت تفضّل العودة إلى الحياة المدنية، فما هو التغيير الذي ترغب في أن يحدث في وضعك؟ هل ترغب في متابعة دراسة جديدة؟ وفي أي ميدان؟” ومن الواضح أن رئيس الحكومة الجديد، “عبد الرحيم الكيب”، وبعكس سلفه، يحرص على مسايرة “لوبي” قدامى المقاتلين” حيث أعلن في اول مداخلة علنية له أن عملية جمع السلاح ستتم “مع كل الإحترام الواجب”.
وكان رئيس الحكومة السابق، محمود جبريل، قد أثار استياء الثوّار منذ وصوله إلى طرابلس حينما طلب منهم الخضوع لسلطته وليس لسلطة رؤساء الكتائب أو لسلطة المجلس العسكري في مدينتهم.
والحال، ففي ليبيا الممزقة بعد أشهر من القتال، وبعد سنوات طويلة طبّق فيها معمر القذافي سياسة “فرّق تَسُد”، فإن الهيئات المحلية هي الوحيدة التي تتمتع بالشرعية في نظر الناس. “ومصراته” ليست مختلفة عن غيرها. فأغلب الشبّان يدينون بالولاء لقائدهم الميداني “سالم جحا” أكثر منه لرئيس المجلس العسكري في المدينة “رمضان زرموت”. وجدير بالذكر أن “سالم جحا” عسكري محترف، يشهد له الجميع بالشجاعة والصراحة.
إن قائد “كتيبة حلبوس”، “محمود حداد”، هو عسكري محترف بدوره. وهو يستقبل ضيوفه في شاحنة إرسال تم الإستيلاء عليها من جيش القذافي. وقد رُكِنَت الشاحنة في باحة مصنع موبيليا تحوّل إلى ثكنة. وهذه الكتيبة هي بين أقوى كتائب “مصراته” وأفضلها تسليحاً.
وإلى جانب الشاحنة التي تعلوها هوائيات ومعدات إرسال كثيرة، فقد غنمت الكتبية 4 قاذفات “سكود”، بينها قاذف ما يزال يحمل صاروخاً. ويقول قائد الكتيبة أن “الصواريخ الباقية أطلقها الكلب القذافي على مصراته”. وقد نجت “مصراته” رغم تعرّضها لعدة هجمات بصواريخ “سكود” لأن معظم الصواريخ كانت تسقط في البحر أو كانت سفن حلف الأطلسي تتولى تدميرها.
ويفاخر “محمود حداد” بأن كتيبته، في مطلع القتال، لم تكن تملك سوى عدد صغير من رشاشات “كلاشينكوف”. وبعد 7 أشهر، فإنها تملك اليوم صاروخ “سكود” واحداً، و6 صواريخ أرض-جو “فولغا”، ودبابات، وآليات لنقل الجنود.
وقد تم الإستيلاء على هذه الترسانة، التي تم تجميعها في القاعدة الجوية بـ”مصراته”، أثناء القتال أو من مخازن السلاح في المدن التي تم فتحها.
وليس سرّاً أن كتائب “مصراته”، وعددها 230 كتيبة تضم مجتمعة 15000 مقاتلاً، وفقاً لأرقام المجلس العسكري للمدينة، قد لعبت دوراً أساسياً جداً في تحرير “طرابلس” و”زليتن”، و”ترهونة”، و”بني وليد”، و”سرت”، وواحة “الجفرة”.
وإذا ما اعتبرنا كتائبها قوة عسكرية واحدة، فإن “مصراته” تشكل الآن أول قوة عسكرية في ليبيا حالياً. ولم يقبل رئيس المجلس العسكري، “محمود زرموح”، أن يتحدث عن المعدات العسكرية التي تمتلكها مختلف الكتائب “لأسباب أمنية”.
وردّاً على أسئلتنا قال: “توقّفوا عن الحديث عنا وكأننا بلد مستقل: “مصراته” جزء من ليبيا، ونحن نخضع لأوامر المجلس الوطني الإنتقالي. إن جميع الأسلحة الثقيلة سوف تُسَلَّم إلى جيش ليبيا الذي سينشأ مستقبلاً”.
لكن، متى؟ “حينما تنشأ في ليبيا دولة قانون ومؤسسات متينة”، يضيف محمود.
هذا يعني أن الأمر قد لا يتم قبل سنة أو سنتين.
مراسل لوموند “كريستوف أياد”