قالوا الهدية مفتاح القلوب، وقال رسول الله «تهادوا تحابوا»، وقالت إحداهن «أنا غنية وأحب الهدية». فالهدية تعبير رمزي للتهنئة، أو الشكر، أو للذكرى، واختيارها، يدلّ على جملة أمور، لسنا بصدد تحليلها النفسي، تجاوزا على المتخصصين.
منذ أيام، قرأت خبرا في القبس عن القصر الملكي البريطاني يعرض فيه لائحة الهدايا التي تلقتها العائلة الملكية أخيرا، والتي تضمنت فلتر ماء، مصّاصة، صلصة فلفل حار، سترة صوف، ألبوم طوابع، حذاء رياضيا.. الخ، ومع كل بساطتها اعتبرت هذه الهدايا «أملاكا وطنية» بما في ذلك المصاصة!
بيد أن لكل زمان دولة وهدايا، وتختلف الهدايا مع اختلاف العصور، فملك الصين مثلا كانت هديته إلى كسرى بعد انتهاء الحرب بينهما جارية طولها سبع أذرع، لها ضفائر تجرها إذا مشت. وقد كانت عادة تبادل الجواري والعبيد كهدايا، تعبيرا عن الاحترام والتقدير و«الوجاهة»، مشهورة جدا بين العرب، بالإضافة طبعا إلى قناطير المال والجواهر والتحف الثمينة. أما في يومنا هذا، فنجد أن قادتنا مازالوا مغرمين بالإهداء، لكن نوعية هداياهم اختلفت، فهناك من يهدي أسلحة، بنادق وسيوفا وخناجر، وكأنهم مقبلون على معركة، وهناك من يقدم خيولا وصقورا، وهناك من يهدي بيوتا وقصورا ويخوتا. أما «الأظرف» فهم القادة الذين يهدون «الحدود» والأرض والجزر (بما فيها من بشر).
ولا يكتفي القادة بتبادل الهدايا فيما بينهم، بل يتعدى ذلك إلى هدايا النساء إلى النساء، والأبناء للأبناء والحاشية إلى الحاشية، فالعائلة كلها ومن تبعها يجب أن تهدي. وتأتي تلك الهدايا الثانوية كملحقات «بسيطة» كالألماس، واللؤلؤ، ساعات فائقة الثمن تحمل صورهم، وعطور نادرة وكثير من البخور. لكن تبقى اطرف الهدايا هي تلك التي تلقتها كونداليزا رايس من الزعيم الليبي السابق: قلادة ثمينة تُفتح لتكشف عن صورة القذافي، ولابد أن السيدة رايس ما زالت تتحلى بهذه القلادة إلى يومنا هذا.
ورغم الإنكار فان بعض الزعماء العرب الذين يقيمون علاقات علنية وسرية مع اسرائيل، كانوا في غاية الكرم من خلال هداياهم للمسؤولين الإسرائيليين، والتي تضمنت سجادا فاخرا، وساعات مرصعة بالألماس وسيجارا كوبيا، وغيرها مما يتم بيعه من خلال مزاد علني في تل أبيب. ويبدو أن ما نسمع أنه اجتماعات خطيرة «خلف الأبواب الموصدة»، لا يتضمن أكثر من الأكل والشرب وتبادل التحايا والهدايا.
الغريب في الامر أننا لم نسمع أن أحد قادتنا أهدى «مصاصة» أو كتابا أو مخطوطة نادرة، أو منشورا بسيطا عن بلده. مع العلم بأنهم يحبون إهداء طبعات ثمينة ومرصعة بالذهب والألماس من المصحف الشريف، متناسين أن أموال «الشعب» التي صرفت على ترصيع كتاب الله، (وهو مرصع بمحتواه)، يجب أن تصرف الى اليتامى والمحتاجين، الذين لا يعدّ الزعيم واحدا منهم.
أخيرا، لكم أن تتخيلوا زعيما عربيا يهدي إلى نظيره المخلوع «قريبا» مصاصة وفرشة أسنان وبدلة رياضية تنفعه في السجن الذي ينتظره.
d.moufti@gmail.com