منذ عدة سنوات خرج أحد الإسلاميين علينا بفتوى «إرضاع الكبير»، وفحواها جواز أن تسمح امرأة لرجل من زُملائها فى العمل بأن يرضع من ثديها، حتى إن لم يكن ابنها أو زوجها، وذلك تحاشياً لمُنكر أكبر، وهو الزِنى. وانتصر البعض للفتوى، وعارضها كثيرون، وتوارت المسألة فى طيات النسيان.
ومنذ عدة أيام صدر عن رئيس الوزراء الإخوانى، هشام قنديل، عدة تصريحات أثناء زيارة تفقدية لمحافظة بنى سويف، أحدها خاص بنصيحة طبية للأمهات المُرضعات بضرورة تنظيف ثديهن قبل إرضاع أطفالهن، اتقاء للأمراض!
أما تصريح هشام قنديل الذى لاَمَ فيه الفلاحات المصريات على ما يحدث لهن فى الحقول من تحرش، أو اعتداءات جنسية، لأنهن يعرفن مُقدماً هذا الاحتمال، فهو تصريح يقع فى باب لوم الضحية أو المجنى عليها، بدلاً من لوم أو عقاب الجانى أو المُعتدى.
وفى الحالة الأولى، فعلى حد عِلمى فإن هشام قنديل، هو مهندس، وليس طبيب أطفال أو نساء وولادة. ولم يكن السياق العام، أثناء زيارته التفقدية لمحافظة بنى سويف، يستدعى منه التطوع بإسداء النصيحة الطبية لنساء المحافظة بضرورة تنظيف الثدى قبل إرضاع الصغير. فلو طلبنا من إخصائى تحليل نفسى، مثل الدكتور يحيى الرخاوى ود. أحمد عُكاشة، أن يُفسرا لنا ذلك السلوك اللفظى لرئيس الوزراء حول إرضاع الصغير، فربما سيقولا إن هشام قنديل مُصاب «بعُقدة أديب»، والتى هى انعكاس لنزوة جنسية مكبوتة عند رئيس الوزراء نحو أمه!
ولكن رئيس الوزراء الإخوانى ليس هو الإسلامى الوحيد، الذى تبدو عليه أعراض هذا الكبت، والذى يتجلى فى التركيز على ثدى المرأة. فمنذ عِدة سنوات خرج علينا إسلامى آخر، هو الشيخ عبدالمُحسن عبيكان، بفتوى جواز إرضاع الكبير من ثدى زميلة فى العمل، غير متزوج منها، درءاً، أى اتقاء، لغواية «الزِنى»، أى النكاح الكامل بها. إن هذا التأويل لنصوص أو أحكام دينية، يدخل فى باب التفسير الذكورى المُريح لما يعتقده الإخوان المسلمون بأنه «شرع الله». وبتعبير آخر، فهو تفسير «حسب الطلب»، أى طِبقاً لما يُريدونه هم، وبما يمكن أن يُلبى أغراضهم الدنيوية. فإذا أمسك آخرون بتلابيبهم، فربما يستدعون المبدأ الشرعى الذى فحواه «أن الضرورات تُبيح المحظورات». من ذلك أنه إذا اشتدت ضرورة الرغبة الجنسية بين زميل وزميلة فى العمل، فليتساميا ويستعيضا عن النكاح بالإرضاع!
إن خطورة هذا التأويل أو التفسير المُريح لأحكام الشريعة، هو أنه فى حالة الاعتراض عليها، أو الاحتجاج على من يروّج لها، هو أن الإخوان ومن لف لفهم من الإسلاميين، لديهم مبدأ آخر، يمكن استدعاؤه وقت «الحاجة»، وهو مبدأ «الحرابة». وهو مُعاقبة المُختلفين مع «ولى الأمر»، أى رئيس الجمهورية، مثلاً، أو نوابه ومُساعديه من وزراء، ومُحافظين، ومُديرى أمن، ورجال الشُرطة.
إن الأخطر فى هذا النوع من التأويل والتفسير، أنه يتم باسم الدين الإسلامى. وفضلاً عن أنه يجعل من الإسلام مدعاة للسُخرية بين الديانات العالمية العُظمى، فإنه قد يَصرفُ الأجيال الجديدة عن دين آبائهم وأسلافهم. وذلك، مثلاً، ما حدث حينما اشتط رجال الكنيسة الكاثوليكية مع أبناء الدين المسيحى فى القرون الوسطى، للدرجة التى كانوا يبيعون فيها «صكوكاً للغُفران». ففى مُقابل مبلغ من المال، أو الذهب، أو الفضة، كانت الكنيسة تبيع للناس صكوكاً، يُكفّرون بها عن آثامهم ومعاصيهم فى الدُنيا، وحجز مكان لهم فى جنّات الآخرة. وكانت هذه المُمارسة باسم الدين المسيحى هى التى نفّرت قطاعاً كبيراً من المثقفين والمُتعلمين عن الكنيسة الكاثوليكية. وكما كانت وراء الحركة الاحتجاجية المُضادة، التى قادها أحد شباب الكنيسة، وهو القِس الألمانى، مارتن لوثر، وعُرفت باسم «المسيحيون الاحتجاجيون»، أو «البروتستانت»، ويعرف مذهبهم باسم البروتستانتية (Protestantism). ورغم أنها بدأت كأقلية مُنشقة على الكنيسة الأم فى روما، إلا أنها فى غضون قرنين من ظهورها، أصبح أنصارها هم الأكثر عدداً بين أبناء الديانة المسيحية.
ما نُريد أن نخلص إليه هو أن «الغُلاة»، باسم الدين، هم الذين سيولّدون «العُصاة»، الذين ينفرون من الدين، فى السرّ، إن لم يكن فى العلانية. والغُلاة والعُصاة معاً، هم الذين يُمهّدون لظهور «الطُغاة»، فالصِراع بين الغُلاة والعُصاة، قد يصل ببقية المجتمع إلى التطلع إلى من يُخلّصهم من أولئك وهؤلاء، حتى لو كان مُستبداً أو طاغية.
وهكذا، فإن ما يبدو من فتاوى دينية فى صغائر أمور الدُنيا، ما هو إلا مقدمات لفتاوى فى كبائر أمور الدُنيا والدين.. أى أن ما بدأه رئيس وزراء مصر بكيفية تعامل المرأة المصرية مع ثديها من أجل صحة الصغار، ينتهى عند الإسلامى عبدالمُحسن عبيكان بفتوى جواز سماح المرأة بإعطاء ثديها لإرضاع الكبار. فإذا اعترض مواطنون على ما يقوله رئيس الوزراء، أو رئيس الجمهورية، فلديهم فتوى الشيخ محمود شعبان، لإعمال حد الحرابة ضدّهم، أى التخلص منهم قتلاً، درءاً لفتنة أكبر. وهكذا قد تبدأ النار من مُستصغر الشرر! فلا حول ولا قوة إلا بالله..
وعلى الله قصد السبيل
semibrahim@gmail.com
المصري اليوم
مشكلة الإسلاميين مع ثدي المرأة
هذا ما يسمّى ب”مخارج وحيل” عند الاسلام!