بيروت-
أمام مجلس عاشورائي في بداية مناسبات هذه الذكرى الهامة للشيعة في العالم يقول السيد حسن نصرالله: “إذا كُلّفنا بالقتال سنقاتل ولو وقفت الدنيا كلها في وجهنا”. ضارباً عرض الحائط بالقانون والدستور والرئيس والحكومة معاً!
وكذلك بكل ما له علاقة بمصالح لبنان وسيادته ويؤكد ما هو مؤكد بخصوص تنفيذ أوامر الولي الفقيه عندما يصدر تكليفه الشرعي. في المقابل ، يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حديث أجرته معه “المونيتور” في نيويورك ( بالرغم من سعي مكتبه الإعلامي للكلام عن عدم الدقة وليس النفي) أن سلاح “حزب الله” ضرورة طالما هناك تهديدات على لبنان.
عون يبرّر، والحريري يغطّي
لا يستغرب المراقب هذا الكلام للجنرال عون حليف حزب الله الموثوق منذ 2006 ، خاصة إنه سبق وأدلى به إلى قناة تلفزيونية مصرية. لكن المستغرب أن تغطي حكومة يرأسها سعد الحريري لقاء وزيري خارجية سوريا ولبنان على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي حذر الكثير من الدول خلالها من دور حزب الله الهدام في كل ما يتصل بسيادة وحصانة لبنان، خاصة بعد تلك الصفقة المشبوهة التي جرى فيها تهريب مقاتلي داعش ، قتلة عناصر الجيش اللبناني من دون محاكمة أو حساب.
وبرز الدور السلبي لحزب نصرالله في الضغط من أجل إلغاء احتفال النصر الذي كان من المفترض أن تحتضنه ساحة الشهداء في بيروت تكريماً لأبطال الجيش اللبناني وتضحياتهم وشهدائهم. وكأن آداة الحرس الثوري الايراني الأولى في الإقليم تريد تحجيم الجيش اللبناني وتكبيله لاحقاً بمعادلة رباعية الماسية ( الجيش والشعب والمقاومة والجيش السوري) على غرار المعادلة الثلاثية ” الجيش والشعب والمقاومة” .
ضمن النهج المكرس منذ ” صفقة أكتوبر 2016″ بين تياري ميشال عون وسعد الحريري والتي أدت إلى إيصال الأول رئيساً للجمهورية والثاني رئيساً للحكومة، ومقابل إغراق الطبقة السياسية بالنقاشات العقيمة والفساد، يتحكم حزب الله بملفي السياسة والأمن ويحكم البلد عملياً من دون أن يتحمل مسؤولية الحكم بشكل شرعي. وحسب مصادر معنية بمتابعة الوضع اللبناني، أعلمت دوائر غربية عدة مسؤولين لبنانيين عن وصول الأمر بحزب الله إلى إنشاء مصانع صواريخ إيرانية على أرض لبنان ( ورشات ومصانع ضواريخ متوسطة المدى في الزهراني بين صور وصيدا في جنوب لبنان، ومواقع سكود ومصانع صواريخ طويلة المدى في الهرمل في البقاع) ، مما يعد مغامرة خطيرة قد تؤدي إلى تعرض البلد لهجوم جديد من قبل العدو الإسرائيلي. وتتساءل هذه المصادر عن إمكانية تكرار حزب الله لخطأ التقدير الذي ارتكبه في 2006 وهل يمكن لهذا الحزب الذي يروج أنه حصن لبنان عبر توازن الرعب أن يكون من جديد سبب تخريب البلاد ودمار حضانته وبيئته. ومن دون شك يقوم الحزب بخطوة إدخال المصانع الصاروخية ( كما حال النظام السوري كما تدلل الضربة الإسرائيلية الأخيرة قرب مصياف شمال غربي سوريا) بناء على الأوامر الإيرانية، مما يجعل من لبنان دولة منزوعة السيادة والاستقلال و تابعة لإيران ورأس حربة شريانها الاستراتيجي الممتد من طهران الى العرق وسوريا ولبنان والمتوسط .
على الصعيد السياسي وخاصة على مستوى السلطة التنفيذية ، من الواضح أن رئيسي الجمهورية والحكومة يتحملان مسؤولية التداعيات السلبية التي قد تؤدي لها مواصلة مساعي تعاظم قوة حزب الله واستهتاره بالسيادة اللبنانية وإهانة الدولة اللبنانية. ومن اللافت أن الحزب الذي يقوده نصرالله ويكرر معادلة الجيش والشعب والمقاومة، لم يستشر الجيش اللبناني ولم يأخذ موافقته قبل الإقدام على هذه الخطوات التصعيدية، وهو ربما يهدف لإضعاف الجيش وحرمانه من المعونة الأمريكية التي كانت حيوية في السنوات الأخيرة لجهة تسليحه ونجاح معركته ضد الإرهاب. والمقصود في هذا الإطار التشكيك لاحقاً بقدرات الجيش اللبناني والتسليم بجعل لبنان دولة تدور في الفلك الإيراني. وهذه التطورات ستترك ظلالها على الاستثمار في لبنان ودعمه اقتصادياً أو في مواجهة معضلة النزوح السوري .
يمثل كل ذلك رسالة سلبية للغرب ولكل من يرغب بدعم لبنان ودولته التي تسمح او تتغاضى عن إنشاء مصانع الصواريخ على أراض تقع تحت مسؤولية تنظيم يطرح نفسه بديلاً للدولة ويهيمن على قرارها. وذلك من دون أي مراقبة أو تدخل من قبل السلطات خاصة أن ذلك قد يشعل نار المواجهة الواسعة وامتداد الحريق الإقليمي إلى لبنان. ومن غير المستبعد أن واشنطن التي تستعد لتعزيز عقوباتها الاقتصادية ضد حزب الله ، أن تقوم بتوسيع ذلك نظراً للمصانع الجديدة قيد الإنشاء من قبل حزب الله وإيران على أرض لبنان.
من ناحية أخرى تمثل استضافة حزب الله لقيادات وكوادر عسكرية من حركة حماس أبعدتها دولة قطر في مايو الماضي، عنصراً إضافياً في جعل لبنان ساحة لتستخدم فيها إيران أدوات نفوذ واستهداف جديدة وجعل لبنان في مهب الريح.