ألقى النائب مروان حمادة الكلمة التالية في جلسة الثقة بحكومة نجيب ميقاتي:
دولة الرئيس، الزملاء الكرام،
بمناسبة صدور القرار الظني الذي يعنيهما تحديداً، اتمنّى على الزملاء، وبالإذن منك، الوقوف دقيقة صمت على روح الشهيدين رفيق الحريري وباسل فليحان وعلى أرواح المناضلين والمقاومين اللبنانيين.
دولة الرئيس،
أتوجه الى دولتكم اليوم والى الزملاء الكرام وعبر الشاشات الى المواطنين الأعزاء آسفاً، آسفاً، آسفاً.
آسفٌ أولاً للمشهد حيث في مقاعد الحكومة بعض الضمائر الحية التي تربطني بها، نعم لا تزال تربطني بها، أواصل الصداقة ومشاعر الموّدة. اسأل هؤلاء الأصدقاء وانا أتمنى لكل واحد منهم اعتراضه على اكثر البنود دقة في البيان الوزاري، اسألهم أليس للعدالة مكانٌ اليوم حيال الشهداء الذين هم شهداؤكم، رؤساء كانوا أم زملاء أم رفاق أم مواطنيين؟
ألا تطرحون بينكم وبين أنفسكم أي سؤال حول”المتى” ” والكيف” و”اللماذا”. وألا تنتظرون من المحكمة التي يتنكّر لها مبدئياً بيانكم الوزاري اجوبةًً على هذه الأسئلة المصيرية لترسيخ استقرار لبنان وضمان مستقبل أبنائه.
آسفٌ ثانياً للمنطق الذي يسود هنا ،في مناقشة حكومةٍ وتمحيص بيان سبقتهما إطلالات جليلة كبلّت الفريق الحكومي ورئيسه وحذفت القليل القليل من الوضوح في البيان الوزاري وكأن الشخص حلّ مكان الحكومة، كما كنا نتوقع بل كما كنّا نعلم، وكأّن الخطاب حذف البيان فمحى بعجل ما حاولتم إيحاءه بخجل.
آسفٌ ايضاً لتحويل مناسبة برلمانية عريقة نتوق اليها منذ سنوات الإقفال والحصار فالانقلاب، الى شبه جلسة تمهيدية للمحكمة الخاصة بلبنان تنقلب فيها الأدوار بين منصة الادعاء وقفص الاتهام.
آسفٌ اخيراً لكوننا نأخذ لبنان الى حيث يعود منه العرب الى حكم الحزب الواحد، حزب السلاح ممهدين لمناخات مجلس للشعب بدل مجلس النواب ولنظام شمولي تناضل الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب السوري البطل للتحرّر منه.
دولة الرئيس، الزملاء الكرام،
مآخذنا على الحكومة قد تبدأ بطريقة تشكيلها ولا تنتهي بصياغة بيانها الوزاري. انما قلقنا من هكذا حكومة على البلد اعمق بكثير من تحفظنا على بعض اعضائها او اعتراضنا على بعض ما تقدمت به لمجلسنا.
قلقنا على لبنان وعلى اللبنانيين ، على صيغة الوطن الأساسية، على مواثيق الوطن التأسيسية، على طبيعة الوطن التعددية ليس نابعاً من تفصيلٍ او بندٍ او فقرة.
قلقنا على البلد مما نشهده من ارتهان كلّي لهيمنة السلاح ومنطق القوة . فنحن هنا اليوم بالكاد نقوّم حكومةً او نناقش بياناً . نحن نواجه سيطرة تتسّلل من خلالها الى لبنان انماطُ انظمة متهاوية عند اشقّاء لنا.
قلقنا على لبنان من تغييب العدالة وتشريع الجريمة وإحلال شريعة الغاب مكان سلطة القانون وتفريغ المؤسسات من مضمونها. الدولة المطروح بناؤها هي اللادولة بعينها مشلولة الإرادة والذراع وتابعة بالمطلق الى الدويلة بمرجعيتها الحزبية والاقليمية.
طبعاً، دولة الرئيس، نحن لسنا هنا لمساءلة احد سوى الحكومة برؤسائها الظاهرين والفعليين. نحن لم نأت لتحريك مفصلة القضاء الدولي الخاص. لنترك له مهمات اصدار القرارات الظنية وتسمية المتهمين وإدارة النزاع بين الادعاء والدفاع وصولاً الى الحقيقة الكاملة والحكم القاطع.
لكن لنا، في هذا المجال بالذات ومع الحكومة بالتحديد بالحقيقي منها والخفي حساباً ثقيلاً، باهظاً، حول المبدئية وخفاياها.
لا يا دولة الرئيس ميقاتي، صديقك رفيق الحريري لم يستشهد مبدئياً. لقد اغتيل فعلياً بطنين من المتفجرات ومعه وبعده اغتيلت كوكبة من زملائك ورفاقك واصدقائك ومواطنيك.
لهم، كلهم، عليك حقٌ مقدس سيتابعك بل سيلاحقك، ولو مثقلُ بثقة المجلس، الى دهر الداهرين.
ان ابشع مسلسل لأبشع الجرائم في تاريخ لبنان يوشك، بعد ثلاثين عاماً ونيف من اللامبالاة واللاتحقيق واللامساءلة واللاعقاب، يوشك ان ينكشف بمنفذيه وان شاءالله، بمقرريه.
فبالمناسبة سألت نفسي ولاازال لماذا هذه الشراسة في معارضة المحكمة ومحاولة تعطيلها. اهي فعلاً اميركية – صهيونية؟ اهي فعلاً فاسدة، منحازة متآمرة؟ ام تحت أبط احدٍ مسلة، في لبنان او محيطه؟
لماذا كلمة صدر خبر عنها او بيان منها او رواية حولها، بفضولية صحافية بفذلكة قضائية او حتى بمناورة استخبارية تقوم الدنيا ولا تقعد اعتصاماً في الساحات واقفالاً للمؤسسات واطاحة بالحكومات وامعاناً في الاغتيال وتمادياً في التهديد والتهويل والتخوين واشهاراً للوجود المسلح وصولاً الى الضغط على رئيس الجمهورية لكي يتراجع عن ابرز فقرات خطاب قسمه ويتخلى عن موقعه التوافقي وخياره الوسطي؟
في خضم التهويل والترعيب المتواصل في كل الاتجاهات حتى الحليفة او المتآلفة مع الحزب الحاكم نطالب الرئيس ميقاتي بالتخلي فوراً عن الصيغة المعتمدة في البيان حول المحكمة والعودة الى ميثاق الوفاق الوطني وتسوية الدوحة فيعود الالتزام مكان الاحترام ويحل التعاون محل المتابعة وتحذف نهائياً عبارة ” مبدئياً ” التي لا تعني الا التخلي عن المبدئية الحقيقية لحساب الإذعان لغير المبدأ.
دولة الرئيس، ايها الزملاء،
المحكمة ليس عدوة، انها حليفتكم لإخراج لبنان من براثن الجريمة المنظمة والطليقة اليدين.
أكثر من ذلك أؤكد ان المحكمة الدولية حمتك في السنوات الاخيرة من كل متربصٍ اسرائيلي كان او غير اسرائيلي ، وقد تكون هي التي تحميك اليوم.
وانت يا دولة الرئيس ميقاتي الذي اسست للمحكمة بلجنة التحقيق الدولية مشكوراً اتمنى ان لا تحتاج يوماً الى هكذا جهاد لردع أي مسيء او حاقد او معتدٍ.
وللعماد عون اقول، للذكرى فقط ، ان المجتمع الدولي الذي يسخرُ به حالياً انقذه وحماه عند ما شرّع انقلاب موازين القوى في المنطقة ابواب بعبدا وقصرها.
وأزيد لصديق ورفيق العمر وليد جنبلاط ان المحكمة التي لم تكن آنذاك لتحمي الشهيد الكبير كمال جنبلاط ، قد تكون حمتك عندما ادرجّت في رأس لائحة المغضوب عليهم اقليمياً.
ويا سماحة السيد حسن نصرالله كل ما نتطلع اليه ونتمناه ان يأتي يومٌ نستطيع معك انشاء محكمة خاصة بفلسطين بكل اراضينا المحتلة في لبنان وسوريا لنصرة حقوق شعوبنا ومقاومينا وشهدائنا.
نقولها بكل وضوح. نحن لا نُضمر شراً لاحد ، نريد للبنان الامن والسلام والازدهار والعدالة. وفي الوقت نفسه لا نقبل تجريحاً او تهويلاً او تخويناً من أحد ولا نخاف احداً مهما علا شأنه واشتدت ذراعه.
نكرّر بكل وضوح نحن لا نتهم هنا احداً ولا نعمم اقراراً ظنياًً ولا نقرّ اضبارة قبل وخارج المحكمة.
لكننا نريد ونصّر ان نعلم ، بالتأكيد قبل مهلة الثلاثماية عام، من قتل رفيق حريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي، لن ينتظر الشعب اللبناني ثلاثماية سنة لكشف قتلة جبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد وبالإذن من مديرية التوجيه – فرنسوا الحاج. لا نقبل من جهة ان يُجزم بان فلان قتل ولا احد آخر. كما لا نقبل في المقابل ان يقال كل الناس قتلت الاّ فلان. فالمعادلة الحقيقية، ان رضي القتيل أن يرضى القاتل ايضاً.
دولة الرئيس، ايها الزملاء،
في العام 1978، اثر الاجتياح الاسرائيلي الأول للبنان، صرّح السفير غسان تويني امام الامم المتحدة: ” اتركوا شعبي يعيش”.
وفي العام 2003 قال رفيق الحريري لأهله وجمهوره ” ما حدا اكبر من وطنه”.
اليوم يمكن القول جمعاً واستنباطاً في جملة واحدة “اتركوا شعب لبنان يعيش وما حدا يفكر حاله اكبر منوّ.”
من هنا نقول لحكومة ” كلنا للعمل، كلنا للوطن” لا تتحولي الى حكومة كلنا للعمل ضد الوطن”.
شكراً دولة الرئيس
مروان حماده: الحريري لم يستشهد مبدئياً، لقد اغتيل فعلياً بطنين من المتفجرات
لقد اسمعت لو ناديت حيا لكن لاحياة لمن تنادي!