الحلقة الرابعة عشرة:
14) جواز الأخذ بالأيسر وبالرخصة الشرعية لرفع الحرج ودفع المشقة:
قال الله تعالى: «… يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ …» (البقرة:185)، وقال تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ …» (النساء:28)، وقال سبحانه: «…وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ …» (الحج:78)، ولهذا قال الشاطبي رحمه الله: «إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع» من (الموافقات ج1).المتنطعون
وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما خُيّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا) رواه البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم): «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً… رواه مسلم، ومن التنطع وهو التعمق: التشدد في غير موضع التشدد. ولما أمـر النـبي (صلى الله عليه وسلم) الصحابة بالرخصة وقت الشدة فلم يفعل بعضهم وصفهم بقوله: «أولئك العصاة، أولئك العصاة» رواه مسلم، وقال أنس رضي الله عنه «كنا نسافر مع النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم» متفق عليه. ولما وجد من أخذوا برخصة الفطر في السفر من القوة ما مكنهم من خدمة الباقين قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «ذهب المفطرون اليوم بالأجر» متفق عليه. فلا يجوز الإنكار على من أخذ بالرخصة الشرعية بعد ورود الشرع بجوازها، ويتدرج ذلك حتى تجوز التقية عند الخوف، ويجوز إظهار الكفر مع طمأنينة القلب عند الإكراه الملجئ كما صنع عمار بن ياسر رضي الله عنهما مع كفار مكة حتى قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن عادوا فعد» رواه عبد الرزاق والبيهقي وأبو نعيم وغيرهم وجمع رواياته الزيلعي رحمهم الله في (نصب الراية ج4). وأجاز النبي (صلى الله عليه وسلم) لمحمد بن مسلمة أن يتكلم في حق النبي (صلى الله عليه وسلم) لأجل مصلحة عامة للمسلمين (في حادثة كعب بن الأشرف). كما أجاز ذلك أيضاً للحجاج بن علاط من أجل مصلحته الخاصة بمكة بعد غزوة خيبر رضي الله عنه. على أنه يجدر التنبيه هنا على أنه لا تقية ولا خداع في العهود كما سبق بيانه، وكما دل عليه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.النسيان
وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» رواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما، والحديث حسنه النووي في «الأربعين النووية» رحمهم الله، والرخصة في إظهار الكفر عند الإكراه رخصة خاصة بهذه الأمة الإسلامية يدل عليه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث السابق «وضع عن أمتي» ولم يكن مرخصاً بذلك في الأمم السابقة… ذكره القرطبي في تفسيره، ويدل عليه أيضًا حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود فلم يترخصوا في إظهار الكفر رغم إحراقهم، ويدل عليه حديث خباب «إن من كان قبلكم كانوا ينشرون بالمناشير»، والحديثان في الصحيحين، رضي الله عنهم أجمعين.الإنكار
فلا يجوز الإنكار على من أخذ بما يجوز من الرخصة الشرعية خصوصا في الشدائد، كما لا يجوز للمسؤولين في الجماعات الإسلامية أن يلزموا أتباعهم بالعزيمة إذا أرادوا الأخذ بالرخصة، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه» رواه مسلم، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إن شر الرعاء الحطمة» رواه مسلم، و«الرعاء» جمع راع، وهو كل من يدبر أمور غيره، و«الحطمة» الذي يشق على رعيته فيحطمهم. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» متفق عليه، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة لأمته في ذلك، فعندما اعترض مسيلمة رجلين من المسلمين أقر له أحدهما بالنبوة فخلى سبيله، وأبى الآخر فقتله، عذر النبي (صلى الله عليه وسلم) الأول وأثنى على الثاني، وكذلك عندما خرج الأسود العنسي، باليمن وادَّعى النبوة وغلب على صنعاء انقسم الصحابة ثلاثة أقسام، منهم من قفل راجعًا إلى المدينة كالمهاجر بن أبي أمية، ومنهم من تخفى باليمن كمعاذ بن جبل، ومنهم من احتال على الأسود حتى قتله وهو فيروز الديلمي، فلم يعاتب النبي (صلى الله عليه وسلم) من رجع ومن تخفى وأثنى على فيروز كما رواه البخاري، والخبر بطوله في «تاريخ الرسل والملوك» لابن جرير الطبري، رضي الله عنهم أجمعين.خطأ
وهناك أمور لا يقال فيها عزيمة ورخصة، وإنما يقال فيها صواب وخطأ أو حق وباطل، ومنها الخيارات الشرعية الواجبة على المسلمين نحو مخالفيهم والتي سبق الكلام فيها في البندين الثاني والخامس، فمن وضع الحرب موضع السلم إذا وجب، أو عكس ذلك، ومن أقدم حين يجب الانسحاب، أو عكس ذلك، فقد أخطأ وزل، ولا يقال هنا رخصة وعزيمة، ولهذا سمى النبي (صلى الله عليه وسلم) انحياز خالد رضي الله عنه في مؤتة «فتحاً» ولم يسمه رخصة، كما تأسف عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صنيع أحد قادة جيوشه، وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي حين اقتحم الجسر ليصل إلى عدوه فهلك ومن معه من المسلمين، فقال عمر «رحم الله أبا عبيد لو كان تحيز لي لكنت له فئة».
15) محاسبة النفس والتناهي عن المنكر داخل الجماعات الإسلامية:
قال الله تعالى «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)» (المائدة: 78، 79). وكان من أسباب لعن الله لليهود أنهم تركوا التناهي عن المنكر في ما بينهم، ومع ذلك فقد رأيناهم يحاسبون -في هذا العصر- موشى ديان وغولدا مائير بعد حرب 1973م حتى استقالا، واليوم يحاسبون رئيس إسرائيل (موشى كتساف) ورئيس وزرائهم (أولمرت). هذا في حين نرى كثيرًا من الجماعات الإسلامية لا تحاسب أنفسها على الخطأ، وبالتالي تتكرر الأخطاء وتتضاعف، وهذا كله من أسباب الخذلان والفشل كما أنه خلاف الواجب.المهالك
ولقد رأيت في زماننا هذا أمثلة للمفتي الجنرال الذي يقود إخوانه وأتباعه إلى المهالك والمقابر والسجون بدون أهلية شرعية ولا عسكرية، وهو مازال بعد سجنه يدعي الزعامة كأنه ما اقترف هفوة من الهفوات، ولا يحاسب نفسه ولا يحاسبه أتباعه، فأي خير يُرجى من هؤلاء؟، وهل هم إلا كما قال الشاعر:
لكل داءٍ دواءٌ يُستطب به … إلا الحماقة أعيت من يداويها
ولو شئت أن أقول منهم فلان وفلان لقلت.
وقد سبق ذكر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أنكر على خالد وعلى أسامة رضي الله عنهما، ودفع ديات من قتلوا في ذلك، وأنكر على عبد الله بن حذافة رضي الله عنه. وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ …»(النساء:135). لو حاسب أعضاء الجماعات الإسلامية أنفسهم وقادتهم على الأخطاء، لكان في ذلك خير كثير في الدنيا والآخرة. وقال عمر رضي الله عنه «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا». وفي قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ …»(الحشر:18)، قال العلماء هذه الآية أصل في محاسبة النفس.أسرى
16) السعي في فك أسرى المسلمين واجب:
وهو فرض كفاية على أمة المسلمين إذا تركوه أثموا جميعهم، وإذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين. وقال ابن عابدين في (حاشيته ج4) «انقاذ الأسير وجوبه على الكل من المشرق والمغرب ممن علم» ويجب السعي في ذلك بكل وسيلة ممكنة كما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه «الأموال»، وإذا تعين فداؤهم بالمال وجب ذلك وإن أتى على جميع أموال بيت المال وأموال المسلمين… ذكره القرطبي في (تفسيره ج5) وابن قدامة في (المغني ج9) رحمهم الله أجمعين، والأصل في ذلك هو قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «فكوا العاني» رواه البخاري، وما ورد في حديث صحيفة علي رضي الله عنه وفيها «فكاك الأسير» رواه البخاري… و«العاني» هو الأسير مشتق من المعاناة أو من الحاجة إلى العون، فدل الحديث على الأمر بوجوب السعي في فكاكه وإنقاذه، وفي شرح هذا الحديث نقل ابن حجر عن ابن بطال قوله «فكاك الأسير واجب على الكفاية، وعلى هذا جميع العلماء» في «فتح الباري ج6» رحمهم الله.
ومع أن الأصل في فك الأسرى أنه فرض كفاية فإنه قد يصير فرض عين إن تعين وانحصر في بعض القادرين على ذلك، ومثال ذلك: تعينه على عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه عندما طلب منه ملك الروم أن يقِّبل رأسه كي يطلقه هو وأسرى المسلمين من عنده ففعل ذلك ابن حذافة، فأطلقهم. وكان هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وربما لو رأى بعض الحمقى ابن حذافة وهو يقبل رأس ملك الروم لقالوا إن ابن حذافة سوف يتنصر أو إنه قد تنصر ودخل في النصرانية، أما الراسخون في العلم فدأبهم ما فعله عمر لما رجع ابن حذافة إلى المدينة وأخبره بما حدث، فقال عمر: «حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة» وقام عمر فقبل رأسه رضي الله عنه. وكذلك الحال في كل من تعين عليه السعي في فكاك الأسرى، فإن سعى فله الثواب الجزيل بالتخفيف عن الأسرى وبرفع الحرج والمؤاخذة الشرعية عن غيره من عموم المسلمين، وإن قعد من تعين عليه ذلك فهو آثم مأزور كالقاعد عن غيره من فروض العين. وفي هذا الزمان هناك من تسببوا في سجن المئات بل الآلاف من المسلمين بحماقاتهم، والسجن بلاء كما قال تعالى -حكاية عن يوسف عليه السلام- «… وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ …» (يوسف:100)، ومن هنا أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسعي في فك الأسرى، فإذا قام من يسعى في ذلك الذي هو واجب عليهم، أنكر عليه هؤلاء الحمقى وطلبوا منه السكوت، فهل هذا إلا من الجهل بالدين ومن قسوة القلوب؟!نصيحة
17) نصيحة لولاة الأمور في بلاد المسلمين:
1) تحكيم الشريعة الإسلامية:
من واجبات الدين العظمى، يختل الإيمان بتركها أو بجحودها أو بتفضيل غيرها عليها، قال الله عز وجل: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً (65)» (النساء:65)، وقال تعالى: «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)» (النور:51).
وما تفرق المسلمون وما ذلوا ولا هانوا على الأمم إلا بتركهم تحكيم شريعة ربهم، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «إنا قوم قد أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله»، وهذا مفهوم من قوله تعالى: «… فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)» (النور:63)، وقال سبحانه: «وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)» (المائدة:49، 50).
2) تقليل المفاسد الظاهرة فيه خير للبلاد والعباد:
فإن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أعلن بها أضرت الجميع، ولهذا فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» الحديث متفق عليه، وهم المظهرون للمعاصي، وأنتم ترون الآن الدول تدمر دولة تلو أخرى، وما ذاك إلا بسبب الظلم والذنوب والفساد فقد قال الحق عز وجل «…وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) « (القصص:59)، وقال تعالى «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)» (الإسراء:16)، ومعنى «أمرنا مترفيها» أي أمرناهم بالشرع بدلالة الآية قبلها «… وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)» (الإسراء:15) «ففسقوا فيها» أي لم يلتزموا بالشرع. فدمرهم الله تدميرًا، فليحذر العقلاء والله يمهل ولا يهمل، وإذا كثرت المفاسد فإن الله يدمر البلاد، وإن وجـد فيـها الصالحون، كما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أنهلك وفينا الصالحون؟» فقال (صلى الله عليه وسلم) «نعم، إذا كثر الخبث» متفق عليه، والمفاسد الظاهرة هي أكثر ما يستفز الشباب المتدين إلى الصدام مع السلطات في بلاد المسلمين إذ تؤدي إلى ردود أفعال عنيفة من جانب الشباب بما يضر السلام الاجتماعي.
فتقليل الفساد الظاهر في وسائل الإعلام والأماكن العامة خير للبلاد والعباد، والله سبحانه حليم صبور، ولكنه سبحانه إذا أسف وأنزل نقمته طاشت لها العقول، قال تعالى «فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56) «(الزخرف:55، 56)، ولا يثبت للأعداء إلا الجندي ذو العقيدة، أما من نشأ على الخلاعة فإنه يفر من أول مواجهة.تشجيع
3) تشجيع دعاة الإسلام وتيسير عملهم فيه خير كبير للبلاد والعباد.
أما البلاد: فإن الله سبحانه قد قضى ألا يهلك البلاد وإن وجد فيها بعض المفاسد إذا وجد بها الدعاة المصلحون، كما قال سبحانه «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)» (هود:117)، فهؤلاء المصلحون يدفع الله بهم البلاء عن البلاد بدعوتهم ودعائهم، ويحفظ غيرهم بهم.
وأما العباد: فإن عمل الدعاة إلى الله من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى تقليل معدلات الجرائم والانحرافات بأنواعها في البلاد، وهذا يخفف العبء الأمني من جانب، ويجلب الرزق الإلهي والبركة من جانب آخر حسب قوله تعالى «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ …» (الأعراف:96). وقـال تعالى: «وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً (16)» (الجن:16).مناهج
4) تقوية مناهج تدريس الدين الإسلامي.
ورفع مستواها وبصفة خاصة في المعاهد والكليات الإسلامية (كالأزهر) لرفع المستوى الشرعي للخريجين والدعاة، مع رفع مرتباتهم وامتيازاتهم (بخلاف سياسة اللورد كرومر) لتعود إليهم ريادة الشباب والأمة، بما يحصن الشباب من الغلو والأمة من الانحرافات.
5) التخلص من البطالة.
التي تدفع إلى اليأس والإحباط، وذلك باتخاذ كل التدابير الكفيلة بتنشيط الاقتصاد وزيادة فرص العمل لاستيعاب الشباب ويتبع ذلك تخفيف معدلات الفقر والجريمة والعنوسة والانحرافات الأخلاقية.الغاء
6) تولية الأكفاء الأمناء للمناصب أساس كل خير وصلاح وإصلاح.
ولهذا كانت العدالة مشترطة فيمن يتولى الولايات على المسلمين -كما ذكرته في البند التاسع- كي يقدم مصالح الناس على مصلحته الخاصة. وجمع الله هذه الصفات في قوله تعالى: «…إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)» (القصص:26)، وقوله تعالى: «… لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)» (البقرة:124)، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قالوا: كيف إضاعتها؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «إذا وسد الأمر إلى غير أهله». الحديث متفق عليه.
وفي قصة يوسف عليه السلام وما فعله من حسن التدبير لإنقاذ مصر من القحط والمجاعة الطويلة دليل على أهمية الإدارة الرشيدة في صلاح أحوال البلاد والعباد… وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه.أوهام
7) الوحدة العربية ضرب من الأوهام.
لأنها لم تقم من قبل أبدًا، والتاريخ شاهد، «والعادة مُحكّمة»، وبالتالي فإنها لن تقوم، وعندما اجتمع العرب من قبل لم تكن تلك وحدة عربية ولا دولة عربية كبرى، وإنما اجتمعوا في دولة الخلافة الإسلامية هم والترك والعجم والكرد والبربر وغيرهم. وقد قال أبو عبد الرحمن بن خلدون في «مقدمته» «العرب شعب لا يجمعهم إلا دين» أ.هـ. ومن قبل هذا كله فقد قال الله عز وجل «…وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً …» (آل عمران:103)، وقال تعالى -ممتنا على نبيه (صلى الله عليه وسلم)- «…هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) «(الأنفال: 62، 63).
ولم يرفع هذه الشعارات إلا الاستعمار وأشياعه فرفعوا شعار «القومية العربية» منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي للوقيعة بين العرب والأتراك لتفتيت الدولة العثمانية، ونجحوا في ذلك في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م)، ثم رفعت بريطانيا ممثلة في وزير خارجيتها «إيدن» شعار «الوحدة العربية» عام 1941م لإجهاض أي محاولة لإحياء الخلافة الإسلامية بعد زوال الخلافة العثمانية، فرفعوا شعار «الوحدة العربية» لقطع الصلة بين العرب والعجم خصوصا أن مسلمي الهند كانوا من أشد المتحمسين لإحياء الخلافة، فجاء شعار الوحدة العربية بديلاً عن الخلافة وكان نواة ذلك تأسيس «جامعة الدول العربية» عام 1945م. هذه هي حقيقة الأمور وحقيقة الوحدة العربية التي لن تتحقق أبدًا إلا إذا عاد الناس إلى تحكيم شريعة ربهم فيؤلف بين قلوبهم كما فعل بأسلافهم. وإلا فإن البديل هو ما عليه الحال الآن من التفرق والتناحر واستعلاء الأعداء والتخلف، وقد قال الله عز وجل «…إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد:11).
**
نص الحلقة الأخيرة من الوثيقة:
خامس عشر: البشارة بانتصار الإسلام وظهوره وبقائه وبقاء أهله إلى آخر الزمان
قال الله عز وجل «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)» (التوبة:32، 33).
وقد كان من ذلك ما شاء الله سبحانه فأكمل للمسلمين دينهم «… الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً» (المائـدة:3)، وأيد رسوله (صلى الله عليه وسلم) ونصره على المخالفين، وأظهر دينه وأقام للمسلمين دولتهم وأمَّنهم بعد خوف وأغناهم بعد فقر، ثم جرى على المسلمين بعد ذلك من النكبات ما لا يخفى على ناقد بصير لمّا كثرت فيهم الذنوب والمعاصي كما قال الحق سبحانه «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (الإسراء:7)، وقال تعالى «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» (الشورى:30)، ولما أصيب المسلمون في غزوة أُحد قال الله تعالى لهم «قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ» (آل عمران:165)، بيد أن الهزيمة في «أُحد» لم تكن نهاية المطاف، وامتن الله عليهم بعد ذلك بالنصر والظهور، وكذلك ما عليه المسلمون اليوم من الضعف والتفرق والخذلان ليس هو نهاية المطاف، فالخير باقٍ في هذه الأمة والنصر قادم بإذن الله تعالى كما بشرنا بذلك رسولنا (صلى الله عليه وسلم).التاريخ السياسي للإسلام
1) وقد أوجز النبي (صلى الله عليه وسلم) التاريخ السياسي لأمة الإسلام في حديث صحيح ذكر فيه تسلسل مراحله؛ من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض إلى الملك الجبري إلى خلافة على منهاج النبوة (هذا الحديث رواه أحمد في المسند بإسناد حسن)، وعصرنا الحاضر هو عصر الملك الجبري في معظم بلدان المسلمين، فلابد أن تعقبه خلافة على منهاج النبوة لا شك في قدومها طال الزمان أم قصر، وهذه الخلافة المرتقبة ليست هي خلافة خليفة الله المهدي رضي الله عنه، وإنما هي قبله، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «يظهر المهدي عند موت خليفة» (أورده ابن كثير رحمه الله في كتابه: النهاية، وقال: إسناده جيد قوي) وسوف تمتلئ الأرض عدلاً ورخاءً بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، بشرنا بذلك كله الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فقال «يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال ولا يعده» رواه مسلم. و«الحثوة» هي الحفنة.
2) وفي السنة التقريرية:
إن الخلافة قد تنقطع من الدنيا في بعض الأزمنة، كما في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال «فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟» الحديث متفق عليه، بيد أنه ومع انقطاع الخلافة أحيانا لا ينقطع الإيمان والمؤمنون من الدنيا أبدًا وإلى قرب قيام الساعة حين تهب الريح الطيبة التي تقبض أرواح جميع المؤمنين في الدنيا وذلك بعد التميز الكامل للناس إلى مؤمن وكافر بطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ولا يبقى على الأرض إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة، صح الحديث بذلك عند مسلم رحمه الله، فلا تقوم القيامة وعلى الأرض مؤمن، أما قبل ذلك فلابد من وجود الإيمان والمؤمنين في الدنيا.أهل العلم
3) وكذلك أهل العلم بالدين باقون لا ينقطعون من الدنيا: كما ورد في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» قال البخاري: «وهم أهل العلم»، وهذه رواية من روايات حديث الطائفة المنصورة.
4) وكذلك حجة الله تعالى على خلقه باقية إلى آخر الزمان حتى لا يسقط التكليف الشرعي بذهاب الحجة، وتبقى حجة الله تعالى قائمة بحفظه سبحانه لكتابه كما قال جل شأنه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)» (الحجر:9)، وببقاء العلماء في الدنيا كما في الحديث السابق «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» واستنباطًا منه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة» وصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله «يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (رواه الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه: شرف أصحاب الحديث)، فالقرآن والعلم والعلماء باقون إلى آخر الزمان بفضل الله تعالى.
5) وكذلك الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد في سبيل الله تعالى ماض لا ينقطع من الدنيا بالكلية إلى آخر الزمان، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» وقد أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه في باب «الجهاد ماض مع البر والفاجر»، وهذه العبارة من اعتقاد أهل السنة والجماعة، وفي رواية لحديث الطائفة المنصورة في سنن أبي داود رحمه الله بيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) استمرار الجهاد في هذه الأمة حتى قتال الدجال بعد خروجه فقال (صلى الله عليه وسلم) «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال» وسوف يكون هذا بإذن الله بعد نزول المسيح عليه السلام من السماء وفي زمنه، وهو الذي سيقتل الدجال بيده الكريمة وهذا نهاية الجهاد في سبيل الله في الدنيا، وبعده سيخرج يأجوج ومأجوج وسيهلكهم الله بالأسباب السماوية من دون قتال كما سبق القول، وعند نزول المسيح عليه السلام من السماء ستكون الإمارة الإسلامية قائمة، وفي الصحيح أن المسلمين يقدمون المسيح عليه السلام ليصلي بهم إمامًا فيأبى ويقول لهم «بل بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة» رواه البخاري، فيصلي المسيح عليه السلام خلف إمام المسلمين حتى لا يتوهم أنه قد جاء مبتدئًا شرعًا جديدًا بل ينزل متبعاً لشريعة محمد، إذ لا نبي بعده (صلى الله عليه وسلم).القرآن باقٍ
فالخير لن ينقطع من الدنيا، والقرآن باق ومحفوظ من التبديل، والعلم والعلماء باقون وحجة الله على خلقه لا تنقطع، والجهاد ماض، والخلافة قادمة بإذن الله، وأمة الإسلام باقية ولا ينقطع الإيمان وأهله من الدنيا، وكل هذا إلى آخر الزمان حين تهب الريح الطيبة، وفي زماننا هذا بالرغم من الضعف الذي أصاب المسلمين فلن نكون بإذن الله أقل ثقة بالله من عبد المطلب لما قال لأبرهة الحبشي «إن للبيت رباً وسيمنعه» فنحن أيضًا نقول «إن للإسلام ربًا وسينصره»، فالنصر قادم للإسلام والخلافة قادمة بإذن الله، والله سبحانه ينصر دينه بمن يشاء وقتما يشاء وأينما يشاء «ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة» حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجة.
ولا ينبغي أن يدفع الاستعجال أو الرغبة في الانتقام من أعداء الله بالمسلمين إلى سلوك وسائل غير شرعية أو الوقوع في العدوان المنهي عنه أو تكليف أنفسهم أو غيرهم بما لا يطاق.
وما لم يدركه المسلم من أحداث آخر الزمان المذكورة في هذا البند لا يجب عليه منها شيء إلا الإيمان الخبري الاعتقادي بما صح منها، أما ما يجب على المسلم والذي سيحاسبه الله عليه وهو ما ينبغي أن يشغل نفسه به فهو معرفة واجب وقته، فيتعلم ما أوجبه الله عليه في وقته ويعمل بما يستطيعه منه في حدود قدرته وطاقته قال تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (التغابن:16)، وقال سبحانه «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (الملك:2).اتقاء الله مع الأعداء
ومع نصيحتنا للمسلمين بعدم الوقوع في العدوان المنهي عنه، وأن يتقوا الله حتى مع أعدائهم، فإننا ننصح أيضًا الدول غير الإسلامية بعدم العدوان على المسلمين وعدم ترويعهم في بلادهم وعدم قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال وعدم تخريب بلاد المسلمين وممتلكاتهم، لأن بعض المسلمين يعتقد أن الرد بالمثل جائز في هذه الحال ويستدلون بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» (البقرة:194)، وإن كان هذا لا يجوز على إطلاقه في شريعة الإسلام لأن تكملة الآية السابقة هي: «وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)» (البقرة:194)، والعدوان ليس من التقوى.. كما نقول لرعايا الدول غير الإسلامية… لا تنتخبوا المتطرفين لزعامة بلادكم لأنكم قد تدفعون ثمن ذلك إذا هاجم زعماؤكم المتطرفون بلاد المسلمين فإن بعض المسلمين يعتقدون أنكم مسؤولون عن أعمال زعمائكم لأنكم انتخبتموهم وتدفعون لهم الضرائب، فأقول لرعايا الدول غير الإسلامية لا تستفزوا المسلمين ولا تسيئوا إلى دين الإسلام ولا إلى نبي المسلمين محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا تنتخبوا المتطرفين لقيادتكم، لأنه إذا كان لديكم مجانين فإن المسلمين لديهم مجانين أكثر، وإذا كانت لديكم أسلحة متطورة فإن الضعفاء والمسلمين لديهم أسلحة فتاكة ومنها حب الموت والعمليات الفدائية، فليحذر عقلاء كل قوم… ومع ذلك فإننا ننهى المسلمين عن أي تجاوز للشرع، وإن كان أعداؤهم يفعلون ذلك، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المعاملة بالمثل والجزاء من جنس العمل ليس مطلقًا، وليست عقوبة من سرقك أن تسرقه، وضرب أمثلة أخرى، فالوقوف عند حدود الله واجب على كل حال، قال الله تعالى «وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)» (النساء:14).
ومن حق كل أمة أن تدافع عن كيانها ضد المعتدين، وإذا كان هذا حقًا طبيعيًا اتفق عليه الناس فإنه يرتقي عند المسلمين إلى مرتبة الواجب الشرعي، وقد قال الله تعالى «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ» (الأنفال:60)، فإرهاب الأعداء واجب شرعي، وهو ما يعرف في المصطلح المعاصر بالردع العسكري، فإرهاب الأعداء من الدين بنص قوله تعالى: «تُرْهِبُونَ بِهِ» (الأنفال:60) ومن أنكره فقد كذب بالقرآن وخرج من ملة الإسلام كافرًا بدليل قوله تعالى: «وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)» (العنكبوت:47)، ونحن لن نبدل ديننا لترضية الأعداء الذين لا يرضون إلا بإذلال المسلمين، ولكن الإرهاب الشرعي له ضوابط فلا يحل فيه الغدر ولا العدوان كما سبق بيانه.الجهاد في فلسطين
وقد قال الله تعالى «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)» (البقرة:251)، فلولا الجهاد في فلسطين لزحف اليهود منذ زمن على الدول المجاورة، ولولا الجهاد في العراق لزحفت أميركا على سورية منذ زمن ولاستعبدت شعوب المنطقة، فلا يحل لمسلم أن يطعن في فرائض الشريعة كالجهاد وإرهاب الأعداء إذ بذلك يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة «ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا». وبهذا تكون قد انتهت بنود هذه الوثيقة (وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم)، وبقيت بعض التنبيهات من كاتبها.التنبيه الثالث من الدكتور فضل
(في الرد على التخوف من أن هذه الوثيقة قد تثبط المجاهدين)عند كتابتي لهذه الوثيقة لترشيد العمل الجهادي قابلت بعض المنتسبين إلى الحركة الجهادية بمصر في السجون واستطلعت آراء الموافقين والمتخوفين من تبني الفصائل الجهادية بمصر للتوجه السلمي نحو الحكومة المصرية، ولم أجد لدى المتخوفين حجة شرعية تمنع هذا التوجه إلا شبهة واحدة لهم وهي «سد الذريعة»، وقالوا إن المسائل التي ستشتمل عليها هذه الوثيقة قد تؤدي إلى تثبيط المجاهدين، فلا داعي لكتابتها سدًا لتلك الذريعة، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه ثلاثة:
أولاً: لو افترضنا صحة قولهم وتخوفهم فإن القاعدة الفقهية تنص على أن «ما يحرم سدًا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة» ذكرها ابن القيم في «إعلام الموقعين ج2»، ومثال ذلك: النظر إلى المرأة الأجنبية يحرم سدًا لذريعة الزنا «أي أنه محرم لغيره لا لذاته» ولكن يباح منه نظر الخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر الحرام نظرًا إلى المصلحة الراجحة في ذلك، ولا شك في أن ما تشمل عليه هذه الوثيقة من ترشيد مصلحته أرجح بإذن الله من التثبيط المتوهم.
ثانيًا: إنه قد تقرر في نصوص الشريعة أن منع المخطئ وزجره عن الخطأ هو نصرة له لا تثبيط كما يظنه هؤلاء. وذلك من قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» فقالوا: كيف أنصره ظالمًا؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره» رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، فإرشاد المخطئ إلى خطئه نصرة له لا تثبيط. ألم ترَ كيف أن خبيبا رضي الله عنه أبى أن يقتل صبيًا من أبناء المشركين كما ذكرته من قبل، والآن يوجد من يقتل المئات بمن فيهم النساء والأطفال والمسلم وغير المسلم بدعوى الجهاد!
ثالثًا: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مثبطًا للمجاهدين والجهاد عندما أنكر على أسامة وقال له «فكيف تصنع بلا إله إلا الله»، وعندما قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»؟ فما رد أصحاب هذه الشبهة على هذه الأحاديث الصحيحة؟فائدة في الفرق بين المؤمن والكافر في البراءة:
لا يحـل لمسلم أن يتبرأ من مسلم وإنما يتبرأ من معصيته إن عصى، يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» فلم يتبرأ من خالد نفسه وإنما من عمله عملاً بقول الله تعالى: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216)» (الشعراء:216،215)، أما الكافر فإن المسلم يتبرأ منه ومن عمله كما قال تعالى «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» (الممتحنة:4)، وكما قال تعالى -عن امرأة فرعون-: «وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ» (التحريم:11).
وهناك من قال لي لماذا لا يكون نصح المخطئين في السر لا بالكتابة المعلنة؟، وجوابه من وجهين:
أولاً: أنه إنما يُنصح في السر من أذنب في السر، أما المجاهر أو المفاخر بذنبه فيجب نصحه والإنكار عليه علناً كي لا يقلده غيره، كما ذكره النووي في ما يجوز من الغيبة في «رياض الصالحين» وقد نقله عما ذكره أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين»، هذا عند تعيين شخص المخطئ، أما مع عدم التعيين فلا يرد الخلاف في الإسرار والإعلان، وهل تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في أخطاء أسامة بن زيد وخالد رضي الله عنهما سرًا أم أنكرها علانية رغم تعيينهما من أجل المصلحة العامة ليُحذر غيرهما؟. ولكن قومًا يخافون على وجاهتهم أكثر من حرصهم على نصح المسلمين.
ثانيًا: أنه لا سر في نقل العلم الشرعي إلى الناس حتى لا يندرس العلم ويُنسى، كما نقل البخاري في صحيحه عن عمر بن عبد العزيز رحمهم الله قوله «ولتُفشوا العلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا» أ.هـ. وكيف يعلم بقية الناس بل الأجيال القادمة الصواب من الخطأ إذا كان كل النصح والإنكار في السر؟ وهل يُثمر هذا إلا تكرار الأخطاء في كل جيل؟.
والأحكام الشرعية لا تبني على الحماسة والأوهام وإنما على الأدلة الشرعية وإن جاءت على خلاف مراد النفس وهواها، فهذا هو مقتضى التكليف وحقيقة العبودية لله وحده لا شريك له.
وكما ذكرت في أول هذا التنبيه فقد قابلت المتخوفين والمترددين في تبني التوجه السلمي، وذكرت لهم الأدلة على ذلك بحسب ما أوردته في هذه الوثيقة، ولم أجد لديهم لا علمًا شرعيًا ولا حجة يعتمدون عليها، ومازلت أقول لهـم ولكل مخالف قول الله تعالى «قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111)» (البقــرة:111)، وقول الله تعالى: «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ (148)» (الأنعام:148). وقد تقرر في الشريعة أن كل من بلغه الحق بالدليل الشرعي فأعرض عنه بغير حجة شرعية فإنما هو متبع لهواه، وهو من الظالمين الضالين، كما قال الله عز وجل «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)» (القصص:50)، وقال الله سبحانه «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29)» (الروم:29).خاتمة وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم
قال الله عز وجل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)» (الصف:10-13).
ولما كان الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين حتى آخر الزمان، وقد شابته مخالفات شرعية جسيمة في السنوات الأخيرة، فقد وجب التنبيه عليها والتحذير منها، وقد كان هذا هو الباعث على كتابة هذه الوثيقة التي أرجو أن ينفع الله بها الإسلام والمسلمين، إنه قريب مجيب.
وقد كتبت كل هذه الوثيقة من الذاكرة بحسب ما تيسر وذلك لعدم وجود مراجع شرعية وقت كتابتها نظرًا لظروف السجن، وبالتالي فإن ما في هذه الوثيقة من أحاديث نبوية أو نقول عن العلماء أكثرها بالمعنى لا باللفظ وذلك بما لا يخل بمضمونها إن شاء الله، نظراً إلى عدم توافر المراجع، وقد توخيت فيها الاختصار غايتي، فجاء كلامي في مواضع كثيرة على سبيل الإشارة فقط، كما لم أذكر كثيرًا مما أتذكره من أقوال علماء السلف خشية الإطالة واعتمدت أساسًا على ما يُحتج به وهو الكتاب والسنة، أما أقوال أهل العلم فلا حجة فيها وإنما هي للاستئناس وللتفهيم.
وما لم أتذكر تخريجه من الأحاديث في هذه الوثيقة هو في معظمه من الحديث المقبول، وأحيانًا أذكر جزءًا من الحديث وهو موضع الاستدلال منه من أجل الاختصار عملاً بمذهب من أجاز ذلك كالإمام البخاري رحمه الله.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وعلمه تعالى أتم وأحكم، وبالله تعالى التوفيق.
«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)»، «وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)» (البقرة:128،127) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
* كتبها: الدكتور فضل
وهو: السيد إمام بن عبد العزيز الشريف
المعروف بعبد القادر بن عبد العزيز
في يوم الخميس 18من صفر 1428هـ الموافق 8 مارس2007م
* الموقعون على هذه الوثيقة
نوافق على بنود هذه الوثيقة ونعلن التزامنا بها، وندعو جميع المهتمين بالجهاد وعموم المسلمين في مصر والعالم إلى الالتزام بما ورد فيها من ضوابط شرعية لترشيد الجهاد.
وقد قام بالتوقيع بالموافقة على ما ورد في هذه الوثيقة المئات من الأفراد المنتسبين إلى الفصائل الجهادية المختلفة بمصر، وأسماؤهم وتوقيعاتهم مودعة لدى الجهات المختصة بمصر.
مراجعات جماعة “الجهاد” .. وثيقة الترشيد (الحلقة 13)
“حسن الخلق واجب مع جميع الناس مسلمهم وكافرهم”
الرجوع وليس المراجعةجاء فى العقيدة الطحاوية ” ونرى الصلاه خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم , ولا ننزل أحدا منهم جنة ولا نارا ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شئى من ذلك , ونذر سرائرهم الى الله تعالى . ولا نرى السيف على احد من امة محمد صلى الله عليه ويلم الا من وجب عليه السيف , ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاه أمورنا وان جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية ” الرجوع للحق… قراءة المزيد ..